دعا عضو هيئة كبار العلماء عبدالله بن سليمان المنيع، أعضاء الهيئة إلى استصدار فتوى تجيز رمي الجمرات طوال اليوم.وأشار المنيع في خطاب وجهه إلى الهيئة وحصلت"الحياة"على نسخة منه تقدير الأحوال والظروف، وتغير الفتوى بتغير الأحوال والمقتضيات، سارداً العديد من الأدلة والشواهد والحاجات التي تدعو إلى إجازة ذلك. وفيما يأتي نص الخطاب: إن وجوب رمي الجمار من ما لا خلاف فيه بين أهل العلم، وأنه أحد واجبات الحج، وأنه لا يسقط عن الحاج بالعجز عن أدائه بعد قيام وجوبه عليه، مهما كانت حاله سواء أكان صغيراً أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، مريضاً أم صحيحاً، وأن النيابة عن العاجز بالرمي جائزة إذا كان العجز ثابتاً غير مدع، وأن الرمي عبادة لها وقتها المحدد للرمي فيها، وأن وقت رمي جمرة العقبة يوم العيد يبدأ من جواز الدفع من مزدلفة ليلة جمع إلى غروب الشمس وفي جواز رمي جمرة العقبة - ليلة اليوم الحادي عشر من أيام التشريق - خلاف بين أهل العلم والقول بجوازه قول قوي عليه العمل وبه الفتوى. كما أن العلماء مجمعون - إلا من شذ - على أن رمي الجمار أيام التشريق بعد الزوال هو ما تبرأ به الذمة وتطمئن به النفس خروجاً من الخلاف في ذلك، وهو أفضل وقت للرمي. وأن رمي الجمار ليالي أيام التشريق قول لبعض أهل العلم، صدر بالأخذ به قرار مجلس هيئة كبار العلماء فصار الإفتاء به والعمل عليه وتحقق به التيسير على حجاج بيت الله الحرام. ومن مستند الأخذ به التيسير ورفع الحرج ودفع المشقة. وموضوع الجلسة، النظر في توسيع وقت رمي الجمار أيام التشريق ليكون وقت الرمي لكل يوم منها كامل النهار مع كامل ليله. لا يخفى أن جمهور أهل العلم لا يرون جواز رمي الجمار أيام التشريق إلا بعد الزوال إلى الليل وأن الرمي قبل الزوال لا يجزي. ومن اكتفى به فعليه دم. ودليل ذلك فعله صلى الله عليه وسلم وقوله: خذوا عني مناسككم. وهناك من أهل العلم من قال بجواز الرمي قبل الزوال لأن يوم العيد وأيام التشريق كلها وقت للرمي، وأن الأفضل والأتم الرمي بعد الزوال. قال بهذا القول من العلماء عطاء وطاووس وأبو حنيفة وهو رواية عن أحمد في يوم النفر الأول، وقال به إسحاق ومحمد الباقر وجزم به الرافعي وحققه الأسنوي وقال به ابن الجوزي وابن عقيل من الحنابلة وقولهم هذا يرد دعوى الاجتماع على منع الرمي قبل الزوال، واستدل على قولهم بالآتي: أولاً: ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قول صريح في تحديد وقت الرمي بدءاً من الزوال، وليس فيهما نص صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال. والاحتجاج على منع الرمي قبل الزوال بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله:"خذوا عني مناسككم"، غير ظاهر. فكثير من أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج هي على سبيل الاستحباب. وكلام علماء الأصول في تكييف فعله صلى الله عليه وسلم من حيث الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة معلوم ومذكور في موضعه من كتب الأصول، وأن مجرد الفعل لا يقتضي شيئاً من ذلك، وكثير من أفعاله صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج كانت على سبيل الاستحباب، ولم يحتج أحد على وجوبها بقوله صلى الله عليه وسلم"خذوا عني مناسككم". ثانياً: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص للرعاء والسقاة برمي جمار اليومين من أيام التشريق متقدماً أو متأخراً، ولم ينههم صلى الله عليه وسلم عن الرمي قبل الزوال. وتأخير البيان عن وقت الحاجة منزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: ذكر مجموعة من أهل العلم أن للحاج تأخير رمي جماره إلى آخر يوم من أيام التشريق فيرميها مرتبة على الأيام السابقة. وذكروا من تعليل ذلك: أن أيام التشريق مع يوم العيد وقت واحد للرمي، وأن الرمي آخر يوم لجميع أيام التشريق رمي أداء لا رمي قضاء، واستدلوا على جواز ذلك بترخيصه صلى الله عليه وسلم للرعاء والسقاة بتقديم الرمي أو تأخيره، ولا يخفى أن غالب العبادات لها أوقات تؤدى فيها ومن ذلك الصلاة، ومن أوقات الصلاة ما يكون أوله وقت اختيار وآخره وقت اضطرار كوقت الفجر ووقت العصر ووقت العشاء. وأداء الصلاة في أول وقتها أو في آخره سواء أكان ذلك في وقت الاختيار أم في وقت الاضطرار يعتبر أداء لا قضاء، وقد قال بعض أهل العلم في تعليل القول بجواز الرمي قبل الزوال. بأن وقت الرمي بعضه وقت اختيار وذلك من زوال الشمس إلى غروبها وبعضه وقت اضطرار وهو بقية اليوم بما في ذلك ليله. ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن الصلاة في وقتها الاضطراري جائزة وتعتبر أداء لا قضاء مع الإثم في التأخير بلا عذر. فقياس وقت الرمي على وقت الصلاة من حيث الاختيار والاضطرار قياس وارد. وقد قال بهذا بعض أهل العلم في تعليل أن كامل الرمي آخر يوم من أيام التشريق رمي أداء لا رمي قضاء، ومجموعة من أهل العلم قالوا إن كامل يوم العيد وأيام التشريق وقت واحد للرمي. كما قالوا إن الرمي نسك واحد من تركه أو ترك بعضه فعليه دم واحد. وأن الرمي عبادة واحدة لا تتعدد بتعدد الجمار ولا بتعدد أيام الرمي. ولا تعرف عبادة موقتة بوقت لا يجوز فعلها في بعضه. رابعاً: الترخيص للرعاء والسقاة في تقديم رميهم أو تأخيره مبعثه رفع الحرج ودفع المشقة والأخذ بالتيسير. ولاشك أن المقارنة بين المشقة الحاصلة على الرعاء والسقاة في تكليفهم برمي جمارهم مع الحجاج أيام التشريق وبين ما يحصل عليه الحجاج في عصرنا الحاضر من المشقة البالغة والازدحام المميت المقارنة بين الصنفين مقارنة مع مضاعفة الأثر في الأخير. ولئن حصل الترخيص للرعاء والسقاة بجواز تقديم رميهم أو تأخيره لدفع المشقة ورفع الحرج فإن الترخيص بتوسعة الوقت للحجاج تؤكد جوازه الازدحامات المميتة والله يقول: وما جعل عليكم في الدين من حرج. ومن القواعد الشرعية: المشقة تجلب التيسير. احتمال أدنى الضررين لتفويت أعلاهما، الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الفردية، إذا ضاق الأمر اتسع. خامساً: الخلاف في حكم الرمي في الليل أقوى من الخلاف في حكم الرمي قبل الزوال. ومع ذلك صدر قرار هيئة كبار العلماء بجواز الرمي في الليل إلى طلوع الفجر وذلك لرفع الحرج ودفع المشقة والأخذ بالتيسير مع أن القول بعدم جواز الرمي في الليل قول جمهور أهل العلم. ولكن الفتوى تتغير بتغير الأحوال والظروف فصدرت الفتوى بجواز ذلك. سادساً: لا نظن وجود منازع ينازع في أن رمي الجمار في عصرنا الحاضر فيه من المشقة وتعريض النفس للهلاك ما الله به عليم. ولا يخفى أن الاضطرار يبيح للمسلم تناول المحرّم لدفع هلاك النفس غير باغ ولا عاد. فالاحتجاج على الجواز بالاضطرار متجه. بل أن الحاجة الملحة قد تكون سبباً لجواز الممنوع كجمع صلاة الظهر مع العصر وصلاة المغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير لمطر أو برد أو مرض أو غير ذلك من الأسباب المعتبرة وهذه الأسباب المسوغة، لذلك أضعف من أسباب جواز الرمي قبل الزوال في عصورنا الحاضرة. سابعاً: جاء عن الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله رواية من الشيخ عبدالله بن عقيل في كتابه:"الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة"في معرض تعليق الشيخ عبدالرحمن على رسالة الشيخ عبدالله بن محمود رحمه الله في حكم الرمي قبل الزوال. قال الشيخ عبدالرحمن ما نصه: ويمكن الاستدلال عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كثرت عليه الأسئلة من سأل عن التقديم والتأخير والترتيب أفعل ولا حرج. وأحسن من هذا الاستدلال الاستدلال بحديث ابن عباس المذكور حيث قال له رجل رميت بعدما أمسيت قال: أفعل ولا حرج. ووجه ذلك أنه يحتمل أن قوله بعدما أمسيت أي بعدما زال الزوال لأنه يسمى مساء. ويحتمل أن يكون بعدما استحكم المساء وغابت الشمس فيكون فيه دلالة على جوازه بالليل. ودليل أيضاً على جوازه قبل الزوال. لأن السؤال عن جواز الرخصة في الرمي بعد المساء كالمتقرر عندهم جوازه في جميع اليوم بل ظاهر حال السائل تدل على أن الرمي قبل الزوال هو الذي بخاطره وإنما أشكل عليه الرمي بعد الزوال فلذلك سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر رحمه الله دليلاً آخر حيث قال: إن أيام التشريق كلها ليلها ونهارها أيام أكل وشرب وذكر لله. وكلها أوقات ذبح ليلها ونهارها. وكلها على القول الصحيح أوقات حلق، وكلها يتعلق بها على القول المختار طواف الحج وسعيه في حق غير المعذور، وإنما يتفاوت بعض هذه المسائل في الفضيلة فكذلك الرمي. - وقال - وفِعلُ النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على تعيين الوقت بل على فضيلته فقط -. وذكر رحمه الله ما نقله صاحب الإنصاف عن ابن الجوزي وعن ابن عقيل في الواضح جواز ذلك قبل الزوال في الأيام الثلاثة. - ثم ختم تعلقه رحمه الله بقوله: فأنت إذا وازنت بين استدلال صاحب الرسالة واستدلال الجمهور رأيتها متقاربة إن لم تقل: تكاد أدلته ترجح. أ ه 1 وقد صدر من هيئة كبار العلماء أربعة قرارات أحدها بعدد 30 في شهر شعبان سنة 1392 والثاني بعدد 31 في 28/8/1394 والثالث بعدد 129 في 7/11/1405 والرابع بعدد 78 في 30/2/1415. وكلها تؤكد الأخذ برأي الجمهور في عدم جواز الرمي قبل الزوال. وقد ذكر في كل قرار دليل ذلك وتعليله. وما ذكرته تعليلاً للقول بجواز الرمي قبل الزوال لا يعني أنني أقول بذلك. بل أمري في ذلك مع أخواني رئيس وأعضاء المجلس فإن اتجه القول إلى تأكيد قرارات المجلس مما عليه جمهور أهل العلم في منع الرمي قبل الزوال فبها ونعمت. وإن اتجه القول إلى تقدير الأحوال والظروف وتغير الفتوى بتغير الأحوال والمقتضيات فأنا واحد من إخواني أعضاء المجلس. وغني عن البيان القول بأن للقول وبالقول بجواز الرمي قبل الزوال سلف من العلماء وتبرير معتبر لهذا القول وليس في القول به مصادمة لنص صريح من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو شذوذ في القول به. ونظراً إلى أن الاضطرار يقوى ويتأكد في اليوم الأول من يومي النفر وأن قاعدة الترخيص للاضطرار مشروطة بالاقتصار على تغطية الحاجة الدافعة للاضطرار، فلو صدرت الفتوى بجواز الرمي قبل الزوال في يوم النفر الأول لكان هذا القول متفقاً مع قدر الضرورة. والاقتصار عليه. كما أنه متفق مع قول بعض القائلين بجواز الرمي قبل الزوال وتقييدهم ذلك باليوم الأول للنفرة. هذا ما تيسر ذكره والله المستعان.