أن تلمح فتاة سعودية، تضبط معلومات كاميرتها الفوتوغرافية، وتنصبها على الحامل الثلاثي، في أحد الأماكن العامة، أو تحكم توازن إضاءة الفلاشات داخل الأستوديو، فذاك شيئ اتخذته الفتاة السعودية أخيراً.معطيات بذلك إبلاغاً فنياً رفيعاً للمجتمع عن وجود فتيات يستهويهن إيقاف اللحظات الهاربة من الزمن، وحبسها بين زوايا كادر الصورة. ولا تختلف الفتيات على أن بقعة الضوء الفوتوغرافية، ليست حكراً على الشبان، بل، أيضاً، تشمل المصوّرات. وتعزو عدد منهن دخولهن بشكل موسع في الفترة الأخيرة عالم التصوير، لمواقع و منتديات الإنترنت، وانتشار الكاميرات الرقمية الديجتل، والدوارات الفوتوغرافية، والانفتاح الفكري والاجتماعي في المجتمع السعودي. تقول المصورة السعودية ريّا بنجر 20 عاماً إن الفن الفوتوغرافي لم يكن بمنأى عن التقدم والممارسة، و"بفضل رواده والمهتمين لتأثيره وفعاليته خطا هذا الفن خطواته المهمة في ميادين الإبداع، واستطاع أن يدفع بسطوته المشرقة إلى آفاق ترتقي بجماليات التأمل والتعبير، ويحدد مكانته على خريطة الفنون الجميلة". وفي ما يخص بنات جنسها المهتمات بالتصوير أشارت إلى أن الفوتوغرافيات السعوديات بدأن يشرعن عدساتهنَّ في هذا الفن لمزيد من الارتقاء المقترن بالمثابرة وحرية الإدراك لقدرة العطاء وطلاقته. وتابعت قائلة: "لعلي من خلال ذلك أضيء على هذا الجانب بجدية طرحهنَّ لأعمال وتجارب إبداعية حققت نجاحاً ملحوظاً، وعكست فعالية العنصر الأنثوي في عمق التجربة الفوتوغرافية التي أضافت لنتاجهنَّ طابعاً جمالياً مميزاً على مستوى الصورة والفكرة، والتناغم الحسِّي". وأشارت إلى أن الفتاة السعودية تظل مميزة ببصمتها الأنثوية في مجالات متعددة، ولا يمكن إنكار مدى هذا العطاء الثقافي الفني الجميل، وعن بدايات ممارستها للتصوير تقول: "منذ طفولتي وأنا ما زلت أستغرق الزمن والوعي الذاتي في التأمل والتفكير، وجدية الشروع في توظيف شاعريتي وقدرتي البصرية والحسية في أداء ما يمكنني، لتتنامى بعد ذلك عند رؤية اقتنع بأثرها وفاعليتها في القدرة على التعبير من خلال الممارسة والتأدية، ولا شك في أن لوجود منتديات عدة ومواقع عريقة الاهتمام بالفن الفوتوغرافي على شبكة الانترنت دوراً في معظم هذه النشاطات والتجمعات المثمرة، في ارتقاء الرؤية البصرية والحسية التي أهتم بها كثيراً من خلال طرحي، وتصوري للفكرة والتكوين. كما أن للتطور الرقمي في مجال التصوير أثره المعين للفوتوغرافية السعودية من خلال نشر نتاجها من الصور في الوقت ذاته من دون الاضطرار إلى فكرة الانتظار والتأجيل. وتراهن ريا من خلال متابعتها للحركة الفوتوغرافية على أن هذا التدفق الجمالي للفن الفوتوغرافي قادر على إبراز عدد لا يستهان به من الفوتوغرافيات المحترفات السعوديات وكسب أعمالهن قيمة فنية عالية على مستوى عربي وعالمي"، معرفة التصوير بأنه "الواقع اللحظي القادر على استنفاذ الضوء بتعبير بصري من خلال التقاء الفكرة، والإحساس، والتكوين، "وهو في الوقت نفسه اعتراف وتمييز للواقع خلال جزء بسيط من الثانية، وهو تقديم صارم للواقع يقدم بصرياً لإعطاء الواقع التعبير والأهمية، كما ذكرها الفوتوغرافي العالمي Henri Cartier". وعن بنات جيلها تقول المصورة سارة محمد 20 عاماً وهي القريبة من بحر المنطقة الشرقية والمتخصصة في الحاسب الآلي، "انه في السنين الأخيرة شهدنا نضوج كثير من الأفكار الجادة من بنات جيلي، عبر طرق تجارب مختلفة، وتذوقهن للكثير من الفنون، كان التصوير من أهمها، وأرى بعضهن يحاولن تحويله من هواية إلى مهنة" . وحول سبب دخول الفتاة السعودية مجال التصوير وممارسته تتوقع أن "التصوير يعتبر فناً يحاكي الفنون الأخرى، ولغة يعبر فيها الشخص عن فكر معين، ولكن اختلفت الأداة هنا، فالعدسة جاءت بديلاً عن الريشة". وتحكي عن بداياتها في التصوير وحين لفتت عينها الصور التي تراها للمصورين العالميين، وهي تشاهد كثيراً من أعمالهم، "ومع الأيام التقطت صوري الأولى في عام 2003 بكاميرا كوداك ذات إمكانات بسيطة". ورأت أن "انتشار كاميرا الديجتل كان عاملا ًمهماً لبروز هذا الفن، لسهولة خروج الصورة. وكان الانترنت المرجع الأول بالنسبة إلي إضافة إلى بعض الكتب التي تعلمت منها الأساسيات، ووجود متذوقين لهذا الفن على الشبكة وإبداء الآراء والنقد كان عاملاً مساعداً أيضاً".أما الفوتوغرافية رحاب عمر، وهي التي تمارس التصوير منذ سنتين تقريباً فهي بدأت تشهد إقبالاً جاداً من الفتيات وقالت "هذا مما شاهدته ولمسته في أسئلتهن عن دورات للتصوير، واهتمامهن باقتناء كاميرات بمواصفات جيدة". وتتوقع أن هناك مستقبلاً مشرقاً للمصورات المحترفات، خصوصاً مع تزايدهن، و"خطواتهن ستوصلهن للعالمية، موضحة أن المصورات السعوديات بحاجة إلى إثبات الوجود في شكل أكبر في المحافل والمهرجانات". وتختتم رحاب حديثها بأن التصوير بالنسبة إليها، "رواية فصولها ضوؤها". أما الجامعية لينة عبدالعزيز الحصيّن 20 عاماً وهي طالبة تخصصها رياض أطفال فتقول: "عالم التصوير غزا مجتمعنا بانطلاقة، ونجح فيه الكثير، لاسيما الفتيات السعوديات، والإقبال على التصوير كبير جداً من الفتيات، ومن يرى حماستهن في منتديات الإنترنت وصبرهن على النقد والتوجيهات يلمس جديتهن في ذلك، وإن لم يمارسنه فهن يتذوقنه جيداً". وتضيف، "أيضاً إقامتي لدورة في مركز نبع الإبداع نلت منها الكثير من الثقة حين رأيت حماس الفتيات وإرسال صورهن لي حتى الآن". وعن العوامل التي أدت إلى انتشار التصوير بين الفتيات ترجعها لينة إلى أسباب عدة منها كاميرات الديجتال التي تنوعت وتزاحمت فيها الماركات وهذا "كان له أثر كبير وإقبال من المصورين لاختلاف مميزاتها وغيرها، والانفتاح الفكري في بيئتنا بالطبع قد يؤثر في هذا الفن، لكن الانفتاح هنا، لابد من أن يكون راقياً نقيّاً". ...ينقصهن دعم المؤسسات والجهات الرسمية ترى المصورة السعودية نسرين الدار وهي التي أقامت عدداً من الدورات الفوتوغرافية للمصورات السعوديات أن هناك إقبالاً شديداً على مثل هذه الدورات التي أقامتها وتقول: "بالفعل هناك بعض المحاولات الجادة لممارسة التصوير كفن يخوض الكثير من المجالات في الحياة اليومية، وما يثبت إصرار البعض على البحث والسعي خلف المعلومات ويتخطين بذلك الكثير من العقبات، كبعد المسافة وتعدد الدورات التي يلتحقن بها". وتلفت إلى أن عدد الحاضرات من خلال الدورات التي أقامتها تتراوح أعدادهن بين 10 و15 وباعتبارات أخرى يتغير هذا العدد، وأعمارهن تتراوح بين 20 و30 سنه. وتضيف، "الجميل أن أرى في كل دورة واحدة من الفتيات على الأقل في سن 14 و17، وهذا ما شجعني لإقامة دورة في فترة الإجازة الصيفية الفائتة للفتيات اللاتي في هذه السن فقط، وبالفعل كانت دورة ممتعة جداً بلغ عدد المشاركات فيها 11". وأوضحت أن العوامل التي ساعدتهن في ممارسة التصوير، أولاً وجود الرغبة وحب التصوير، ومن ثم يتحكم بها العديد من العوامل، أهما تشجيع وموافقة الأهل، ومن ثم يلحقها الاطلاع على المجلات والانترنت وزيارة المعارض وغيرها. و"المجتمع السعودي في الفترة الأخيرة تخطى كل هذه العقبات". وتشدد على أن كل ما ينقص المصورات المبدعات الدعم، وهو ما ينقص التصوير بشكل عام،-ودعم المؤسسات والجهات الرسمية لإبراز هذا الفن، وتقول: "لو حدث هذا نتوقع أن يأخذ التصوير مكانة لا يستهان بها وسط الفنون الأخرى". وعن جرأة الفتاة السعودية في ممارسة التصوير تلفت إلى أن الكثير منهن تنقصها الجرأة، وتقول: "هذا طبيعي بحكم الثقافة الاجتماعية لدينا، فغياب الوعي الفوتوغرافي مشكلة يعاني منها جميع المصورين والمصورات، والمجتمع ينظر للكاميرا كعدسة فضولية ستهتك حرمته وخصوصيته، وهذا بالأخص في المجتمع السعودي المحافظ". وتتابع "لا يعاب عليهن هذا الخجل من الظهور بالكاميرا وسط مجتمع كهذا، لكن كل ما يحتجنه التشجيع ودعم أنفسهن، وهذا ما أردده في كل دورة من الدورات، دعونا نبني حس ثقافة قبل البصري، الكاميرا أداة جميلة نحملها كما يحمل الرسام ريشته، نرسم بالضوء بأسلوبنا الخاص".