لا يخفي سعيد تصرفاته الأنثوية على رغم ملامحه الذكورية الصارخة، حيث تقف فطرته التكوينية، حاجزاً أمام رغبته في أن يكون"رغد"، الاسم الذي يحلم أن يُطلق عليه في يوم من الأيام"إذا تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال". من يلتقي سعيد 15 عاماً لا يمكن أن ينكر ذكوريته، على رغم محاولته الدؤوبة للحاق بركب"اللوك الجديد"، وآخر ما توصلت إليه الموضة الأوروبية من عطور ومستحضرات التمليس والتنعيم وكريمات ترطيب البشرة. عاش سعيد صبياً وحيداً بين ثماني فتيات، وكان ترتيبه السادس بعد خمس بنات، جلبن للأبوين"الشؤم والخوف"من لقب أبو أو أم البنات، حتى جاء نبأ ولادته، فكانت السعادة مضاعفة، وكأنها الولادة الأولى للأم، التي اعتادت حسب قول ابنها"تربية البنات"، فانعكست هذه التربية عليه. وبعد ثلاث سنوات من ولادته، توفي والده في حادثة مرورية، وبقيت الأم وحيدة بين أطفالها، فكان حرصها وخوفها على الابن الوحيد مصدراً لتعاسته في المستقبل حسب قوله، مضيفاً"كانت لا ترضى أن أكون صداقات، وتحرمني من اللعب، وحتى الخروج من دون أن تمسك يدي، والمكان الوحيد الذي استطيع أن أنفس فيه عن مكبوتاتي هو البيت، الذي يعج بالبنات". اعتاد منذ طفولته اللعب بالدمى، وارتداء الملابس النسائية، التي كان يتطلبها الدور التمثيلي للعب"إن لم أفعل لن أقبل في ألعاب الفتيات، التي كانت المصدر الوحيد للتسلية". وما زاد الأمر سوءاً، أنه أصبح يختلط وباستمرار مع صديقات والدته، فأخذ عن إحداهن نقش الحناء، وعن أخرى طرق تصفيف الشعر، وثالثة الرقص، ورابعة الطبخ والخياطة"وحكايات الحريم التي لا تنتهي، والتي غالباً ما تكون في أعراض القريب قبل البعيد". حتى أنه أخذ مهمة السؤال عن الغائبات بالنيابة عن والدته، التي كانت تعد هذا التصرف من تأدية الواجب. وتشكلت مع مرور الأيام داخل شخصية سعيد دوافع نسائية تظهر واضحة في اهتمامه الكبير بكل ما يستهوي النساء من أمور يعدها البعض حكراً عليهن، مثل الغسيل والطبخ والتسوق"كنت أخاف من صداقات الذكور، إذ كنت أراهم مخيفين، ولا أدري لماذا؟ على رغم أنهم كانوا ينظرون لي بالنظرة الغريبة نفسها". ووجد صعوبة مع تقدم الزمن أن يخفي رغبته في أن يكون"رغد"، الاسم الذي أحبه كثيراً، ووجده مناسباً لجسمه النحيف وبشرته الحنطية الداكنة"لأنه موسيقي ويوحي بالنعومة والأناقة"، إلا أنه وعلى رغم عدم تمكنه من الدراسة التي كانت مخيفة بالنسبة له، بسبب وجود ذكور كثيرين مغايرين للوضع الذي اعتاده، لا يزال يلقي اللوم والتأنيب على والدته، التي جعلته"فتاة في جسد صبي"حسب قوله، مضيفاً"لو لم أعامل كفتاة منذ صغري، لما كنت غريب الأطوار، كما يراني البعض، وأذكر أنني كنت أضع الحناء على يدي، وأطلي أظافري، كما تفعل أخواتي، حتى أنه كان لي يوم محدد للكنس والمساعدة في الطبخ كأي بنت في المنزل". وتندهش النساء اللواتي يشاهدن نقوش الحناء على كفوف أخوات سعيد، لدقتها وجمال رسمها، إلا أنهن يصعقن حين يعلمن أن شاباً في ال 15 من عمره هو من سرق مهنة النساء ومارسها. ويقول:"لا أضع الحناء إلا على كفوف أخواتي، بسبب العرف الاجتماعي، الذي يمنع الاختلاط بالأجنبيات، إلا أنني لا أجد حرجاً من هوايتي هذه". ويتقن سعيد طبخ أصناف متعددة، فهو"سيد مطبخ شاطر". ويقول:"أتابع على الدوام برامج المطبخ التي تُعرض كل صباح، وأحاول تدوين الأطباق الجديدة، وأفاجئ عائلتي بها". وعن تكوين أسرة مستقبلية يقول سعيد:"يبدو أن الأمر أصعب مما أتصور، لأنني أحاول هذه الأيام استرداد بعض من شخصيتي المفقودة، وأنا في تحسن، بعد أن تعرفت إلى أصدقاء مميزين، تقبلوا مشكلتي وساعدوني على الاختلاط، وأقنعوني أنني شاب، ولست كما كنت أتخيل، ولكنني جاد في تكوين أسرة، ولن يكون ابني في المستقبل كما كنت، بل سأجعله رجلاً". جاء هذا القرار بعد الانتقادات الحادة والمضايقات التي تلقاها من أقربائه وأبناء بلدته، حتى أنه كان يشعر على الدوام أنه"عار وغير مرغوب فيه"، ما جعل فكرة التصحيح هذه"خطوة لا رجعة عنها". وفي مقابل سعيد أو"رغد"، تعاني بدرية 23 عاماً من ذكورية طاغية على شخصيتها وملامحها، والتي أبعدت الكثيرات عنها، وجعلتها تعيش في عزلة دائمة. فلقد عاشت طفولتها وحيدة بين عشرة ذكور، ولم تجد نفسها إلا وهي تتحدث بحديثهم، وتستهويها تحدياتهم، وتجذبها عضلاتهم، حتى أنها كانت تمر على الحلاقين، لترى كيف تُحلق الذقن، وتُرتب الشوارب. وأطلق عليها الأقارب"المرأة الحديدية، و"المارد الجبار"، بسبب توليها لأعمال الرجال من دون تردد، مثل الحفر والضرب والتقطيع والمطارحة بالأيدي، إلا أن مزاحها القوي كان له أثر سلبي في نفور الكثيرات عن تكوين علاقة معها، لأنها خشنة الطباع، ذكورية التصرفات. ويقول أحد أقاربها:"وضعنا ذات يوم رهاناً على من يفوز في مسابقة المطارحة، وكان الرهان مئتي ريال، وقررنا أن يتسابق الذكور، إذ فوجئنا ب"بدرية"تشمر عن ساعديها وتهتف"من يتحداني؟!"، في البداية انفجرنا من الضحك، واعتبرناه مشهداً مسلياً، إلا أنها أثبتت للجميع أنها لا تُهزم، إذ تفوقت على ثلاثة مصارعين، وكسبت الرهان. وحجبت هذه التصرفات الرجال عن التقدم لخطبتها، على رغم"ملامحها الجميلة وتفكيرها الواقعي"، حسب وصف القريب، الذي يجدها"أنثى حقيقية في جسد رجل"، مستدركاً إنها"تصلح لهذا الزمن الذي علت فيه أصوات المطالبات بالمساواة". ويذكر أنها دخلت في مشاجرة قوية في السوق، حين اعتدى أحد المتسوقين على أخيها بالضرب، إذ طرحت المعتدي أرضاً، غير مبالية بالكدمات التي علّمتها على جسد الشاب، الذي هرب مفزوعاً من قوتها، وسط دهشة المتسوقين، الذين خافوا التحدث، كي لا يصيبهم غضب بدرية. الشرع: تغيير الجنس مُحرّم مطلقاً قد يكون تغيير الجنس هو أحد الحلول لسعيد وبدرية وغيرهما ممن يعانون من المشكلة نفسها، بيد أن هذا الحل الذي عمل به الكثيرون في دول غربية، يواجه تحريماً شرعياً، يكاد يكون متفقاً عليه بين علماء الدين كافة، ومن مختلف المذاهب والفرق الإسلامية. وحرمت الندوة الثالثة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في صورة قطعية عمليات تغيير الجنس"استجابة للأهواء المنحرفة"، وعلى رغم أنها أباحت إجراء عمليات لاستجلاء حقيقة الجنس. وفرّق المؤتمر بين التغيير الحاصل على أجزاء في البدن، والتغيير من طريق العلاج الجيني، فالأول يتم من طريق إجراء عمليات تجميلية واقعة على الأعضاء المصابة بالآفة أو القُبح، أما العلاج الجيني، فيتم من طريق العبث في المصادر المتحكمة والأجهزة المتحكمة في الأعضاء، والمسؤولة عنها شكلاً ولوناً وكيفاً وكمًّا حسب سنة الله، بالتدخل في الجينات، أو الاستئصال أو التبديل فيها، ولكن هذا الفرق غير مؤثر في عموم الحكم الخاص بتغيير الخلقة. ويقول أستاذ الفقه وأصول الدين في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض الدكتور سعد الشتري، في موضوع تغيير الجنس:"قرر الفقهاء عدم إيجاد نوع إنساني ثالث غير الذكور والإناث، واستدلوا على ذلك بعدد من النصوص الشرعية، التي حرمت التشبه، سواء كان في الخلقة كتعاطي الرجل أدوية لبروز الثديين، أو تعاطي المرأة هرمونات لإنبات لحيتها أو كان في اللباس كالحلي والحرير". ويؤكد أستاذ جراحة التجميل في القصر العيني في القاهرة الدكتور أحمد عادل نور الدين أن"عملية تغيير الجنس لا يتم وفق قرار فردي، بل يتم بعد التأكد من وجود مرض عضوي في كروزومات الجسم، أي أن الذكر الذي تؤكد كروزومات جسمه انه ذكر، لكن بسبب وجود مرض عضوي جعل أعضاءه الذكورية تختفي مع تزامن تربيته في الصغر ومعاملته على أنه أنثى، وبالإشاعات الطبية والتحاليل نستطيع تحديد الجنس وإجراء عملية التصحيح". ينقسمون إلى"تجاري وأصلي"... والفروقات كبيرة يرجع الطب النفسي الحديث أسباب ظاهرة تبادل الأدوار بين الشبان والفتيات ونشأتها إلى"عوامل أسرية واجتماعية في الدرجة الأولى"، نافين أن تكون"وليدة مجتمع عن غيره، فكل بلدان العالم تحتضن مثل هذه الظاهرة، التي جعلت مناهضين لها يطالبون بإنشاء منظمات حقوقية لهذه الشريحة، تحمي مصالحهم، وتدافع عنهم، وتوفر لهم الخدمات". وفي أحد البلدان الأوروبية، طالبت إحدى تلك الجمعيات إحدى الحكومات أن تمنحها"حق الزواج من بعضهم، بعيداً عن سياج الجنس والتشكل البيلوجي"، وفتحت عيادات خاصة لعمليات التحويل، حتى وصلت هذه العمليات إلى بلدان عربية، فباتت تمارس نشاطها خفية وخلف الستار". ويصنف الجنس الثالث محلياً إلى صنفين"أصلي وتجاري"، والأخير يعرفون ب"المخنثين"، وهم أكثر شهرة من الأصليين، ويجاهرون برغباتهم وأنشطتهم ونياتهم الأنثوية، أما الأصليون، فهم شديدو الحرص والحذر من إظهار شخصياتهم ونشاطاتهم، التي تقتصر على حفلات خاصة، لا يُدعى لها إلا الأصدقاء المقربون، ضمن الفريق، ويتزعمهم رئيس يدير دفة الحفلة الراقصة، التي يُختار فيها"ملك جمال"الحفلة، أو"ملكة جمال"الحفلة حسب العرف المتداول بينهم.