كم تتشوق النفوس إلى رمضان وتلهج بالدعاء أن يُبلّغها هذا الشهر الكريم، فنحن حينما نصوم فإننا نتعبد بهذا الصوم خالقنا العظيم جل جلاله، لما فيه خيرنا في العاجل والآجل، فتكون هذه العبادات سبباً للصحة والعافية للنفس والبدن. وإن ما يكشفه لنا الطب الحديث من فوائد الصيام على الإنسان ماهي إلا عظات تزيدنا إيماناً وتجعلنا نستمتع بصيام هذا الشهر الكريم. فقد أظهرت دراسة للدكتور رامز طه بالكويت فاعلية الصوم لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو سلوكية، إذ يسهم الصوم في تعديل التفكير والسلوك والتخلص من العادات غير المرغوبة، وذلك من خلال التنمية النفسية المتمثلة في الضبط الذاتي الذي يلتزم به الصائم بيولوجياً أو نفسياً أو سلوكياً. ويشير الدكتور إبراهيم الراوي عن أثر الصيام على القدرات الفكرية للإنسان فهو يؤثر في تنشيط الخلايا الدماغية التي تضاعف حيويتها نتيجة لتوقف نشاط الجهاز الهضمي، فيندفع الدم بغزارة إلى أنسجة المخ بالغذاء الأمثل لعملها، ما يزيد من قدرة الإنسان على التفكير والتعمق في المسائل المعقدة وحلها، وبالتالي تزيد من شعور الإنسان بالثقة في نفسه وقراراته وحله لمشكلاته. وقد وجد أن الصوم يخفف من توتر الجهاز العصبي ويهدئه، فالجوع يساعد الصائم في السيطرة على نفسه، وبالتالي صفاء الذهن وتقوية الإرادة وترويض النفس على الصبر، وذلك كله ما هو إلا تدريب سلوكي رائع للفرد. وقد أثبت الطب الحديث أن ما يشعر به الصائم في أيام الصوم الأولى من تقلب المزاج والصداع والضعف ماهي إلا نتيجة تخلص الجسم من رواسبه المتبقية داخل الجسم، والتي ينتج عن تذويبها سموم تتدفق في الدم قبل أن يلقى بها خارج الجسم، وهي إذ تمر بالدم عبر أجهزته كلها من قلب ودماغ وأعصاب، ما يؤدي إلى مشاعر مضطربة لتلك التغيرات، ومن ثم تبدأ التغيرات الإيجابية للنفس والجسم مع مداومته على الصيام. وكذلك أكدت بعض الدراسات الأخرى، أن تحمل آلام الجوع والصبر عليه يحسن من مستوى مادة"السيروتونين"وهي ما تسمى"بمخدرات الألم الطبيعية"والتي يقوم المخ بإفرازها، ولهذه المواد خواص في التهدئة وتسكين الألم أقوى عشرات المرات من العقاقير المخدرة والمهدئة الصناعية، وشرط استمرار إفراز هذه المواد المهدئة والمزيلة لمشاعر الألم والاكتئاب، لابد من أن يمر الإنسان بخبرات حرمان ونوع من ألم التحمل وهو ما ينتج عن الصوم! فالصوم يعين الفرد على ضبط وتنظيم المراكز العصبية المسؤولة عن تنظيم الحاجات البيولوجية والغرائز والمناطق المسؤولة عن التخيل والتفكير وتوجيه السلوك. فسبحان من أمرنا بما فيه خيرنا ونفعنا في الدنيا والآخرة بأن فرض علينا الصيام شهراً كاملاً في السنة، يمثل تدريباً يومياً منظماً ليعيننا على تغيير أفكارنا واتجاهاتنا وسلوكياتنا بصورة عملية تطبيقية. * اختصاصية نفسية [email protected]