عندما ينتهي موسم الحج يتبادل منسوبو الأجهزة الأمنية التهاني. ليس بحلول عيد الأضحى المبارك فقط، ولكن بنجاح خطة الحج ومرور موسم الحج بسلام. ويبدو لي أن درجة قياس نجاح موسم الحج هو عدم حدوث وفيات بين الحجاج بسبب التدافع على جسر الجمرات. يظهر خلال متابعة حج هذا العام 1426ه على جسر الجمرات، تكرار الأزمة الموسمية ولا أستبعد تكرار الأسباب نفسها التي تتفاوت في تأثيرها لحدوث الأزمة. وسأحاول في مقالي هذا أن أتلمس الأسباب في حدوث مشكلة التدافع والحلول المناسبة على النحو الآتي، أولاً: ظاهرة انتشار الدراجات النارية الدبابات، إذ كانت سبباً في إرباك مسار الحجاج وزيادة التشويش لحجاج المشاة. ومن الأفضل الاستغناء عنها والبحث عن وسيلة نقل بديلة. ثانياً: شارك في تنظيم وإدارة أزمة التدافع في الميدان 1200 فرد من جميع منسوبي الأجهزة الأمينة، إضافة إلى منسوبي وزارة الصحة. إن طلاب التدريب الذي سيتخرجون من الكليات والمعاهد العسكرية يمثلون معظم القوى الأمنية التي تنظم عملية انسياب الحركة على جسر الجمرات. وهذا من وجهة نظري يحتاج إلى إعادة نظر، لأن طلاب التدريب العسكري ليست لديهم الخبرة الكافية لإدارة التدافع البشري في رقعة ضيقة من الأرض، وهو ما يحتاج إلى خبرة، إضافة إلى التدريب الميداني من خلال دورات متخصصة في إدارة وتنظيم الحشود، وهذا مشروع برنامج تدريبي أرشح جامعة نايف للعلوم الأمنية لتنفيذه ابتداء من العام التدريبي المقبل. ثالثاً: ثقافة التدافع في الحج: بذلت وزارة الثقافة والإعلام السعودي جهوداً جيدة من أجل تغيير سلوك الحجاج أثناء أداء مناسك الحج والقضاء على ظاهرة التدافع، غير أن من الواضح أن الجهود المبذولة تحتاج إلى التقويم والتفكير في وسائل أخرى أكثر فعالية. رابعاً: عدم السماح للمركبات السيارات الأمنية بالدخول إلى الجمرات والتفكير في استبدال وسائل نقل أخرى، للسيطرة أمنياً على منطقة الجمرات، وتظهر القطارات المعلقة فكرةً جديرة بالدراسة من وزارة المواصلات. خامساً: في كل موسم حج يتضح أن الدور الأرضي للجمرات هو الأكثر تزاحماً، نظراً إلى تعدد الاتجاهات التي توصل الحاج إلى الجمرات، ومن الأفضل الاكتفاء بأدوار علوية متعددة للجمرات. تبدو هذه من أهم الأسباب والحلول المقترحة لتفادي حوادث جسر الجمرات المتكررة سنوياً، والتي لا نجد لها أحياناً أسباب منطقية لإقناع الآخر، ونحن نرتكب الأخطاء المؤدية ذاتها للنتيجة المؤسفة نفسها.وهو ما يضيع في الحقيقة جزءاً من الجهود المميزة للحكومة السعودية في إدارة الحج. وكما هو معتاد من قناة الجزيرة التي ترتفع أسهمها الإعلامية عندما تأتي بخبر عن المملكة، إذ دأبت القناة على تكرار جملة نلفت نظر المشاهدين إلى أن السعودية تمنع قناة الجزيرة من تغطية موسم الحج، لتوصل إلى المشاهد رسالة مغلوطة بأنها القناة القريبة من الحقيقة، وهي في الواقع البعيدة عن الحقيقة. وخصوصاً عندما أرجعت سبب التدافع على جسر الجمرات إلى مرور موكب مسؤول. وهذا بالطبع من أهم الأسباب التي جعلت السعودية تمنع"الجزيرة"من تغطية موسم الحج، وهي الصدقية، أو كما يسميها الإعلاميون الاحترافية المهنية، وكما ذكرتُ أن هناك أسباباً أدت إلى حدوث الوفيات وتكرار الأزمة سنوياً، ولا أظنه عيباً أن نعترف بالمشكلة ونوجد الحلول المناسبة، ونحن على يقين بأن القائمين على إدارة الحج سيصلون إلى موسم حج ناجح بمقاييس التدافع على جسر الجمرات. * باحث سعودي في الجيوبوليتك [email protected]