فارق الشاب عبد المجيد عبد العزيز المرزوق 24 عاماً الحياة قبل خمسة أيام، إثر دخوله في غيبوبة على الفراش الأبيض في مستشفى"الملك فهد"في الهفوف نحو شهر. ودخل الشاب المستشفى أواخر شهر ذو القعدة الماضي، بعد شعوره بآلام في الجانب الأيمن من جسمه. وقرر الأطباء بعدها أنها"أعراض الزائدة الدودية"، وضرورة إجراء عملية الاستئصال بعد انتهاء الفحوصات المخبرية والأشعة، التي أكدت قرار إجراء العملية. وبعد انتهاء العملية تلقت أسرته اتصالاً في العاشرة ليلاً من المستشفى، يخبرهم بوجوب قدومهم على وجه السرعة،"لأن حالة المريض حرجة جداً". وعلى الفور توجهت الأسرة القلقة ليخبرهم الطبيب المعالج أن المريض أخرج من غرفة العمليات، واستفاق بعد فترة من التخدير، وكان يشكو من آلام العملية"وهذا أمر طبيعي"بحسب قول الطبيب. بيد ان الأسرة تقول:"إن صرخات عبد المجيد المتألمة عولجت بإبرة"البيثادين"المهدئة، ليصاب بخدر"، إلا أنهم اتهموا الطاقم الطبي بعدم متابعته"ليتحول جسمه إلى اللون الأزرق بعد توقف قلبه وجهازه التنفسي، ما اضطرهم إلى عمل إنعاش تجاوز الساعة"، ولكن من دون أن يفلح ذلك في تحسن حالة المرزوق، ودخوله في غيبوبة شهراً كاملاً. وتؤكد الأسرة، التي بدت في أكبر صور غضبها وانفعالها في آخر أيام العزاء أنه"عندما عادت دقات القلب بعد الإنعاش الطويل تأخرت استجابة الجهاز التنفسي، لتوضع الأجهزة الطبية كوسيلة مساعدة لتنفسه". وقبل إعلان وفاته بفترة بسيطة عاد التنفس طبيعياً، ما ترتب عليه من إزالة الأجهزة، ليعود التفاؤل من جديد إلى الأسرة المنكوبة، إلا أن المرزوق فارق الحياة، ليثير كماً هائلاً من التساؤلات التي ترجمتها أسرته في خطابين موجهين لمحافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي ووزير الصحة الدكتور حمد المانع، في شكل دعوة قضائية على الطاقم المعالج في المستشفى. وأكد أحد إخوته، الذي كان متألماً"علمنا أنه مات دماغياً فور خروجه من غرفة العمليات، وتعجبنا حين علمنا أن العملية بدأت في الخامسة والنصف مساءً، ولم تنته إلا عند الساعة الرابعة فجراً، فهل هي عملية قلب أم دماغ أم زائدة دودية؟". يذكر أن المرزوق لم يدخل المستشفى من قبل، بحسب قول إخوته، وأنه لا يملك ملفاً طبياً، لما كان يتمتع به من صحة جيدة، وقبل شهرين حصل على وظيفة في شركة كبيرة بعد تخرجه في الجامعة، ليبدأ التفكير في تكوين الأسرة والبحث عن شريكة الحياة، إلا أن"هذه الأحلام تبددت"بحسب قول الأسرة. ويضيف أخوه"بسبب خطأ طبي فقدنا شاباً كنا نرى فيه الأحلام والآمال، ولكننا واثقون من مجرى العدالة ونتطلع إلى انتهاء التحقيق ومعاقبة الجاني". وفي القطيف، اتهمت مواطنة مستشفى القطيف المركزي بفقدانها جنينها الخميس الماضي، وقالت:"طالبتهم بإيقاف النزيف، ولم يفعلوا شيئاً على رغم مقدرتهم الطبية، ما سبب موت جنيني في أحشائي". ولم يكن الإهمال الطبي سبباً وحيداً لموت الجنين بحسب السيدة، بل كان"لتأخير النتيجة الخاصة بالفحص الهرموني أثر بالغ، فقد جاءت النتيجة بعد تأخر دام يومين، في حين أن الوقت الطبيعي لظهور النتيجة يكون خلال ساعتين فقط". وتعتقد أن"النقص في أجهزة المختبر حال دون وصول النتيجة في وقتها، ولكن هذا يجعل من الواجب الطبي أن تُرسل التحاليل إلى المختبر الإقليمي في الدمام، ليقوم بإرجاعها للمستشفى، بيد أن الروتين حال دون وصولها 48 ساعة، ما يعني عدم علم الطبيبة المعالجة بحال الجنين". وقالت الأم:"يعتبر الحمل طبيعياً عند معدل 1400، وإن نزل إلى 800 فهذا يشكل خطراً على نمو الجنين"، مضيفة"جاءت نتيجتي في ال2680، ما يعني أن حال الجنين كانت ممتازة، بيد أن نتيجة التحليل جاءت بعد أن توفي الجنين بسبب النزيف الذي لم أتلق أي علاج له". ولم تكن الأم التي فقدت طفلها الموعود وحيدة هذه المأساة، بل كانت هناك سيدات أخريات حملن الشكوى ذاتها. وقالت إحداهن، أدخلت المستشفى لمدة خمسة أشهر، وكانت تعاني نزيفاً مستمراً:"جاءتني الطبيبة، وقالت لي عند توقف النزيف، سنقوم بعملية ربط، وأخبرتها مستغربة أن"النزيف توقف خلال اليومين الماضيين، ثم عاودني وقالوا لي انتظري حتى يتوقف ثانية، ولكن فقدت جنيني". وعززت إحدى المتزوجات حديثاً مأساة الحوامل فقالت:"دخلت المستشفى بعد أن أخذت فحوصاتي من مستشفى خاص، وكانت صور الأشعة تشير بوضوح إلى وجود جنين عمره ثلاثة أشهر، إلا أن طبيبة في المستشفى قالت:"لا يوجد جنين، وسبب انتفاخ البطن يعود إلى وجود تكيس". مضيفة"كان هم الطبيبة إجراء العملية التي ستحسب في سيرتها العملية". وذكرت سيدة أخرى أنها"فقدت جنينها بعد يومين فقط من دخولها المستشفى". وقالت:"تركت أنزف ولم أتلق العلاج حتى تخلص جسدي من الجنين". وذُكر أن سبب عدم إعطاء المريضة دواءً لإيقاف النزيف يعود لنقص الأدوية الحاد في صيدلية المستشفى، ولم تؤكد ذلك صراحة طبيبة تعمل هناك الا انها قالت:"الطبيبات ليس في ايديهن شيء حيال عدم توافر الدواء، ويعتقد بعض المرضى أن التقصير يصدر من الطبيب المعالج، وفي الحقيقة ان نقص الدواء هو السبب، ولا يتحمل الطبيب المسؤولية"، مستدركة"هناك تقصير من بعض الموظفين في المستشفى، لكن لا يعني ذلك أن الجميع مستهتر بصحة الناس". وطالبت السيدات الحوامل وزارة الصحة ب"ضرورة فتح تحقيق شامل يتناول الإهمال الطبي، وعدم الاكتراث بهن، ما سبب لبعضهن فقد الجنين". من جانب آخر علق مصدر في المستشفى على ما نقلته له"الحياة":"لو تقدمت أي مريضة بشكوى رسمية، لما ترددنا في فتح تحقيق حول ما تقول، ولحاسبنا المتسبب إن ثبتت عليه المخالفات التي لا تعبر عن توجه إدارة المستشفى، وإنما هي أخطاء قد يقوم بها موظفون في المستشفى". كما أنه أقر بنقص بعض الأدوية مؤكداً أن"هذا النقص لا يعود لإدارة المستشفى، وإنما للجهات الطبية التي تورد الدواء إلى المستشفيات الحكومية". مدير مستشفى الملك فهد : نتائج التحقيق لن تتأخر قال مدير مستشفى الملك فهد في الهفوف الدكتور عبد المحسن الملحم:"فور الإعلان عن وفاة المريض المرزوق، شُكلت لجنة في المديرية العامة للشؤون الصحية، للتحقيق في الوفاة، والوصول إلى أسبابها". وأكد"نتعامل مع أي شكوى مهما كان حجمها، ومتابعتها ومساءلة المقصرين إن وجد تقصير، والأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن تلك التساؤلات، التي أثيرت حول هذه القضية". وأضاف"نحن مهتمون بالموضوع في شكل كبير، واجتمعنا بأسرة المتوفى، وأكدنا لهم أن التحقيق سيأخذ مجراه، وسنسرعه حتى لا تطول المدة". وتجاوزت مدة الاجتماع الساعة ونصف الساعة، وأثيرت خلاله تساؤلات كثيرة من جانب الأسرة، لم تلق الإجابة المقنعة حسب قول أحد أخوة المرزوق، الذي أضاف"أكد لنا مدير المستشفى أنه سيجري التحقيق في وجود اثنين من العائلة، كممثلين لنا، ونحن نتحرى موعد انعقاده". وأكدت تقارير طبية حصلت عليها أسرة المرزوق أن"نبضات القلب عادت إلى المريض بعد 70 دقيقة من توقفها بعد الإنعاش المتواصل من طريق التنفس الاصطناعي والصدمات الكهربائية بقوة 240"فولت"، أدخل على اثرها غرفة العناية المركزة، حيث عاش في غيبوبة فارق بعدها الحياة". من جهة أخرى، دعت أوساط متابعة إلى"إعادة النظر في إجراءات السلامة الطبية، وإلى مزيد من التدريب للأطباء، للتقليل من أخطائهم، حتى يصلوا إلى حدود أخطاء الطيارين التي يُشهد لها بالقلة". وتشير تقارير صادرة من هيئات صحية عالمية إلى أن"مئات الآلاف من المرضى يتوفون بسبب الأخطاء الطبية، ما استدعى من الخبراء إجراء دراسات، لمعرفة أسبابها وسبل تجنبها". وتعتبر الأخطاء في غرفة العمليات المسؤولة عن حالة وفاة واحدة من بين كل ثماني حالات تقع في المستشفيات، وفقاً لما أوردته إحدى الدراسات. ووجدت دراسة مسحية، أجريت على الجراحين اليدويين أن 20 في المئة منهم أجروا عمليات في الموقع الخطأ على الأقل مرة واحدة. ويترك الأطباء قطع شاش وأدوات جراحية داخل الجسم في واحدة من بين كل عشرة آلاف عملية جراحية، وهذا يكفي لتقدير وقوع حادثة كهذه على الأقل في كل مستشفى من المستشفيات الكبيرة في العالم بحسب التقرير. وتفرض مستشفيات حالياً قيوداً جديدة على الأطباء، من أجل سلامة المرضى، تتضمن قيام الطبيب الجراح بالتوقيع بأحرف اسمه الأولى على أجزاء الجسم التي سيقوم بإجراء العملية عليها، بعد أن يأخذ موافقة المريض على ذلك. "علاقات" مستشفى القطيف: كلامهن مبالغ فيه أكد رئيس قسم العلاقات العامة في مستشفى"القطيف المركزي"عبد الرؤوف الجشي أن"إدارة المستشفى تحاسب أي مقصر في أي اتجاه". وقال ل"الحياة":"ما تتحدث عنه الحوامل ربما يعود إلى تقصير في التمريض". وأضاف منتقداً"على رغم أن المستشفى لا يعمل بكامل طاقته في العيد، إلا أن الخطأ، إن وقع في هذه الفترة، فلا يعتبر مبرراً، ويجب أن يُحاسب المخطئ لو ثبت عليه ذلك". وعن الشكاوى التي تصل إلى إدارة المستشفى من جانب المرضى قال:"تردنا الكثير من الشكاوى، ونقوم بدراستها والتحقق منها، ونعاقب المخطئ من الموظفين"، مضيفاً"إدارة المستشفى تقوم بعمل استبيان، يشارك فيه المرضى المنومون، لكي تستطيع الوصول إلى الحقائق التي يدعيها البعض، كما أنها تناقش في اجتماعها وعلى مستوى الأقسام مختلف التفاصيل التي تنعكس سلباً أو إيجاباً على المرضى، مثل مستوى النظافة والتعقيم والعمل التمريضي والطبي، إلى آخر ما يهم المريض". وقال عن تأخر نتيجة الهرمونات الخاصة بفحص الأجنة:"لا نرسل العينات إلا إذا كان هناك شيء خاص"، مضيفاً"أن القول"ندخل بجنين ونخرج من دونه"قول لا يخضع لمنطق علمي، وإن أردنا التوصل إلى نتائج ترضي الجميع في هذا الصدد، فإن علينا سلك مسلك العلم، لا أن ننتقد لمجرد الانتقاد، فموضوع أن امرأة ما أسقط جنينها لأن تحاليلها لم تصل، أو لأنها لم تأخذ دواءً لتثبيت الجنين، فهذا أمر غير منطقي، لأن الدواء لا ينقذ الجنين بعد ساعتين من النزف، وصلت بعدهما المريضة إلى المستشفى، وما تتحدث عنه المرأة موضوع ليس إسعافياً".