لم تعد الضيافة محصورة بين جدران مجالس المنازل، إذ نقلها بعض أهالي محافظة الأحساء إلى المنتزهات والحدائق العامة وعلى الرمال الصفراء، فأصبح لها طعم خاص مع برودة الطقس هذه الأيام. ويشتهر صادق محمد بعقد جلسة يومية بين الرمال الصفراء، تتميز بمذاق القهوة العربية بالهيل والشاي المخدر، على نار هادئة يشعلها لتسخين الشاي والقهوة، وبث الدفء في أجساد مرتادي مجلسه، سواءً من أصدقائه أو المارة الذين يتصادف مرورهم بمضيفته، حتى لو لم يكن يعرفهم، أو التقى بهم من قبل. ويقول محمد:"كرم الضيافة صفة لازمت العرب منذ القدم"، مردداً شطراً من قصيدة لم يتذكر قائلها"يا نارُ، إن لم تجلبي ضيفاً فلست بناري". تثير القهوة صوتاً يبعث الراحة في نفس محمد وضيوفه، ما تلبث ان تنزلق من الدلة إلى الفناجين، بحيث لا تتجاوز ربع الفنجان، فيرفعه إلى أعلى حتى يضرب به عروة الدلة، وينتشي المضيف مع سماع الصوت الصادر عن التقاء الفنجان بالدلة"إنها من طقوس وعادات العرب". ولا تقتصر الضيافة في مجلس الهواء الطلق على القهوة والشاي، فهناك التمر والفاكهة المرتبطة بطريقة جميلة، تثير شهية الحضور. ويقول سامي علي"الشاي والقهوة هنا لهما طعم خاص، ولا أعلم هل السر في المكان أم ان هناك خلطة سرية تجعل لهما مذاقاً خاصاً؟!". ويحرص محمد على استمرار مضيفته، وعقدها كل يوم"علينا أن لا نترك واجب الضيافة، الذي اشتهر به أجدادنا، فهذه الصفة إضافة إلى النخوة والشهامة والأصالة من تراثنا الأصيل الذي يجب ان يبقى على مر الزمان". ويعتمر محمد ثوباً معتقاً وشماغاً أو غترة لها نفس اللون الداكن، مردداً أبياتاً من الشعر النبطي، إحدى قصائده كانت تعبر عن سخرية برواد المقاهي الحديثة ومحال"الكوفي شوب". ويختم قصيدته التي لن يفهمها رواد تلك الأماكن ويقول:"إنها ليست من تراثنا، فلماذا يذهبون إليها؟!". يرتفع صوت المؤذن في مسجد قريب، مشيراً إلى دخول صلاة المغرب، فيستأذن محمد ضيوفه"الصلاة يا جماعة"في إشارة إلى إغلاق المقهى البري، ويبدأ في جمع أدوات الضيافة"ليس من تقاليدنا رفع الضيافة، ولكنها الصلاة وهي أوجب من كل شيء، حتى الضيافة".