تتلازم الجغرافيا والتاريخ في العلاقات العربية - الإيرانية، خصوصاً مع دول الخليج العربية والعراق، فإيران دولة إسلامية شقيقة وجاره لبعض دول المشرق العربي، العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، سواء بحدود مباشرة أو غير مباشرة. إن هذه العلاقة بين الدول العربية وجمهورية إيران الإسلامية، علاقة حتمية ومبنية على مصالح مشتركة كثيرة، من اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، ولا تستطيع أي جهة من هذه الجهات تجاهل أو إلغاء الجهة الأخرى أو تهميشها، إذ مرت العلاقة بين دول الخليج العربية والعراق من جهة وإيران من جهة أخرى بمراحل عدة. المرحلة الأولى:"الوجود البريطاني"في الخليج العربي كدولة انتداب أو حماية أو وصاية أو لنقل دولة احتلال، واستعمار الخليج العربي، عدا المملكة العربية السعودية، وهي ممتدة من خمسينات القرن الماضي إلى منتصف ستيناته، قلّت أو كثرت، واتسمت هذه المرحلة باستقرار نسبي في الخليج، بسبب التفاهم البريطاني ? الإيراني، وتباين في مستقبل دول الخليج بين المملكة العربية السعودية والعراق من جهة، وإيران من جهة أخرى، وقد كان لغموض الدور البريطاني أثر كبير في إعطاء إيران دوراً كبيراً في الخليج، اتضح في ما بعد باستيلائها على الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، بعد انسحاب بريطانيا من الخليج، وكذلك علاقاتها المميزة مع إسرائيل على زمن الشاه محمد رضا بهلوي وإمدادها بما تحتاجه من البترول. المرحلة الثانية: تمتد من منتصف الستينات حتى سقوط الشاه 1979، إذ تميزت هذه المرحلة بتباين كبير بين دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية والعراق من جهة وإيران من جهة أخرى، بسبب التهديدات التي وجهتها إيران للبحرين، واستمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث"طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى"في الخليج، وكذلك تهديدها واستيلائها على نصف ممر"شط العرب"، وبعض المقاطعات العراقية الحدودية، ضاغطاً على الخاصرة العربية من الشرق، في الوقت الذي كان العرب يعانون من آثار نكسة 1967، مستفيدة من الدعم الأميركي المطلق. لقد حاولت دول الخليج العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية، الوصول إلى تفاهم مع إيران في ذلك الوقت، يقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، واحترام سيادة الدول بغض النظر عن حجمها، ولكن استمرار شاه إيران باعتبار إيران شرطي الخليج والقوة المهيمنة على المنطقة، مستغلاً علاقاته مع بعض المتنفذين في الإدارة الأميركية مثل هنري كيسنجر وغيره من المسؤولين الأميركيين، ظناً منهم أن دعمه ضروري لمنع التمدد السوفياتي جنوباً باتجاه المياه الدافئة في ذلك الحين، زاد من تباين العلاقات بينه وبين الدول العربية والخليجية خصوصاً. وقد هدأت هذه العلاقات مع توقيع اتفاق الجزائر مع العراق 1975، واعتراف إيران بالبحرين، ولكن بقيت مسألة الجزر العربية معلقة. المرحلة الثالثة: مرحلة الثورة الإيرانية ووصول الخميني، إذ اتسمت هذه المرحلة بتوتر شديد في بدايتها، على رغم أن دول الخليج رحبت بالثورة واعتبرتها شأناً إيرانياً داخلياً، ورحبت بقطع علاقاتها مع إسرائيل، إلا أنها فوجئت بمبدأ تصدير الثورة، ما وتر العلاقات بينها وبين دول الخليج العربي والعراق بشكل كبير جداً، ما أدى إلى اندلاع حرب ضروس بينها وبين العراق، استمرت ثماني سنوات، جعلت البلدين منهكين اقتصادياً وسياسياً، ووقفت دول الخليج مع العراق إيماناً منها بحمايته وحماية الخليج من النفوذ الإيراني الطامح إلى بسط هيمنته واستمرار ما بدأه الشاه، كشرطي ليس للخليج فقط، ولكن على الدول العربية الأخرى وعلى العالم الإسلامي ككل. المرحلة الرابعة: مرحلة التسعينات، إذ استمر التباين في العلاقات بين دول الخليج وإيران حتى غزو العراق للكويت، حينها بدأت العلاقات يين دول مجلس التعاون الخليجي في التحسن، نظراً إلى ما خلفه احتلال العراق للكويت من تداعيات على منطقة الخليج بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام، إذ تنامت العلاقات بشكل كبير خلال فترة التسعينات، محاولة من دول الخليج للوصول إلى تفاهم مع هذه الجارة، بشأن مصالح دول المنطقة، وبما يحفظها من التقلبات الدولية بكل أشكالها. المرحلة الخامسة: مرحلة الغزو الأميركي للعراق واحتلاله 2003، إذ اتسمت هذه المرحلة بتباين كبير في العلاقات العربية - الإيرانية بعد غزو الولاياتالمتحدة الأميركية للعراق واحتلاله، مدمرة كل ماهو قائم من كيان سياسي فيه، إذ قدمت لإيران الهدية التي لم تكن تحلم بها، استغلت إيران الوضع القائم في العراق بدعم حلفائها فيه، ومخترقة هذا البلد العربي بشكل كبير، مستغلة الفراغ السياسي، وداعمة لكل حلفائها بكل ما تملك من دعمين مادي وسياسي، مساعدة على تعميق الانقسام في هذا البلد العربي الشقيق ومسلميه. لقد بدأت العلاقات الإيرانية الخليجية في التباين بشكل كبير في مسألة العراق،إذ إن دول الخليج، خصوصاً المملكة العربية السعودية لديها قلق كبير بشأن العراق وسيادته، وهو قلق مبرر جداً بشأن وضع العراق الهش، وفي وجود ضعف عربي بارز سببه التشرذم واختلاف الرؤى والمواقف بين الدول العربية تجاه الأمن القومي العربي. كما برز في هذه المرحلة الملف النووي الإيراني كأحد عوامل التباين بين إيران ودول الخليج العربية، إذ إن دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، مع امتلاك إيران للتقنية النووية السلمية، ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل ليس إقليمياً فحسب بل دولياً، خوفاً من انطلاق سباق تسلح في المنطقة لا يستطيع أحد السيطرة عليه، مع حرص المملكة العربية السعودية على حل مسألة الملف النووي ديبلوماسياً وتجنيب المنطقة هزات جديدة هي في غنى عنها. إن مواجهة التباين العربي الإيراني حتمي وضروري بالنسبة للدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وذلك بخلق تجمع عربي تقوده المملكة العربية السعودية، ويضم جميع الدول العربية، يقوم على وضع منهجية واضحة للتعامل مع القضايا العربية وبمنظور عربي، وعدم السماح للتدخل الخارجي سواء كان إقليمياً أو دولياً بالتأثير في قضايا العرب المصيرية. إن التاريخ اثبت أن الرهان على الطائفية دائماً يسقط ويفشل، خصوصاً عند العرب، والجميع يذكر كيف قاتل العراقيون أيام حربهم مع إيران قتالاً شرساً دفاعاً عن وطنهم، على رغم مراهنة الايرانيين على البعد الطائفي في العراق، لكنهم نسوا أن الشعوب لا تقبل الهيمنة من شعوب أخرى، حتى ولو اتفقت معها في بعض المبادئ والأهداف والقضايا، فكما تكره بعض الدول إثارة الملف الكردي، فغيرها لا يقبل إثارة الطائفية من أي نوع لتبادل المنفعة والمصلحة. إن العرب مطالبون باحتواء الاختراقات الإقليمية والدولية في ثلاث دول عربية هي العراق ولبنان وفلسطين، وذلك بتدخل عربي مباشر ولم شمل الفرقاء في هذه الدول، وجمعهم في المملكة العربية السعودية بعد اتفاق عربي على هذه المنهجية، وهو ما سعت إليه المملكة مع الأشقاء في العراق وتم عقد الاجتماع في جدة خلال شهر رمضان الماضي لإصلاح الأمور بينهم، بما يحفظ للعراق وحدته وعروبته واستقراره واستقلاله، ويعود عنصراً فعالاً في المنظومة العربية. إن تنمية العلاقات مع إيران وغيرها من الدول الإسلامية، خطوة جيدة في المواجهة مع إسرائيل، ولكن ضمن المنظور العربي، وبما يحفظ الهوية العربية، وبعيداً عن التجاذب الإيديولوجي بكل أشكاله. * عضو مجلس الشورى