يواجه الشأن الثقافي في السعودية تحديات عدة. وقبل نحو ثلاث سنوات أعلن عن وزارة للثقافة، وبدا هذا الإعلان مؤشراً إلى حقبة جديدة تدخلها الثقافة في البلاد، لناحية التئام الكثير من الجهات المعنية بالثقافة في حقيبة واحدة، وعزز من ذلك تعيين الناقد عبدالعزيز السبيل قبل بضعة أشهر وكيلاً للشؤون الثقافية في الوزارة. هنا حوار معه حول الشأن الثقافي في السعودية: مرت عقود والشأن الثقافي في السعودية يعيش نمطية في الأداء، ومنذ نحو ثلاثة أعوام بدا أن هناك بوادر يمكن معها للمثقفين والثقافة الدخول في حقبة جديدة... في رأيك، ما العوامل التي جعلت المؤسسات الثقافية لا تستوعب التنوع الثقافي وحداثة المنجز الأدبي، ما جعل السعودية تتأخر نوعاً ما عن بعض جيرانها مثلاً؟ - علينا أن نتفق على المقصود بالتقدم والتأخر، أو الانفتاح والانغلاق بين مجتمع وآخر. أعتقد بأن التغييرات التي تحدث في العالم، والعالم العربي جزء من هذا العالم تقود إلى رؤية فرضها الواقع، وهو أن عالم اليوم ليس كعالم الأمس. قبل خمس سنوات مثلاً، أصبحنا في تحديات أكثر، أصبح المجتمع ينظر إلى نفسه من الداخل، أصبح ناقداً لنفسه، متسائلاً عن واقعه. الأوضاع السابقة كانت تتيح للإنسان أن يبقى داخل منزله. الآن لا يستطيع على اعتبار أنه لو أغلق الباب فسيأتي التأثير من النافذة، وإذا أغلق النافذة فسيأتي التأثير عبر وسائل اتصال لا تحتاج إلى باب ولا إلى نافذة، تدخل إلى أعماق الفرد وأعماق المجتمع بكل فئاته. فنحن أمام واقع جديد مختلف، وإذا لم تتحرك المؤسسات، سواء المؤسسات الرسمية، أو مؤسسات المجتمع المدني في شكل يتوازى مع حركة العالم من حولنا، فمعنى ذلك أن جزءاً كبيراً من المجتمع سيسير خلاف ما نتمنى. ولذلك فإن أسلوب الرفض أو إغلاق الباب لم يعد مجدياً. وإذا كان البعض منا قد وقف ضد افتتاح مدارس للبنات في فترة تاريخية، وحاول منع التلفزيون أن يصل إلى المجتمع، وتردد في قبول الهاتف في مرحلة من المراحل، فإن عالم اليوم أصبح عالماً مختلفاً، وما كنا نرفضه قبل عقود، أصبحنا الآن نعتبره من الضروريات الأساسية. يجدر بنا أن ننظر إلى المسألة برؤية مستقبلية، وأن نستفيد من السبل المتاحة كافة لتأصيل هويتنا العربية الإسلامية، وإلا فأخشى أن نفقد جزءاً كبيراً من خصوصيتنا وهويتنا. كثيراً ما يتردد أن هناك مثقفين وأدباء في السعودية، ولكن في المقابل لا يوجد مناخ ثقافي... ما توجُّه وزارة الثقافة في المرحلة المقبلة بالنسبة إلى توفير مناخ يساعد الكُتاب على العمل والتطور؟ - التوجه الآن يتمثل في تفعيل المؤسسات الثقافية القائمة، ودعم مؤسسات المجتمع المدني، وإنشاء جمعيات تغطي الجوانب الثقافية كافة. ووزارة الثقافة بمؤسساتها الرسمية لا يمكن أن تكون هي الصانعة للثقافة. فالصانع للثقافة هم المثقفون والمثقفات. ودور الوزارة يكمن في فتح مزيد من الآفاق أمام الناس، ليتحركوا في إطار قناعاتهم ضمن - لا أقول قيود - ضوابط تحددها الضوابط الشرعية وأعراف المجتمع، المتفق عليها. والمجتمع السعودي حينما ينظر إليه من الخارج يبدو محافظاً جداً، لكنه من الداخل ليس كذلك. ولذا، فإنه يجدر بهذه الصورة أن تخرج إلى الواقع، ليعيشها الناس ويقيمون بتقويمها في شكل علني. ومن الأمثلة التي يمكن أن تساق في هذا الموضوع ضمن إطار التوجه الرسمي، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي لاحظنا أن آخر لقاءاته في مدينة أبها قبل أسابيع نقلت حية على الهواء عبر التلفزيون، بما دار فيها من مناقشات مثلت أطياف المجتمع بكل فئاته. وهذا يعني أن الحوار لم يعد في غرف مغلقة، وإنما أصبح مفتوحاً للناس كافة، وأكاد أجزم بأن كل مؤسسة ثقافية وكل جمعية أو ناد ثقافي سيتحول بالتالي إلى أن يكون مركز حوار، بحيث يكون المجتمع بكامله يعيش حالاً من حالات الحوار الدائم. على رغم وجود أسماء أدبية وثقافية بارزة، تسهم في شكل فاعل في رفد الحركة الأدبية في الوطن العربي، إلا أن صورة الثقافة في السعودية وانطلاقاً من عوامل داخلية ربما، لا تزال في حاجة إلى تصحيح، فهناك صورة لا تتزحزح في مخيلة كثير من الأدباء والمثقفين العرب... كيف ترى هذه المسألة، ومن المسؤول عن تكريس مثل هذه الصورة؟ - مشكلتنا مع الصورة النمطية أنه ليس من السهل تغييرها في زمن قصير. والمسؤولية مشتركة، بيننا وبين أشقائنا المثقفين العرب. بعض من هؤلاء المثقفين إيجابي ويتطلع إلى معرفة الواقع بموضوعية، وهؤلاء أصحاب فضل في متابعتهم والحديث عن الثقافة هنا عن معرفة ودراية. وآخرون مستعدون للتعرف، ولذلك حين تتاح لهم فرصة لقاء المثقفين من السعودية أو حضور مناسبات ثقافية، يصابون بكثير من الدهشة لهذا الواقع الذي يعده البعض منهم مفاجئاً. نقول دوماً لأشقائنا العرب المشهد الثقافي في المملكة مر بمراحل تطور كبيرة، ومعارض الكتب العربية تشهد لحسن الحظ إقبالاً من القارئ العربي على المنتج الثقافي العربي السعودي. والناشرون العرب الذين شاركوا في معرض الرياض الدولي للكتاب 2006، عبروا عن مستوى الوعي القرائي لدى قراء الكتاب في المملكة، وفوجئ البعض منهم بمستوى الإقبال على الكتاب العربي المؤثر. نحن في المملكة مثل أشقائنا في المغرب العربي، من حيث إن عدداً من المثقفين العرب ظل باقياً على الصورة المرسومة للثقافة الإقليمية قبل عقود من دون متابعة للتغيرات الكثيرة التي حدثت. أشعر بأنه يجدر بنا أن ننظر إلى الثقافة العربية في شكل تكاملي ومن منظور أشمل، بعيداً من تلك الرؤية الجغرافية الضيقة. على رغم وجود الكثير من المؤتمرات إلا أن كثيراً منها يأتي مكرراً من حيث المشاركين فيه، لعلنا في حاجة إلى جهد عربي أكثر شمولاً في رؤيته الثقافية والجغرافية، إذ يكون الحضور العربي يمثل الجميع، لتصل جميع الأصوات إلى المواقع الجغرافية كافة في وطننا العربي الكبير. تقول في إحدى المقابلات معك قبل أن تتولى منصبك في وزارة الثقافة:"عندما يكون هناك اتفاق مشترك بين السياسي والمثقف، فإن الخاسر الحقيقي هو المجتمع، ولن تتحقق بالتالي ثقافة حقيقية للمجتمع"... هل يمكن اعتبارك الآن متفقاً مع السلطة كونك أصبحت جزءاً منها؟ وهل لا بد للمثقف من أن يتصادم مع السلطة؟ - بحسب رؤيتي، المقولة لا تزال قائمة، لأن السياسي في أي بلد من البلدان له مشروعه، والمثقف في الوقت نفسه له مشروعه. وطموح المثقف أكبر من طموح السياسي، في ما يتصل بعملية التغيير في المجتمع. وأتوقع ألا يكون هناك وفاق بين السياسي والمثقف، كما أنني لا أنادي أبداً بأن يكون هناك صدام بين الطرفين، لكنني أطلب من المثقف أن تكون أطروحاته ذات معقولية، من حيث التنفيذ، وحينما ينجح في تنفيذها، سينتقل إلى مرحلة أخرى من المطالبات والطموح، ولذلك سيظل على غير وفاق. أما حين يكون الطرفان في حال وفاق، فإن هذا يعني أننا أصبحنا في حال من الركود والسكون، والثقافة بطبيعتها ديناميكية متحركة ومتغيرة، ولذلك فإن رؤية المثقف تعلو قليلاً على رؤية السياسي بالنسبة الى المستقبل، والسياسي لديه العذر لأنه محكوم بالهاجس الأمني بمفهومه السياسي والاجتماعي الكبير، في حين أن المثقف ليس في ذهنه تلك المسألة. وأجزم بأن كلا الطرفين حريص على أن يحقق للمجتمع الأفضل. الثقافي والسياسي لكن في ضوء ما قلته مرة أن"كل الأنظمة السياسية لا تعطي الثقافة القيمة الحقيقية"... كيف يمكن أن تعمل وأن تقدم ثقافة حيوية وفاعلة؟ - لدينا نحن إشكالية في العلاقة بين الثقافة والسياسة، وأحياناً في بعض البلاد يلعب المثقفون الدور الثقافي ضمن إطار ما تريده السلطة، وهنا يحصل الخلل. ودائماً أشعر بأن الأنظمة السياسية في شكل عام، لا تعطي المثقف تلك القيمة الكبرى. بعض الأنظمة يختار بعض الأشخاص الذين يتوافقون معها في توجهها أو في ميولها، في حين أن المثقفين كما هو متوقع هم أصحاب التأثير الكبير في المجتمع، وهم أصحاب مشروع التنوير والتغيير في المجتمع، ولذلك مهم جداً أن يكون هناك نوع من التعاون، ولكن ليس ذلك التعاون المتفق عليه تماماً. من المؤكد أن هناك حاجة لوجود أرضية مشتركة تعطي المثقف حضوراً حقيقياً، لكي يستطيع أن ينهض بالمجتمع. ويتعامل السياسي مع المثقف في إطار ما يمكن إنجازه من أجل الرقي والتطور. إشكاليتنا أن البعض من المثقفين لا يريد أن تكون له أو لزملائه علاقة نهائياً بالسلطة، مع أنه يفترض النظر إلى السلطة السياسية، على أنها جزء من التكوين الاجتماعي العام، بصرف النظر عن الطريقة التي وصلت من خلالها إلى الحكم. علينا أن نتعامل مع الظروف بواقعية أكبر. فأسلوب الرفض التام والانغلاق وإقفال الأبواب والنوافذ، والتغني بالمثالية، من دون تقديم عمل ثقافي مفيد ومؤثر، سيجعلنا نعيش حالاً من حالات الفردية السلبية. في رأيك... هل انحسر المد الحداثي وأطروحاته في الأدب والفكر، الذي شهدت الثمانينات الميلادية من القرن المنصرم، صعوده؟ وهل هزم كما يردد الرافضون له؟ - قد يرون أن أطروحات الحداثة هزمت، في حين أنني أشعر في بعض الأحيان بأن الحداثة تلبست بعض هؤلاء الأشخاص، وأصبحوا هم يعيشونها وإن كانوا في حال رفض لها نظرياً. المسألة في تصوري ليست في ضرورة إقناع الآخر، إنما في الاستماع إليه. وحينما نعود إلى مرحلة منتصف الثمانينات، وهي مرحلة الصراع الكبير بين الحداثيين والمحافظين، أجد أنها كانت مرحلة صدام شديدة وكبيرة، لكنني لا أنظر إليها بصفتها تمثل حال انهزام أو نصر لأي من الطرفين. الذي حصل هو أن هذا الاحتكاك والتصادم بدأ شيئاً فشيئاً يميل إلى أن أصبح يسير في خط متواز، وأصبح المحافظ جداً تتلبسه حال من حالات الحداثة، والحداثي المغالي أصبحت رؤيته للمجتمع أكثر تفهماً من ذي قبل، فأصبحت المسألة أقل حدة من قبل، فلم ينهزم أحد بل انتصر الفريقان، إذ تخلى كل منهم عن حدته وغلوه في التعبير عن أفكاره. وأصبح المنتصر الحقيقي هو المجتمع بوجود التعددية في داخله. المطالبات الملحة والشرسة أحياناً في الصحافة الثقافية السعودية، بتغيير رؤساء الأندية الأدبية، وهو ما تحقق أخيراً، بدت وكأنها رغبة في الانتقام من بعض هؤلاء الذين أقصوا التنوع الثقافي لمصلحة طرف واحد، وظلوا في رأي الكثير من المثقفين يديرون المؤسسات الثقافية وكأنها ملكية خاصة... هل تتصور يوماً ممثلي الطرفين يديران معاً نادياً أو مؤسسة ثقافية من دون أن يقصي أحدهما الآخر؟ - أعتقد بأن هذا ما يحصل، ووزارة الثقافة والإعلام تتوجه الآن نحو تأسيس مؤسسات المجتمع المدني التي ستقوم باختيار ممثليها من بينها، وسيكون التفاعل للصوت الأغلب، بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا. وأعتقد بأن حركة المجتمع الآن جعلت الأمور أكثر عقلانية من ذي قبل، وأصبحت الأصوات المتطرفة، في أي طرف من الأطراف إذا كان هناك أطراف كثيرة، أصبحت أقل تأثيراً، وأصبح هناك نوع من التوجه نحو ضرورة قبول الرأي الآخر، والتعاون معه في إطار ما نتفق نحن عليه. وأجزم بأن مؤسسات المجتمع المدني ستكون قادرة على تحقيق ذلك، بخاصة أن لدينا مثالاً مهماً جداً هو المجالس البلدية، فإذا كان الإنسان العادي دخل وأخذ بطاقة الانتخاب وذهب ورشح من شاء، فما بالك بالطبقة المثقفة، أنا أجزم أنها ستكون قادرة على دخول هذه المرحلة بإيجابية كبيرة. هناك من يعتقد بأن ليس فقط رؤساء الأندية الأدبية، بخلفياتهم المحافظة، هم من يعوقون إنجاز عمل ثقافي مدروس، إنما حتى بعض المثقفين الكبار ممن ذاعت شهرتهم وتكرسوا كمؤسسات، من خلال أمزجتهم أو ما شابه... - من الواضح أن لدينا إشكالية من نسميهم الرموز أو النخبة. وتلك لا تخص الجانب الثقافي وحده. أعتقد بأن جيل الثمانينات والتسعينات يعاني هذه المشكلة في شكل كبير، إذ لا تزال تلك الرموز من مرحلة السبعينات هي الأكثر هيمنة وسيطرة على المشهد الثقافي. ومن المهم أن يتعامل المجتمع مع هذه المسألة في شكل مختلف. فالرواد لهم دورهم، والرموز أيضاً لهم قيمتهم الكبرى، ولكن لم لا يوجد سوى عشرة رموز مثلاً، هناك أسماء نشعر الآن بأنها أكثر تأثيراً من خلال ما تكتب وتنتج، من بعض الأسماء التي يطلق عليها مسمى رموز، وحين نبحث عن واقع تأثيرها قد لا نجده كبيراً جداً. من الضروري إشراع الأبواب وفتح مزيد من الآفاق، والاحتفاء بأسماء جديدة، فالساحة واسعة جداً، وتعدد النجوم في الحقل الواحد فيه إثراء للساحة المعرفية، خصوصاً حين يكون هؤلاء النجوم مختلفين في رؤاهم وأطروحاتهم. ماذا عن المثقفين أنفسهم وضمان حقوقهم وتوفير الرعاية للمحتاج فيهم؟ وماذا عن الجوائز الأدبية المرموقة وسلاسل الإصدارات؟ - أولاً: موضوع الجوائز، فالوزارة تدرس هذا الموضوع، ولن يتأخر كثيراً، لأن هناك قناعة لدى الوزير بضرورة تفعيل هذه الجوائز، وتحديداً جائزة الدولة التقديرية. وحينما نأتي إلى مسألة المساعدات المالية، فوزارة الثقافة والإعلام لم تنظر يوماً إلى نفسها، على أنها مؤسسة ضمان اجتماعي، ولكنها تؤمن بأن مؤسسات المجتمع المدني، التي ستقوم الوزارة بتفعيلها وتتركها في يد المثقفين، يمكن لها أن تبحث عن الصيغة المناسبة لرعاية المثقفين. أما بالنسبة اى الإصدارات فهناك عدد منها سيبدأ قريباً منها:"ذاكرة الثقافة"التي ستهتم بإعادة نشر أبرز الكتب ذات القيمة الأدبية والفكرية والإبداعية، وسلسلة"هذه بلادنا"التي تعمل على التعريف بمدن ومحافظات المملكة، ثم هناك مشروع"كتاب الطفل". تحلم المرأة المثقفة في السعودية، بدور أكبر وبهامش أوسع من مجرد المشاركة البسيطة في الأندية الأدبية... ماذا يمكن عمله؟ - يكثر طرح المرأة في الجانب الثقافي، وكأنها غائبة. الثقافة يصنعها الإنسان ويتجه بها إلى الإنسان، من دون النظر إلى جنسه. والمرأة المبدعة شعراً وسرداً والناقدة والفنانة التشكيلية وسواها أصبحت أكثر حضوراً في الداخل والخارج، مشاركة ومتفاعلة مع ما يجري حولها. وحضورها في النوادي الأدبية أصبح ملحوظاً، وأجزم بأن مؤسسات المجتمع المدني ستمنحها مزيداً من الحضور. الرواية والمجتمع تعيش السعودية ما يشبه الازدهار في الرواية... كيف ترى هذه الرواية في علاقتها مع المجتمع السعودي؟ - بالتأكيد هي مرحلة الرواية، المجتمع السعودي مر بتحولات كبيرة، والرواية هي الفن الأدبي الأكثر قدرة على رصد هذه التحولات وتقديمها برؤية فنية واقعية. الرواية تستطيع الدخول إلى أعماق المجتمع، وتكشف المستور فيه، لأنها لا تنظر إليه من الخارج، لكنها تتعامل معه من الداخل، خصوصاً بعض الروايات المتميزة، التي صدرت في السنوات الأخيرة. وهي روايات فرضت نفسها ونجحت في إيجاد قاعدة قرائية كبيرة من أفراد المجتمع كافة. وعلى رغم وسائل الاتصال التي قد تكون أكثر إغراء، فإن الجيل الجديد أصبح يتابع ما ينشر بوعي قرائي متميز، خصوصاً في مجال الرواية، التي ترتبط بالأرض والمجتمع. وبعض هذه الروايات أحدث حالاً من الجدل الثقافي داخل المجتمع، وهذا أمر إيجابي من دون شك. لك اهتمامات واضحة بأدب الجزيرة العربية، انطلاقاً من موقعك الأدبي والثقافي والجهود النقدية التي قدمتها في هذا الخصوص... هل سيشهد أدباء الجزيرة العربية علاقة جديدة مع بعضهم البعض، خصوصاً عندما تقود بلد كالمملكة المبادرة الثقافية في لمِّ شمل أدباء ومثقفي الجزيرة العربية تحت أي مظلة؟ - هناك مسألة مهمة، وهي ضرورة كسر الحواجز القطرية الجغرافية الضيقة عند الحديث عن الثقافة، والنظر إلى المسألة في إطارها الجغرافي الأكثر شمولاً. وكما أطرح دائماً فإنني أتمنى أن أتعامل مع ثقافة الشام بكاملها، وثقافة المغرب العربي بكاملها، والوضع نفسه بالنسبة إلى ثقافة الجزيرة العربية، وبالتالي تصبح لدينا مجموعة مما نسميها كيانات ثقافية جغرافية. ثم يبدأ التواصل بين هذه الكيانات بشكل أقوى للتفاعل مع بعضها لإثراء الحركة الثقافية العربية. أجزم بأن هذا سيكون أفضل بكثير من التواصل بين قطرين فقط. فالثقافة لا تفصل بينها حدود جغرافية، خصوصاً حين نتعامل مع ثقافة عربية إسلامية واحدة لها هويتها العامة، لكن تختلف كثيراً في تفاصيل ثقافتها بسبب الاختلاف البيئي أو الجغرافي أو الإرث التاريخي، وهذا ما يجعلها أكثر ثراء، وأرحب اتساعاً في داخلها وفي النظر إلى الثقافات العالمية الأخرى. ماذا عن كتبك الجديدة؟ - لعلي أكون قادراً، خلال أشهر قليلة، بعد أن أكون وصلت إلى مرحلة من التوازن، بين الذاتية الفردية، وبين العمل الرسمي، على أن أصدر ما سبق أن أنجزته من قبل. +