ينبغي على التيار الإسلامي ألا يضيق ذرعاً - بل ألا يتضايق أصلاً- من النقد الموجه إليه، فالنقد الموضوعي البنّاء والعمل وجهان لعملة واحدة، والواجب تطبيع الروح النقدية، وقبول النقد حتى لو صدر من الخصوم، والنقد الذاتي ظاهرة إيجابية تستحق كل التشجيع والترحيب: ولا تحسب الشورى عليك غضاضةً فإن الخوافي قوة للقوادم وفي هذا المقال عرض نقدي لبعض المصطلحات والشعارات التي يرددها بعض الإسلاميين من مختلف طبقاتهم كتاب ? خطباء ? فقهاء - وعاظ - عامة.... ومن هذه المصطلحات التي تتردد كثيراً - وهذا ليس وقتها ولا قريباً من وقتها، بل بعض هذه الكلمات المصطلحات تحتاج إلى فقه وفهم قبل إخافة الناس بها - الخلافة - الجزية- الزهد- قيام الليل... فمثلاً هل هذا وقت الحديث عن الخلافة أم ينبغي علينا - قبل ذلك - أن نوقف الحروب العسكرية والسياسية والإعلامية بين الدول الإسلامية العربية المتجاورة...؟ وهل يشترط في شكل الدولة الإسلامية أن تكون خلافة؟ وهل الخلاف على اسم الدولة وشكلها خلافة - مملكة - سلطنة - جمهورية -... أم المهم والشأن والعبرة بالمسمى والمضمون والماهية العدل - الشورى - الحرية - توفير الحاجات والخدمات الأساسية لكل فرد [الغذاء- الدواء- السكن- المواصلات- الأمن...]؟ ثم كيف يكون الحديث عن الجزية والخلافة، وخيرات الأمة واقتصادها بيد أعدائها فلا تنال الأمة حتى نصيب الجزية والزكاة من مالها وخيراتها.. فالأمة في أحسن أحوالها - ووفق أعلى حالات التفاؤل - مستخلَفة لأعدائها وتدفع الجزية لهم! بل تدفع لهم الأكثر وما يبقى لها دون مقدار الجزية من أموالها! أفلا يكون الأولى السعي إلى وقف المزيد من الاحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين، بل وقف التطبيع والانبطاح للمستعمر؟ وهل نطالب الناس بالزهد والورع، في حين أن الرشوة والربا والسرقة والاختلاس من الأموال العامة والخاصة صارت ظاهرة متفشية في الكثير من المجتمعات الإسلامية. ثم كيف نطالب أناساً لا يؤدون الصلاة المفروضة بقيام الليل، وأناساً لا يصومون رمضان بصيام التطوع؟ فهل من الحكمة في الدعوة المطالبة بأداء النوافل على من لا يقيم الفرائض. وهل من العقل أن نطالب امرأة عارية على الشاطئ أن تغطي كل جسمها فلا يظهر منها قدر ظفر أم أن الأولى هو البدء بستر العورة.. ثم ما أتى بعد ذلك فنور على نور: حنانيك بعض الشر أهون من بعض وليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، بل الذي يعرف أقل الشرين وخير الخيرين. وهل الفقير المعدم يفكر في تحصيل البلايين أم يبدأ بتوفير دخل قليل ثابت يكفيه لإطعام نفسه وأولاده. أما آن لنا أن ندرس فترات الضعف والانكسار في التاريخ الإسلامي لنستفيد منها، وكيف كان الخروج منها، وكم نحن بحاجة إلى أن ندرس فترات الاستضعاف والتعذيب للمسلمين في مكة قصة عمار: إن عادوا فعد وقصة معركة أحد وصلح الحديبية. وهذا ليس من قبيل التنازل والتراجع والتميع، بل هو الواقعية والتخفيف من الشر. علينا أن ننتقل من العيش خارج التاريخ وفي عالم الأحلام والأوهام إلى النزول للواقع ودراسة فقه الاستضعاف والنوازل. وكما أن في الآخرة أصحاب الشمال والمقربين، هناك بينهم أصحاب اليمين، وهم أيضاً من أصحاب الجنة، فلا أقل من نقل الناس من طبقة الظالم لنفسه إلى المقتصد. وإذا كنا نعيش في كثير من بلاد المسلمين في واقع معاكس للفترة الذهبية للإسلام فالأحسن من لا شيء نقل الناس من نقطة الصفر إلى المنتصف أو قريباً منه. والمثاليون يرون الأبيض والأسود، والعقلاء الواقعيون يعلمون أن المنطقة الرمادية قد تكون أوسع المناطق في الحياة، ولئن أخذت نفسك بالعزائم فلتكتف من الناس في الأخذ بالرخص والحد الأدنى من الدين فعل الفرائض وترك الكبائر ألا ما أحرى الخطاب الإسلامي - لاسيما السعودي منه - أن ينتقل من مرحلة المثالية والحدة إلى الواقعية والقبول بأدنى الشرين إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. ليس المطلوب الغفلة عن الأمثل والأكمل، ولكن المطلوب قبول التدرج، والتفريق بين المقبل - ولو على مهل - وبين المدبر المستكبر، وأن تعالج العظائم والكبائر من دون انشغال بالصغائر وما فيه اختلافات. كم هو جميل ما نراه من هذا الانتقال في التيار الإسلامي بعمومه من طريقة المناطحة إلى منهج المناصحة، ومن هوج الصدام إلى روح التعاون، ولا عجب فقد لدغ هذا التيار من جحر واحد عشرات المرات. وأجمل منه أن نكون على بصيرة بفقه النهضة الذي يتجاوز الفكر الثوري الراديكالي الذي جنى على أمتنا ما لا يحصى من الكوارث، وأن تشيع بيننا الثقافة السياسية الحوارية السلمية والوعي الحضاري والمعرفة بسنن الله الاجتماعية. إن شيوع السلام الاجتماعي من أفضل الطرق لنشر الدعوة الإسلامية خلوا بيني وبين الناس بل إن للدين مفهوماً أوسع من أداء الشعائر والمناسك - على أهميتها - يوضحه ابن القيم رحمه الله بقوله: إذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه - بأي طريق كان ? فثم شرع الله ودينه ويصدقه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وألا يعز ظالماً مظلوماً. ثم إن على التيار الإسلامي ترك الهروب إلى التاريخ- وهو غير الرجوع إلى الكتاب والسنة - ومعايشة الواقع تحت مظلة لا يكلف الله نفساً إلى وسعها والسعي في الإصلاح الاجتماعي والسياسي السلمي فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً والضمير في به يعود إلى القرآن الكريم. وهذه الآية نزلت في العصر المكي قبل فرض أكثر الفرائض ومنها الجهاد، فجهاد الدعوة نزل قبل جهاد السيف - وكلاهما من الإسلام من دون أدنى شك - وكما يقول المثل العامي:"كل شيء في وقته حلو". بل إن من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه! وغاية الجهاد في الإسلام بأنواعه: الدفاع عن الأمة وجعلها مهيبة عزيزة، ونشر الدين والحق والعدل من دون عدوان أو ظلم أو إفساد. * عضو جمعية الإعلام والاتصال. [email protected]