خذ التعاطي الشعبي مع تصريحات وزير الصحافة المصري فاروق حسني حول"الحجاب"، أبعاداً متباينة بين أوساط علماء الدين والمثقفين وشرائح المجتمع كافة، ما بين متحامل على الوزير ومعيّر له بإحرازه درجة الدكتوراه في موضوع يعتبرونه سخيفاً، هو"الرقص"، إلى واصفين له ب"الوزير الأعزب". لكن أياً من المناقشين لتصريحات حسني لم يحاول تجاوز مفرداتها إلى المدلولات التي ادعاها، مثل زعمه أن"الحجاب والعفة غير متلازمين"كما نسبت إليه إحدى الصحف المصرية. و"الحياة"من جانبها تطرح دعوى حسني على هيئة تساؤل، يجيب عنه مختصون في العلوم الشرعية، الذين زاد من حدة ردود أفعالهم، أن التصريحات صدرت من وزير مسلم. ويشير الخبير في مجمع الفقه الإسلامي في واشنطن الشيخ عبد السلام البسيوني، إلى أن ما هو أهم من تلازم العفة والحجاب، هو أن" العفة - خصوصًا في معناها الخاص - كادت تصير شيئًا من الماضي، وخلقًا نادراً ما تجده في الناس، فالدعوات تهطل تترى، تحرِّض علي البحلقة، والاغتراف، وانتهاك المحرمات، والتهام الرائحة والغادية بالعيون الجريئة، ومحادثتها، ومصادقتها، والتوسع معها، باسم الحرية والتمدين وحق المرأة، وكسر القيود، والتمرد على"التابوهات"، وتجاوز التزمت والأخلاق القديمة، والتخلص من الأخلاق البدائية التي يتصف بها أهل البوادي والأرياف! وصار التسابق محمومًا على الكشف والتعرية، حتى قامت في بلاد المسلمين شواطئ للبكيني، ثم مسابح للصدور العارية بير تشست ثم ملاهي الاستربتيز، ونوادي العراة، وخرجت الدعوات المستبيحة على ألسنة بعض أبناء المسلمين، الذين سلموا قلوبهم وعقولهم بكاملها للآخَر، في سابقة لم تحصل عبر التاريخ الإنساني كله، فيما أزعم!". هل يبقى بعد 50 سنة عفيفاً؟ وفي وقت اعتبر فيه البسيوني"العفة"ضمن"جملة من الأخلاق البشرية التي تتعرض للانقراض، تحت وطأة غارات العولمة، وسيطرة ثقافة الغالب، وإبهار التجارب الغربية، وانكسار التجربة العربية الإسلامية"، يقول إنه يُسائل نفسه باستمرار:"هل سيبقى على الأرض - بعد 50 سنة مثلاً - إنسان عفيف، وامرأة تحفظ نفسها، أم أن الأمر سيكون سلَطة استباحة فوضى أخلاقية، وسيتهارج الناس كما تتهارج الحُمُر، كما أنبأنا سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم... هل فعلاً - بعد 50 سنة مثلاً - بعد التمكين التام للإلحاد والاستباحة - ستكون هناك عفيفة، أم نقول على الدنيا السلام"؟، ما دفع البسيوني إلى هذا التساؤل الذي قال إنه يطرحه أحياناً غاضباً وطوراً متعجباً، هو ما يصفه ب"السعار الجنسي الذي يغزو العالم الغربي، وأخذت العولمة تصدره إلى العالم الإسلامي". لكنه عاد وأكد أن"السعار"أعقبته حملة مضادة وثورة للإعلاء من قيمة"العفة"، فانبعثت العذرية والعفة من جديد، وأطلت مرة أخرى من الولاياتالمتحدة، إذ ظهرت جمعية كبيرة تدعى Adolescent Family Life Act ولدت أيام الرئيس ريغان، وبدأت في عهده تسجل خطواتها الأولى للتبشير بالعفة قبل الزواج، وهي الدعوة التي انخرط فيها كل الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، وقبل وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، وصل الغلاف المالي الممنوح لهذه الحركة إلى 135 مليون دولار في السنة. على أن البسيوني يقر بأن مفهوم العفة قديم في الغرب إلى حد دفعهم إلى اختراع"حزام العفة"، ولذلك فإنه لا يرى حفاوتهم بالعفة مجدداً حدثاً غريباً. لا تلازم غير أنه في كل الأحوال يرى"العفة والحجاب غير متلازمين، فقد تكون هناك محجبة لكنها غير عفيفة والعكس صحيح، وإنما نقول الحجاب من مقتضيات العفة، فالعفيفات من دون الحجاب قد لبس عليهن". بينما يجزم أستاذ الشريعة في الاحساء الدكتور قيس المبارك، بأن الحجاب والعفة غير متلازمين،"فستر العورات كما قال العزُّ بن عبدالسلام رحمه الله:"مِنْ أَفْضَلِ الْمُرُوءات وَأَجْمَلِ الْعَادَاتِ وَلا سِيَّمَا فِي النِّسَاءِ الأجْنَبِيَّاتِ" والحجاب ساتر لما يثير في النفس من دواعي الأذى والاعتداء على المرأة. أما القول بأنه إذا وُجِد الحجاب وُجِدَت العفَّة، فهو قول غير صحيح، فليس بين العفَّة والحجاب تلازم، فكم من امرأة عفيفة شريفة حالَ دون ارتدائها الحجاب مانعٌ، غير أن الحجاب دليلٌ وعنوانٌ على العفَّة، بل ومُعين عليها. وعليه فالدعوة إلى نبذِهِ دعوة إلى الخروج عن طاعة أمر الله، ودعوة إلى مخالفة الفطرة الإنسانيَّة". بل متلازمان! أما أستاذ الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور خالد الماجد، فيشدد على أن الحجاب والعفة متلازمان، كما أن الأسباب ونتائجها متلازمة. وأضاف:"إن قلنا إن العفة معناها ترك الزنا فقط، فلا تلازم بينها وبين الحجاب، إذ ليست كل متبرجة زانية بالضرورة، ولا كل محجبة بريئة منه، هذا ينقضه الواقع، لكن العفة لا تعني هذا فحسب، بل تعني ترك الزنا وأسبابه المفضية إليه، وهي بهذا المعنى ملازمة للحجاب، لأنه أحد أهم أسباب العفة وموانع الزنا، فهو للعفة سياج، وعن الزنا دريئة، ولذا قال ربنا:"وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"وقال:"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين". وخلص إلى أن"أحد النواميس التي أثبتها الله في الخلق، أن لكل سبب نتيجة، وأنه لا مسبب من دون سبب، وعلى هذا فمن تحجبت ولم تتبرج فهي عفيفة، لكونها أخذت ظاهراً بأحد أسباب العفة، وامتنعت عن أحد أسباب الفجور، ومن تبرجت فهي غير عفيفة، لكونها وقعت في أحد أسباب الفجور".