الحديث عن الشأن الإيراني لا يعني بالضرورة خصوصية هذه الدولة عن سواها، بل لأنها وبشفافية تامة, تضع نفسها في موقف"الحالة"، التي يستعصي فهم أبعادها أحياناً أو تدفع أي محلل إلى الإعراض عن المجازفة بالمكاشفة عن معطيات مقنعة لوجود مثل هذا الاختلاف. كما أن كثيرين من المتابعين لهذا الشأن حينما يتلمسون أي خروج أو انتقاد لبعض سياستها المرتبطة والتي لا يمكن تجاهلها بمنطقة الخليج، سرعان ما يحولون هذا الخلاف ويفسرونه على أنه خلاف ذو أصول دينية أو ديموغرافية، والعكس من ذلك صحيح تماماً، فالخلاف مع بعض القرارات السياسية لإيران، خصوصاً إذا ما تعارضت مع الاستقرار في منطقة الخليج، من الممكن أن يتكرر ويتشابه مع أية دولة أخرى، سواء كانت داخل المنظومة الخليجية أو خارجها. مشكلة هذه الدولة، التي ما زالت حتى وإن بدت سياستها الخارجية حصيفة ومليئة بالذكاء، ملبدة ومشبعة بالفكر الثوري، ولديها قناعة بالتفوق والريادة، وهو حق ربما يكون مشروعاً مادام لا يطال غيره من الدول، ولا يؤثر سلباً في استقرار هذه الدولة أو تلك. لقد لعبت إيران دوراً اتسم بشيء من التعالي في الحرب اللبنانية الأخيرة، وقد بدا ذلك واضحاً في الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها إلى بيروت إبان الحرب، وبحسب تصريح الحكومة اللبنانية آنذاك لم يتم إبلاغهم بهذه الزيارة، أو حتى إشعارهم بوجود ضيف إيراني بهذا الحجم فوق أراضيهم، وهو انتقاص واضح وملموس للسيادة اللبنانية، أرجعه البعض للسيطرة المطلقة للإيرانيين على"حزب الله"الذي مازال إلى الآن يمتلك الكثير من المفاتيح في عملية الاستقرار اللبنانية، وهو ما يمثل نموذجاً لما يمكن أن تقوم به إيران إذا ما شعرت بتفوقها الفعلي على أرض الواقع، إضافة إلى تعنتها في تعاطيها مع ملفها النووي بل والقذف بحقيقة مذهلة في وجه العالم، بأنهم لم ولن يتوقفوا عن ممارسة أنشطتهم النووية مهما حاولت الدول الكبرى إرغامهم على ذلك، وهو وبصراحة تامة زاد قليلاً من شعبيتها لدى كثير من المواطنين في عدد من الدول العربية والإسلامية، فعلى رغم أن باكستان ? كمثال- الأكبر إسلامياً، فإن ملفها النووي لم يحظَ بمثل هذا التأييد أو التعاطف من بعض رجال الإعلام أو المواطنين العاديين في كثير من الدول العربية، وأخيراً وليس آخراً جاءت المناورات الإيرانية، التي أطلق عليها الحرس الثوري اسم"الرسول الأعظم"، من أجل استعراض القوة، خصوصاً أنها ستتم فقط في المناطق والمحافظات المطلة على الخليج العربي، ما يؤكد أن إيران رسمت وقررت وفرضت نفسها كواقع نووي جديد في المنطقة. إن ما يهمني كمواطن هو ألا أتأثر بمثل هذه الأحداث ولا تتأثر بها بلادي، وهو حلم ليس مقصوراً فقط علي، بل على كثير من المواطنين من المغرب العربي وحتى أقصى منطقة في الخليج، حلم نسعى إليه جميعاً بألا يتم توريث التوتر في منطقتنا، وكأنه صفة لصيقة بجغرافيتنا وثقافتنا وسياستنا. انتصار إيران في فرض إرادتها على المجتمع الدولي لابد أن يكون مصحوباً بتبعات وويلات خطيرة قد لا يدفع ثمنها الإيرانيون كما قد ندفعه نحن، وقد لا يطال استقرار إيران وحدها بل وبكل تأكيد سيطالنا جميعاً. لكن والأمر كذلك فإنه بالتأكيد سيقوض كل مظاهر التقدم والتنمية التي تعيشها منطقة الخليج، التي وعلى رغم وجود كثير من بؤر التوتر حولها، إلا أنها وبقدرة فائقة استطاعت أن تحقق نمواً اقتصادياً وتطوراً سياسياً لم تصل إليه كثير من الدول التي لا تعاني أية مشكلات أمنية أو سياسية أو دينية، وحق علينا أن نتمسك بهذا النمو وهذا التقدم ولا نسمح بأية مغامرات حولنا تجهضه أو تجعله تراباً تذروه الرياح هنا أو هناك. [email protected]