أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور، سعود بن إبراهيم الشريم أن الأمة الإسلامية، وهي تكتوي بلهيب الصراعات الدموية، والخلافات المنهجية بحاجة إلى الاقتباس من أسرار الحج، لتتخلص نفوس أبنائها من الأنانية والغل والحسد، وترتقي بهم إلى أفق الإسلام الواسع المبني على منهاج النبوة، والدافع لكل شقاق أو خلاف. وطالب في خطبة الجمعة أمس حجاج بيت الله الحرام بالتمسك بالتوحيد الخالص الخالي من الشوائب الشركية، والنزعات البدعية، لأن البيت الحرام لم يبن إلا للتوحيد وإخلاص العبودية لله سبحانه، مشيراً إلى أن السلف - رحمهم الله - لا يتبركون بأحجار الكعبة ولا بغيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولم يفعله أصحابه رضوان الله عليهم، وإنما استلم الحجر الأسود وقبله، ومسح بيده على الركن اليماني، ولم يستلم بقية أركان الكعبة. وأفاد أن هذا الاجتماع المبارك وقت هذا النسك العظيم يعد فرصة سانحة لاستشعار هذا التوافق الفريد، واستلهام الحكم العظيمة التي شرع الحج لأجلها، ومن ذلك المساواة بين الحجاج كافة في متطلبات هذا النسك، فليس للغنى ولا للرئاسة فضل أو استثناء، فالوقوف بعرفة واحد، والمبيت بمزدلفة واحد والجمرة ترمى بسبع حصيات لكل واحد، والطواف واحد، والسعي واحد فلا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى. وقال إن ذلك الاستشعار من أعظم الدواعي إلى التآلف والتكاتف والرحمة والشفقة والتواضع والتعاون، لا شعارات وطنية، ولا هتافات عصبية، إنما هي راية واحدة، راية لا اله إلا الله محمد رسول الله، مبيناً أن الأمة في حاجة ماسة إلى استجلاب كل معاني الوحدة والتعاون والتناصر على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان. ومضى في القول: حجاج بيت الله الحرام، ها أنتم تجتمعون في هذا المكان المبارك وافدين إلى بلد الله الحرام محرمين ملبين قاصدين رباً واحداً ولابسين لباساً واحداً وحاملين شعاراً واحداً :"لبيك اللهم لبيك... لبيك لا شريك لك لبيك... إن الحمد والنعمة لك... والملك، لا شريك لك"، إنكم أيها الحجاج في اجتماعكم هذا، تعقدون مؤتمراً فريداً ملؤه السمع والطاعة والرغبة في الاستجابة لنداء البارئ جل شأنه، وها أنتم استجبتم لأمر ربكم، وتركتم المال والأهل والولد، وقطعتم المسافات الطوال في البر والبحار، في صورة فريدة، ومنظر مدهش يستوي فيه صغيركم وكبيركم وذكركم وأنثاكم، فاشكروا الله على التيسير واحمدوه على بلوغ المقصد". وأضاف:"اعلموا حجاج بيت الله الحرام، أنه يشرع للحاج في اليوم الثامن من ذي الحجة أن يحرم بالحج إن كان متمتعاً، وإن كان مفرداً او قارناً فهو لا يزال في إحرامه، ويستحب للحاج في اليوم الثامن أيضاً أن يتوجه إلى منى قبل الزوال، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً من دون جمع ما عدا الفجر والمغرب، فإذا صلى فجر اليوم التاسع وطلعت الشمس توجه إلى عرفة، وهو يلبي أو يكبر، فإذا زالت الشمس صلى بها الظهر والعصر جمعاً، وقصراً بأذان وإقامتين ثم يقف بها و - عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة - فيكثر فيها من التهليل والتسبيح والدعاء والاستغفار ويتأكد الإكثار من التهليل، لأنه كلمة التوحيد الخالصة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير"، فإذا غربت الشمس أفاض الحاج من عرفة إلى مزدلفة بسكينة ووقار، فلا يزاحم ولا يؤذي ثم يصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بآذان وإقامتين، ثم يبقى بها حتى طلوع الفجر إلا الضعفاء، فلهم ان ينصرفوا منها بعد منتصف الليل، فإذا صلى الحاج الفجر بمزدلفة، وقف عند المشعر الحرام، ومزدلفة كلها موقف فيدعو الله طويلاً حتى يسفر، ثم يسير إلى منى فيرمي جمرة العقبة، وهي أقرب الجمرات إلى مكة، يرميها بسبع حصيات صغيرات، يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه ان كان متمتعاً أو قارناً، ثم يحلق ويحل من إحرامه فيباح له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام إلا النساء، ويبقى في حق القارن والمفرد طواف الإفاضة وسعي الحج، إن لم يكن سعى مع طواف القدوم، وأما المتمتع فيبقى عليه طواف وسعي غير طواف العمرة وسعيها، ثم بعد الطواف يحل للحاج كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام حتى النساء، ولا يضر الحاج ما قدم أو أخر من أفعال يوم النحر، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سئل عن شيء قًدَّم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال:"افعل ولا حرج"، ثم يبيت الحاج بمنى أيام التشريق وجوباً لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرمي الجمرات في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر واليوم الثالث عشر، إن لم يكن متعجلاً كل جمرة بسبع حصيات يبدأ بالجمرة الصغرى، ثم الوسطى ثم الكبرى، ولا يكون الرمي في هذه الأيام إلا بعد الزوال لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره، ومن أراد أن يتعجل فليرم بعد الزوال من يوم الثاني عشر، ثم يخرج من منى إلى مكة، ولا يضره إذا غربت عليه الشمس، وهو لم يخرج من منى كما لا يضره لو رمى بعد مغرب اليوم الثاني عشر، وتعجل على الصحيح من أقوال أهل العلم، ثم يطوف بعد ذلك طواف الوداع. س07p02-04