هناك خيط رفيع يفصل بين الثقة بالنفس والغرور، يختلط الامر على البعض، فيبدأ كبرياؤه في الانتفاخ والتضخم وهو يظن انه يعبر عن ارقى صور الثقة بالنفس، أحد المعارف لاحظت انه بدأ يتغير فلم يعد لقاؤه يستهويني، فالحديث اصبح ينحصر على انجازاته ونجاحاته، والمشكلة الوحيدة لديه ان الوقت لم يعد كافياً لسرد كل انجازاته وقصص تغلبه على الصعاب، فاللقاءات تنفض دوماً وما زال لديه الكثير مما لم يخبرنا به. عندما يحاول احد التهوين من مبالغاته يغضب ويعتبر ذلك محاولة رخيصة للتقليل من قيمته، وان الحسد والغيرة هما دافعا مثل هذا الاسلوب، اصبحت مجالسته مثل السير في حقل ألغام، كلمة عفوية او تذكير بقصة قديمة قد تنزع فتيله وتجعله ينفجر في وجهك، اصبح مهووساً بسمعته التي اختلقها لنفسه ويفرض على الآخرين تصديقها، حتى اولاده بدأوا في التذمر من سلوكه. ولكن ما العمل، مشكلة الغرور والكبر انه المرض الوحيد الذي لا يشعر به حامله ولكنه يمرض كل من حوله، لا شيء اثقل من النفس عندما تتضخم وتكبر، هو ليس وحيداً عندما افتح التلفزيون اشاهد مهرجاً تعودنا على أمثاله كثيراً هذه الايام ينتقد ويحط من قدر الجميع من دون استثناء، فهذا غبي والآخر خائن والثالث جبان، هو هنا يمارس نوعاً آخر من الكبر وهو الحط والتقليل من شأن الآخرين، وهذا هو اردى انواع الكبر والغطرسة، لا يستطيع ان يخترع شيئاً جيداً يقوله عن نفسه فيلجأ الى تخيل كل انواع الشرور عند الآخرين. دكتور في الجامعة يكتب في عموده اليومي في احدى الصحف ان احد طلابه ارسل اليه يشكره ويقول إن تتلمذه على يديه هو اهم محطة في حياته، هل هو جاد؟ هل هؤلاء هم من يعلمون ابناءنا في الجامعة؟ اذا كان يتصور ان مثل هذه الكتابات ستضيف الى سمعته فهو يسيء الظن كثيراً بعقول الآخرين. قرأت ان ألبرت انشتاين صاحب "نظرية النسبية" يقول إن ما حققه كان بخلطة 99 في المئة منها عرق وجهد وواحد في المئة إلهام وموهبة، اين من هذا صاحبنا الذي لا يقدم سوى نموذج سيء للتسويق. مشكلة السمعة انها مثل البالون الذي إن نفخته بنفسك انفجر بوجهك وأضحك الجميع عليك، ولكن البعض لا يحبون الانتظار ويبدأون في النفخ، كاتب عربي مشهور اخترع قاعدة جديدة في علاقة الكاتب بالقراء لم يعد القراء يتابعونه فأصبح هو الذي يلاحقهم، بكل مطبوعة تقريباً تجد له عموداً وكل ما يردده هو ذكرياته مع اناس معظمهم موتى، اصبحت شخصيته وشبكة علاقاته هي الطبق الرئيس الذي يقدمه في كل كتاباته، فلم يبق شيء من تاريخ العرب الحديث سياسياً او فنياً او رياضياً الا وألصق نفسه به بطريقة او بأخرى، والمشكلة انه ما زال يقبض في مقابل نفخه في بقايا البالون الذي انفجر في وجهه منذ زمن. من يواصل الحديث عن نفسه من دون الانتباه لمشاعر الآخرين يصبح مثل السفينة التي تبحر في الضباب تطلق الابواق بشكل مستمر. هناك الكثير ممن يحملون هذا المرض ولا يشعرون به فهم في الغالب يعتقدون ان التواضع كذبة يحتمي بها الضعفاء وعديمو الموهبة. سمعت عن طبيب عيون بلغ به الغرور أن وضع شهادة تخرجه بدلاً من لوحة الفحص المعتادة، ينظر اليها المريض عند الكشف عليه، وهناك آخر تعود في عيد ميلاده ان يرسل بطاقة تهنئة لوالدته، وآخر ينحني احتراماً كلما نظر الى نفسه في المرآة. البعض تشك عندما تقابله من شدة إعجابه بنفسه أن لديه عنصرية ضد أجداده، لا يقتصر انتشار هذا المرض على من يمتلك المنصب العالي او الاموال الطائلة، بل يصيب حتى أقل الناس شأناً، فالكبرياء المبالغ به يخفي أخطاء الشخص أمام نفسه ويكبرها للآخرين. سمعت عن الديك الذي يصيح كل صباح رافعاً رأسه ينظر الى الشمس وهو يظن انها لم تشرق الا للاستمتاع بصوته، قد يكون الغرور هبة من الله للصغار من الناس ولكنها هبة لن تجدي، فطاووس اليوم غداً سيصبح ريشاً في منفضة الغبار، فالكبرياء لا يبدأ بالانتفاخ الا حين يتوقف العقل عن النمو. لكي يحبك الآخرون ويشعروا بك عليك ان تحبهم بحق وان تحترم حتى نقائصهم واخطاءهم. فالتواضع ليس مجرد مهارة اجتماعية للتسلل لقلوب الآخرين، انما هي الصدق في احترام الآخرين والقبول بكل تفاصيلهم، مشكلة المبالغة في التميز ومحاولة الإبحار بعيداً عن الآخرين أنها تحرمنا فرصة الاستمتاع بما لدى الآخرين من مواهب وإمكانات، فالتنوع والاختلاف يثريان الحياة ويجعلانها أقل وطأة علينا، أما تناول جرعة زائدة من الكبرياء فهو بالضرورة سيؤدي إلى تسميم حياة الإنسان النفسية والاجتماعية عاجلاً أم آجلاً. * كاتب سعودي [email protected]