"السجل العقاري" يبدأ تسجيل 90,804 قطع عقارية بمدينة الرياض والمدينة المنورة    تحت رعاية ولي العهد.. السعودية تستضيف غداً مؤتمر الاستثمار العالمي لعام 2024م في الرياض    "الصندوق العقاري": إيداع أكثر من مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر نوفمبر    «التعليم» تطلق برنامج «فرص» لتطوير إجراءات نقل المعلمين    "البرلمان العربي" يرحب بإصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء كيان الاحتلال ووزير دفاعه السابق    جلسة تكشف الوجه الإنساني لعمليات فصل "التوائم الملتصقة"    أمر ملكي بتعيين 125 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    " هيئة الإحصاء " ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 22.8% في سبتمبر من 2024    اقتصادي / الهيئة العامة للأمن الغذائي تسمح لشركات المطاحن المرخصة بتصدير الدقيق    الأرصاد: أمطار غزيرة على عدد من المناطق    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    يلتهم خروفا في 30 دقيقة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    القِبلة    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    تأثير اللاعب الأجنبي    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    المدى السعودي بلا مدى    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمين المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي : المؤسسات الإسلامية ركزت على بناء المساجد وحفر الآبار... وأهملت التدريب والتنمية الاقتصادية . نور ولي ل"الحياة": أحداث سبتمبر أضرت بالعمل الخيري ... ومكتبنا مازال يعمل في أميركا
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 2006

لا تزال صورة أحداث 11 أيلول سبتمبر ماثلة في ذهن الأمين العام المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور عبدالوهاب بن عبدالرحمن نور ولي، على رغم مرور خمس سنوات على وقوع تلك الأحداث وشكوكه حول هوية الفاعل. يستعرض الدكتور نور ولي في حوار مع"الحياة"تجربة الندوة مع الأحداث، وكيف اجتازت المصاعب الناجمة عن تلك الأحداث نتيجة تقلص التبرعات الخيرية بنسب كبيرة جداً، إضافة إلى الملاحقات القضائية. وخطتها الاستراتيجية المستقبلية.
كما يتناول أوضاع العمل الخيري الإسلامي، وأوجه النجاح ومكمن الفشل، ويرد على الاتهامات الموجهة إلى المؤسسات بنقل التطبيقات الفقهية المعمول بها في السعودية إلى المجتمعات التي تعمل فيها. ويستعرض الدكتور نور ولي أوضاع الأقليات الإسلامية في العالم، وخوفها من فقدان الهوية. كما ينتقد عجز الطوائف والفرق الإسلامية على التعايش مع بعضها.ويدعو إلى إقامة حوار للفهم بين الأديان، وأن يخرج بخطط عمل وآليات واضحة، تتحقق نتائجها على أرض الواقع. وهنا نص الحوار:
بعد مضي نحو خمسة أعوام على أحداث 11 سبتمبر، هل تعتقد أن العمل الإغاثي الإسلامي نجح في اجتياز الأزمة؟
- الآراء مازالت متضاربة حول من افتعل أحداث 11 سبتمبر، لكنها حدثت وغيرت مجرى الكثير من القضايا في العالم.
وللأسف الشديد كانت هذه الأحداث مبرراً لإلصاق تهمة الإرهاب بالمجتمعات الإسلامية، وخصوصاً بالجمعيات الخيرية، أعدت قوائم شملت جميع الجمعيات الخيرية الإسلامية، وكبار الداعمين لها، ورجال أعمال، وبنوك، وشخصيات اعتبارية.
عدد ممن اتهموا بدعم الإرهاب وتمويله نجحوا في الخروج من قوائم الاتهام، ومن بينهم الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
كان الهدف من هذه القوائم والاتهامات عرقلة العمل الإسلامي المنطلق من المؤسسات الخيرية الإسلامية.
ما حدث في 11 سبتمبر من العام 2001 كانت له آثار كبيرة جداً على مستوى العالم أجمع، إذ استطاعت المؤسسات الخيرية الإسلامية قبل تلك الأحداث الوصول إلى الشعوب الإسلامية المعزولة في أرجاء العالم. ونجحت في التعايش والتواصل مع واقع المسلمين في تلك المجتمعات. وتحققت تنمية إسلامية وبعث لروح الإسلام فيها.
وبعد 11 سبتمبر دخل جميع هؤلاء المستفيدين في أزمة حقيقية. لأن المؤسسات الخيرية الإسلامية العاملة، خصوصاً من السعودية طبق عليها حظر في تحويل الأموال من طريق البنوك، وأقفلت مجموعة من المؤسسات بالكامل أو أقفلت مكاتب تابعة لها. وأصبح جميع المستفيدين من مدارس ومعاهد ودور أيتام ومعلمين ودعاة بلا عائل يتولى الإشراف عليهم بين عشية وضحاها.
كانت الندوة العالمية للشباب الإسلامي من بين المؤسسات التي استمرت في إدارة أنشطتها وبرامجها كافة، إلا أنها قلصت من حجم تلك الأنشطة والبرامج بنسب تتراوح من 50 إلى 60 في المئة، نتيجة للصعوبات التي واجهناها في تحويل الأموال إلى مكاتبنا.
وأسهم الإعلام المحلي بدوره في نشر ثقافة مضادة للعمل الخيري. إذ تحول إلى ناقل لكل ما ينشر في الإعلام الدولي من اتهامات للمؤسسات الخيرية الإسلامية بالتورط في دعم وتمويل الإرهاب. ما شوش على صدقية تلك المؤسسات في أذهان الجمهور.
باختصار يمكن القول إن الإعلام لعب دوراً كبيراً وسلبياً في تراجع حجم التبرعات التي تتلقاها المؤسسات الخيرية الإسلامية بنسبة 60 في المئة عن الأرقام التي كانت تسجلها قبل الأحداث.
لكن بفضل الله ثم طبيعة العمل الخيري في مساعدة الفقراء والمحتاجين والمساكين. ومن هذا المنطلق والمعتقد، استمرت الندوة العالمية للشباب الإسلامي في العمل، على رغم تعرضها لمضايقات عدة. واستمر المستفيدون من خدمتها في الصبر على التحويلات المحدودة التي تستطيع الندوة تحويلها لهم. كما حافظت على الأيتام الذين ترعاهم، وعلى الطلاب الذين تدرسهم، على رغم تقليص الكثير من الأنشطة، وخفض المصاريف الإدارية.
وفي مقابل السلبيات التي تعرضت لها مؤسسات العمل الخيري الإسلامي، تحققت إيجابيات عدة، منها ظهور"المنتدى الإنساني"الذي سجل رسمياً في بريطانيا، ومقره الرئيس لندن، ويضم المؤسسات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، والصليب والهلال الأحمر الدولي، ومؤسسات خيرية غربية مثل منظمة أوكسام الخيرية البريطانية، علاوة على مؤسسات خيرية وإسلامية من السعودية والخليج وتركيا وإندونيسيا وباكستان.
وتتحرك الجمعيات الإغاثية تحت مظلة هذا المنتدى، بالتفاهم الهادف إلى كسر الحواجز التي كانت تفصل في السابق بينها، والتعرف من قرب على أن المؤسسات الإسلامية تعمل في مساحات كبيرة وبشفافية، وتعمل على تنمية المجتمعات التي تعمل فيها.
وتتطلع الندوة من خلال هذا المنتدى إلى إيجاد شراكات ميدانية في المشاريع والبرامج المختلفة.
كيف تعاملتم في الندوة مع أزمة ما بعد 11 سبتمبر؟
- أعدت الندوة العالمية للشباب الإسلامي خطة سميت"خطة التعامل مع الأزمة"، هدفها الرئيس استمرار جميع مكاتب الندوة في العمل وعدم إغلاقها، وتقليص البرامج والمصاريف مع محاولة الوصول إلى المستفيدين بأقل إمكانات ممكنة من دون التراجع. واستمر العمل على هذا المنوال طوال السنوات الخمس الماضية. كما أعدت الندوة استراتيجيات عدة للتعامل مع هذه الأزمة، ومنها استراتيجية للعمل الميداني، إذ ركزت 80 في المئة من أعمالها على الأنشطة الموجهة إلى الشبان، باعتبار هذا المجال هو الاختصاص الأساس للندوة.
وهذا يعني الاهتمام بالجوانب التعليمية والتأهيلية والتكوينية للشبان، إذ يشتمل الجانب التأهيلي على التدريب وتكوين قدرات الشبان، أما الجانب التكويني فيتضمن بناء الجانبين التربوي والشخصي لهم.
وتكفل الندوة العالمية للشباب الإسلامي 54 ألف طالب وطالبة، يدرسون في مدارسها المنتشرة في مختلف بلدان العالم، كما ترعى 2500 طالب جامعي في مستويات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في أكثر من 40 دولة، يتلقون تدريسهم العالي من خلال منح دراسية توفرها لهم الندوة داخل السعودية وخارجها.
وتنفذ الندوة برامج أخرى عدة في مختلف بلدان العالم التي تعمل على أراضيها، يصل عددها إلى مئات البرامج سنوياً.
كشف الأمين العام للندوة أخيراً أن الندوة أنجزت خطة استراتيجية لم تعلن عنها، ما هي أبرز ملامح هذا الخطة؟
- لابد من إعداد خطط استراتيجية قصيرة أو طويلة الأمد لتسيير العمل في أي مؤسسة سواء أكانت تجارية أو خيرية.
ومن هذا المنطلق أعدت الندوة العالمية للشباب الإسلامي خلال السنوات الأربع الماضية خطة استراتيجية طويلة الأمد، من خلال اجتماعات وورش عمل متواصلة. وحددت أهدافها للمرحلة المقبلة، وأجابت عن الأسئلة الرئيسة: ماذا تعمل الندوة؟ وكيف تعمل؟ وكان الهدف الرئيس للخطة هو تركيز العمل في مجال رعاية الشبان.
وضعت الندوة لها من خلال هذه الاستراتيجية رسالة محددة تعتبر إطاراً يحدد نوعية برامجها، والمستهدفين منها، وكيفية الوصول إليهم، وتنفيذ تلك البرامج. وهي:"منظمة رائدة لشباب مميز"، تهتم بالشبان المسلمين، ورعايتهم، بما فيهم الشبان داخل السعودية.
وتنتسب نحو 500 جمعية شبابية إلى عضوية الندوة العالمية للشباب الإسلامي. وهي تؤمن بمبدأ المشاركة في العمل الميداني، إذ تشترك مع الجمعيات المحلية المنتسبة لها في إدارة البرامج والإشراف عليها. وهي تحاول أن تبتكر الكثير من الآليات والبرامج التي تساعد في تنمية البلدان التي تعمل فيها. وعلى الصعيد المحلي طورت الندوة خلال العامين الماضيين برنامجاً ضخماً يدور حول كيفية تحويل الشبان من الظواهر السلبية إلى الظواهر الإيجابية، وكيفية إيجاد شبان ينظرون إلى قضايا المجتمع بفاعلية وواقعية وبعطاء مميز. وإخراجهم من دوائر الانحراف إلى العطاء المتميز.
أما على الصعيد العالمي، فطرحت الندوة تساؤلاً مضمونه: ما الذي نريد تحقيقه من برامجنا؟ وتوصلت إلى أنها بحاجة ماسة إلى إيجاد كادر من الشبان المتميزين في مختلف دول العالم، يستطيعون حمل رسالة في المجتمع، وأدائها على أكمل وجه، وأن يكونوا عناصر فاعلة في المجتمع.
وتسعى الندوة لتحقيق هذه الأهداف من خلال إطلاق برامج مبتكرة جديدة، تستطيع استقطاب الشبان للانخراط فيها من ناحية، ورفع قدراتهم وإمكاناتهم من ناحية أخرى. وتتضمن استراتيجيات عملنا رفع كفاءة العاملين فيها عبر إلحاقهم بدورات متميزة.
كما بدأت الندوة في استخدام برنامج آلي لإدارة أعمالها المالية والإدارية كافة، وتقويم هذه الأعمال.
هل من الممكن أن تبين لنا الحد الفاصل بين نشاطكم الدعوي، وعملكم الإغاثي؟
- لا تستطيع أي مؤسسة خيرية تعمل في الميدان أن تبتعد عن العمل الخيري. كما أن الكثير من الكوارث التي حصلت في العامين الأخيرين خصوصاً، منها: ظاهرة المد البحري"تسونامي"التي ضربت بلدان جنوب شرق وجنوب آسيا، ومجاعة النيجر، وزلزال باكستان، والمجاعة في الصومال، وفيضانات أثيوبيا والسودان، دفعت جميع المؤسسات الخيرية الإسلامية، ومنها الندوة العالمية إلى المشاركة والإسهام في العمل الميداني.
ونحن نوجه عند الضرورة ما بين 10 إلى 15 في المئة من أنشطنا كبرامج إغاثية، إلا أن هذا لا يعني تخلينا عن مجالنا الرئيس المتمثل في العمل الشبابي.
العمل الشبابي الذي تمارسه الندوة ليس معناه النشاط الدعوي فقط، بل يمتد إلى جوانب التعليم والتأهيل والتربية والتكوين للشبان من الجنسين. والهدف الرئيس لهذه البرامج والأنشطة هو إيجاد جيل شاب مسلم واع، يحمل فكراً معتدلاً وسطياً، قادر على التفاعل مع حاجات الشعوب الإسلامية التي ينتمون إليها.
وتفتخر الندوة أن العديد من الذين شاركوا في برامجها وأنشطتها تسلموا مناصب مرموقة في بلدانهم. من أولئك من وصل إلى منصب وزير أو سفير أو مدير عام في بلده.
أين تعتقد أن المؤسسات الإسلامية نجحت وأين أخفقت؟
- هذا السؤال يحتاج إلى إجابة طويلة، وأنا الآن بصدد الانتهاء من إعداد بحث يتناول هذه المسألة.
توجد نقاط رئيسة عدة في غاية الأهمية، أبرزها أن الكثير من المؤسسات الخيرية انطلقت فقط من الرؤية العامة للعمل الخيري، ويغلب على برامجها ومشاريعها الجانب الإغاثي. مع الضعف الشديد في جانب البرامج التي تركز على جوانب البناء للمستقبل.
مؤسسات العمل الخيري الإسلامي تفي بحاجة اليوم للمستفيد، ولا تتطلع لحاجته المستقبلية. فيما يتطلب تكوين المجتمعات التطلع إلى البناء المستقبلي، وتحقيق التنمية فيها. وأهم تنمية للمجتمع هي تنميته بشرياً من خلال إيجاد كوادر متعلمة ومؤهلة تستطيع أن تنقله نقلة تنموية نوعية.
وللأسف فإن البرامج الإغاثية، وبرامج رعاية الأيتام، والإطعام، وكفالة الأيتام، جميعها لا تفي استراتيجياً بالمتطلبات التنموية للمجتمعات. كما أن مجتمعنا المحلي بحاجة إلى إعادة تغيير لثقافته في العمل الخيري، إذ يتبرع الجميع لمصلحة بناء المساجد أو حفر الآبار أو كفالة الأيتام، فيما توجد أولويات مهمة في المجتمع، كالتعليم والتدريب والتأهيل والتنمية الاقتصادية لا يلتفت إليها، ولا يقدم المتبرعون أموالهم لها. على رغم أن المجتمعات الإسلامية في أمس الحاجة لها. هذه المجتمعات في أمس الحاجة إلى بناء الكادر البشري، والتنمية الاقتصادية، وإلى نقلة نوعية في تكوينها، تجعل منها مجتمعات فاعلة، وخصوصاً الأقليات المسلمة التي تفتقد إلى الفاعلية في انخراطها في مجتمعاتها، وهي بحاجة إلى برامج ترتقي بأوضاعها تجاه مجتمعاتها وتجاه العالم أجمع.
فشلت الأقليات الإسلامية في أحيان كثيرة من الاندماج مع غالبية البلدان التي تعيش فيها، إلى ماذا ترجعون أسباب هذا الفشل، وكيف السبيل للخروج منه؟
- ما ذكر في التقرير صحيح، الأقليات المسلمة في الهند وفي غيرها من بلدان العالم انكفأت على نفسها، وانغلقت عن محيطها نتيجة للاستعمار الذي سيطر على تلك البلدان لفترات زمنية طويلة، وولد لدى تلك الأقليات هواجس الخوف على الهوية.
لذا قررت غالبية الأسر المسلمة إرسال أبنائها إلى المدارس الدينية لتعليمهم القرآن والعلوم الشرعية فقط، وعزفوا في المقابل عن إرسالهم إلى المدارس الحكومية، وامتد هذا الانكفاء والانغلاق ليشمل جميع مجالات العمل الرسمي.
ولكن الاستعمار خرج من الهند مثلاً قبل أكثر ما يقارب 60 عاماً، وما زالت مشاركة المسلمين محدودة في مجتمعهم؟
- هنا لا بد أن نشير إلى أن الظاهرة استمرت وتنامت، الاستعمار مثلاً قسم المسلمين في بلاد الهند، فالطبقة الغنية والمثقفة نزحت إلى باكستان، فيما بقي في الهند الفقراء والجهال غير المتعلمين.
وفضل من بقي في الهند إرسال أبنائهم إلى المدارس الدينية فقط، خوفاً على الهوية.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأقليات المسلمة في أوروبا التي أصبح الإسلام فيها أمراً واقعاً، من خلال وجود نحو 100 مليون مسلم يعيشون في دول القارة، فهم منكفؤن على ذاتهم، خوفاً على الهوية أيضاً.
وتسبب هذا الوضع في ضعف انخراطهم في المراكز المهمة في البلدان الأوروبية. وهذا الوضع يتطلب بناء نظرة مستقبلية لأوضاع هذه الأقليات، وكيف تستطيع أن تكون رقماً مهماً وفاعلاً في البلدان التي يعيشون فيها، ويحتاج ذلك إلى جهد كبير.
عندما غادر الاستعمار البلدان المستعمرة ترك بذور الشقاق بين الأقلية والأغلبية، وجعل الشك بينهما متبادلاً. لذا فإن المسؤولية مشتركة بين الجانبين لمعالجة هذا الانقسام التاريخي. نحن نتحدث الآن عن مفهوم الاندماج، وهو الإطار الذي تناقشه الأمم المتحدة لدمج الأقليات في العالم في مجتمعاتها. جزء من المشكلة نتج من ذات المجتمعات الإسلامية، التي انكفأت على ذاتها، خشية ضياع هويتها الإسلامية، وضحت مقابل ذلك بالدخول في المعترك السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلدان التي يعيشون فيها. توجد بلدان عدة حرة ومفتوحة أمام الجميع، وكل فرد من أفراد المجتمع بغض النظر عن ديانته أو عرقه يستطيع أن يمارس بحرية كل متطلبات حياته.
للأسف لم يستفد المسلمون في تلك البلدان مما هو متاح لهم من فرص، نتيجة عزوفهم عن الاندماج في المجتمع مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية.
وأشير هنا إلى مشاركتي في ندوة عقدت أخيراً في بريطانيا لمناقشة اندماج الأقليات المسلمة في أوروبا في المجتمعات التي تعيش فيها، مع الحفاظ على هويتها، واستمرت الندوة ثلاثة أيام، وحضرها نخبة من الأوروبيين وممثلي الأقليات الإسلامية في أوروبا.
وشهدت الندوة نقاشاً صريحاً وواضحاً عن ضعف الاندماج، وكيفية الانتقال إلى الاندماج في المجتمع مع الحفاظ على الهوية الإسلامية.
وعكست الندوة وجود مساع حثيثة من قبل المجتمعات الأوروبية والأقليات الإسلامية نحو تحقيق الاندماج بآليات واضحة، مع حفاظ المسلمين على هويتهم الإسلامية.
في عدد من البلدان الأوروبية يحترم الدين الإسلامي بقوة، مثل بريطانيا، وألمانيا، والبلدان الاسكندينافية، إذ يمارس المسلمون في هذه البلدان جميع شعائرهم الدينية، من دون منع.
وعلى سبيل المثال: يرفع الأذان بمكبرات الصوت في أحد المساجد الكبرى جنوب لندن، وفي دول أخرى يمنح المسلمون أراض لبناء مساجد ومراكز إسلامية عليها.
كما تتوافر للمسلم فرصة الحصول على مراكز متقدمة في تلك البلدان، ومن دون فرض أي عقبات، ما دام أنه يتمتع بالكفاءة.
ألا تعتقدون أن العديد من المجتمعات الإسلامية تعاني مشكلة كبيرة مع الصراعات الطائفية، ويتضح ذلك جلياً في الفترة الحالية في العراق، ألا يتضرر العمل الإسلامي سلباً من هذه الصراعات، وما المخرج برأيكم من هذه الصراعات؟
- هذه قضية ذات شجون، الصراع الطائفي قضية تاريخية، الدين الإسلامي انطلق على قاعدة اختلاف الرأي وتعدد المدارس الفقهية، إذ تأسست مدارس إسلامية متعددة في فترات زمنية متزامنة، وكل مدرسة منها تملك فهماً معيناً مقتبساً من الشريعة الإسلامية، لذا لا يجوز أن يتحول هذا الاختلاف إلى صراع طائفي.
باعتقادي أن المستعمر الغربي كان له دور كبير في نشوء الصراعات الطائفية في العالم الإسلامي، عندما أرادت الدول المستعمرة فرض إرادتها على الدول الخاضعة لاستعمارها، عملت على دراسة نقاط الضعف في تلك الدول، ومظاهر الخلاف في مجتمعاتها.
وعملت الدول الاستعمارية على تأجيج الصراعات، مستفيدة من جهل الكثير من المجتمعات بأساسيات الدين، والأمور التي يلتقي فيها المسلمون، وكيف يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه. هذه القواعد والضوابط في العلاقة بين المسلمين نفتقدها في مجتمعاتنا المسلمة. فنحن مجتمعات تتعايش مع غير المسلمين في المجتمع الواحد، ولكننا في الوقت نفسه لا نطيق التعايش مع من يخالفنا من المسلمين. المسلمون كلهم من أهل القبلة. وإذا كنا لا نستطيع أن نتعايش معهم في بلد واحد، فهذا خلل من داخلنا، خلل في فهمنا وفقهنا وثقافتنا، وفي ديننا أيضاً.إذا كنا لا نحترم أخوة الآخر، ولا حرماته، أو عرضه، أو حريته، فإننا نكرس للاستبداد الفكري والعقدي والثقافي، ونلغي شخصية الآخر، من خلال قولنا أننا الأساس، وأن غيرنا على لا شيء من الحق.
لا بد من أن تجتمع الطوائف الإسلامية على الأمور التي تتفق فيها، أما الأمور التي تختلف فعليهم أن يعذروا بعضهم فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.