هل الحجامة في رمضان تفطر أم لا؟ وما صحة حديث أفطر الحاجم والمحجوم وكيف الجواب عنه إن كان صحيحاً؟ وهل إخراج الدم بالطرق الحديثة للتحليل أو للتبرع وغيره مثل الحجامة؟ أرجو تفصيل ذلك، نفع الله بكم الإسلام والمسلمين. - القول بفطر الحاجم والمحجوم هو قول غالب فقهاء أهل الحديث، كإسحاق بن راهويه وابن المنذر وعطاء والحسن وغيرهم، ونقل عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، أنهم كانوا يحتجمون ليلاً، ويتجنبون الحجامة نهاراً، نقل هذا عن ابن عمر وابن عباس وأنس وغيرهم، رضي الله عنهم. ومن أقوى الأدلة في هذا، قول النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم، وهذا الحديث جاء عن نحو 15 صحابياً، وهو حديث صحيح ، ومن أصح ما ورد فيه حديث شداد بن أوس وثوبان ورافع بن خديج، وجاء عن آخرين من الصحابة كعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمر وابن عباس وأبي موسى وأبي هريرة وبلال وأسامة بن زيد وعائشة وصفية وغيرهم، رضي الله عنهم، فطرقه كثيرة جداً. والقول الثاني، أنه لا يفطر لا الحاجم ولا المحجوم، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي والثوري، وهو ثابت عن جماعة من الصحابة، كأبي سعيد الخدري وابن مسعود وعائشة وأم سلمة، رضي الله عنهم، وبعض التابعين كعروة وسعيد بن جبير وغيرهما. وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. ولكن هذا اللفظ وإن كان في البخاري قد أنكره الإمام أحمد وأعلَّه جماعة من الأئمة ، وقالوا: الصواب أنه احتجم وهو محرم، أما زيادة"وهو صائم"فإنها لا تثبت، وآخرون أثبتوها. ومن الأدلة على جواز الحجامة للصائم حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: أرخص النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة للصائم. رواه النسائي وابن خزيمة، وسنده صحيح، لكن اختلف في وصله وإرساله، كما يقول الحافظ بن حجر، وقوله: أرخص دليل على أنه كان ممنوعاً ثم أرخص فيه، فهذا حجة لمن قالوا إن آخر الأمرين هو الرخصة بالحجامة للصائم . وكذلك حديث أنس رضي الله عنه المتفق عليه أنه سئل: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف. أي: لم يكونوا يكرهون الحجامة، لأنها تفطر، ولكن كانوا يكرهونها خشية أن يضعف الصائم فيفطر. ومما روي في هذا الباب ما رواه أبو داود عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة في رمضان، ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه. أي: إرعاءً عليهم أو رفقاً بهم. وقوله: إبقاءً على أصحابه. متعلق بقوله: نهى. أي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة رفقاً بأصحابه، لأن الإنسان إذا احتجم يضعف عن الصيام، وهكذا الوصال في رمضان، أو في الصيام إذا واصل، فإنه قد يضعف، فيكون النهي ليس نهي تحريم، وإنما هو نهي كراهة، قال ابن حجر: واسناده صحيح، وجهالة الصحابي لا تضر. وأما حديث: أفطر الحاجم والمحجوم فقد أجاب الجمهور عنه بأجوبة كثيرة، والذي أميل إليه والله أعلم أن الحجامة لا تفطر، وأن الحديث لا بد من حمله على أحد وجوه التأويل، وقد يكون من ذلك القول بالنسخ لما ذكرناه من مذهب الجمهور، والنقل عن جماعة من الصحابة، ولما أسلفنا ونقلناه عن ابن تيمية من أن مسائل الصيام من القضايا العامة التي تحتاجها الأمة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم بل أمهات المؤمنين كعائشة وأم سلمة يحتجم عندهم ناس في الصيام ولا ينكرون عليهم، ونص الصحابة على عدم النهي عن ذلك إلا من باب الإرعاء والرفق بالأصحاب، ولأن ما يتعلق بالحاجم لا يظهر فيه وجه كونه مفطراً، واحتمال أن يكون وصل إلى حلقه شيء ليس أمراً مؤكداً، ولو وصل إلى حلقه بغير الحجامة شيء لأفطر به، فلابد من حمل الحديث على أحد وجوه التأويل أو النسخ، بغض النظر عن القول الراجح في موضوع الحجامة. أما إخراج الدم من الإنسان بالطرق الحديثة سواء كان إخراجه للتحليل أو لغيره، فقد ألحقه بعض العلماء بالحجامة، لأنه استخراج للدم من العروق على وجه يضر بالإنسان ويضعفه، وآخرون رأوا أنه لا يلتحق به، لأنه قد يكون في الحجامة معنى لا يوجد في هذه الأشياء، وهذا عندي أقرب، ولذلك نقول يقيناً: إن الحاجم الذي يستخرج الدم عن طريق الإبرة مثلاً لا يفطر بهذا، لأنه لا تعلق له بشيء من ذلك، ولا يصل إلى جوفه أو حلقه من ذلك شيء، حتى على القول بأن الحجامة تفطر، فينبغي قصر الأمر على الحجامة وما يماثلها، أما استخراج الدم للتحليل أو غيره بطريقة مختلفة وقد تكون كمية قليلة فالأقرب أنه لا يفطر حتى على قول القائلين بالتفطير، ولذلك ينص بعضهم على أن الجرح اليسير لا يضر ولا يلحق بالحجامة ، ولو خرج منه قطرات يسيرة، وكذلك إخراج الدم للتبرع.