الدكتور محمد الجار الله من ثانوية ليلية شق طريقه إلى كلية الهندسة، ومن أروقة الجامعة التي تبوأ فيها أعلى الدرجات العلمية والعملية عرف طريقه إلى مجلس الشورى بعد تجربة ناجحة في القطاع الخاص. ضيفنا بدأ حياته معلماً بسيطاً وختمها بمنصب وزير. يقول وزير الشؤون البلدية والقروية سابقاً الدكتور محمد الجارلله: إن الظروف السياسية في السعودية كانت غير مهيأة للإعلان عن نظام الانتخابات البلدية الذي انتهت الجهات المختصة من إعداده في 1397ه، مبيناً أن هناك نواقص تعتري هذا النظام، منها عدم مشاركة النساء في الانتخابات واللائي يمثلن 51 في المئة من المجتمع، وكذلك عدم تلافي بعض السلبيات في التدخل القائم بين صلاحيات ومسؤوليات المجالس البلدية من جهة ومجالس المناطق والمجالس المحلية من جهة أخرى. وأوضح الجارلله الذي يعمل حالياً في الاستشارات الهندسية في حواره ل"الحياة"، أن أهم السلبيات التي أعاقت تنفيذ بعض الخطط خلال عمله في الوزارة، كانت في مجملها تعود إلى الظروف المالية التي كانت سائدة خصوصاً في الفترة الأولى وما يسببه الروتين أحياناً من تأخير. كيف كانت بداياتك في المنصب ومن أين... وما أول الوظائف التي تقلدتها؟ هل تدرجت في الوظائف أم كانت هناك نقلات كبرى رفعتك لتقلد الكثير من المناصب؟ - بدأت خدمتي في وزارة التربية والتعليم المعارف سابقاً بالتدريس ثم العمل الإداري، حيث كنت أحد خريجي معاهد المعلمين. وقدمت استقالتي من عملي في الوزارة المذكورة بعد حصولي على الثانوية العامة في مدرسة ليلية وذلك للعودة إلى مقاعد الدراسة طالباً في كلية الهندسة في جامعة الرياض الملك سعود حالياً وحصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية مع مرتبة الشرف 1972، وعينت معيداً في الكلية نفسها ثم ابتعثت للدراسات العليا في أميركا، حيث حصلت على درجة الماجستير في الهندسة المدنية تخصص هندسة التشييد بتفوق من جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا 1974، ثم درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية تخصص هندسة النقل والمواصلات من جامعة ميتشجان آن آربر 1978 وعدت بعئذ إلى أرض الوطن وعينت أستاذاً مساعداً في الجامعة 1978، ثم رقيت إلى درجة أستاذ مشارك عام 1984 ثم إلى درجة أستاذ 1990. أين تلقيت خبر تعيينك وزيراً ومن أبلغك؟ وهل توقعت عدم التجديد لك كوزير للشؤون البلدية والقروية ولماذا؟ - كنت في مدينة الرياض عندما صدر الأمر السامي الكريم بتعييني وزيراً للشؤون البلدية والقروية لأربع سنوات وقد تم التجديد لي أربع سنوات أخرى، ما جعل مدة خدمتي في الوزارة المذكورة تمتد لتبلغ ثماني سنوات وهي أطول مدة عمل فيها وزير للوزارة المذكورة منذ تأسيسها وحتى الآن. وهنا أحب أن أسجل شكري للقيادة العليا وامتناني العميق لإعطائي فرصة في هذا الحجم لخدمة وطني من خلال هذه الوزارة المهمة التي أعتبرها وساماً رفيعاً سأحمله على صدري ما عشت. أنا والوزارة هل أنت راض عما قدمته في الوزارة أثناء توليك منصبك وزيراً لشؤون البلديات، وما القرار الذي اتخذته وندمت عليه؟ - أنا بشر أصيب وأخطئ مثل غيري من عباد الله، وأؤمن بأن الكمال لله وحده، وأن من لا يخطئ أو لا يقصر أبداً معناه أنه لا يعمل البتة. وأعتقد جازماً أن الهدف يجب أن يكون تقليل نسبة الخطأ أو التقصير إلى أدنى حد ممكن. إذا أخذنا هذا بعين الاعتبار فأنني راض عما قدمته كوزير للشؤون البلدية والقروية بنسبة تقارب 90 في المئة في حدود ما أتيح لي من إمكانات. قرار نادم عليه أما عن القرار الذي اتخذته وندمت عليه فالأمر يحتاج إلى بعض من التوضيح، حيث يتبع وزارة الشؤون البلدية والقروية 185 فرعاً من الأمانات والبلديات والمجمعات القروية ومصالح المياه في ذلك الحين، وقررت منذ البداية أن أزور جميع هذه الفروع وأطلع بنفسي على أوضاعها لأن"من رأى ليس كمن سمع"، وقد قمت خلال الثماني سنوات التي تشرفت فيها بتقلد منصب وزير البلديات بزيارة 162 من هذه الفروع، وقد اضطرتني ظروف العمل في السنة الأخيرة إلى البقاء في الرياض أو جدة الأمر الذي لم أستطع معه زيارة ما تبقى من فروع الوزارة وإنني أشعر بالندم لذلك. جدل كبير كان بين وزارتك أثناء توليك المنصب ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف حول الأراضي البيضاء ومقدار الزكاة المقدر عليها، لماذا لم يحسم هذا الجدل؟ - لم يكن هناك جدل بالمعنى الصحيح بين وزارة الشؤون البلدية والقروية أثناء عملي فيها وبين وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، حول زكاة الأراضي البيضاء، وربما كان ذلك بين الأخيرة وبين وزارة المالية وهي المسؤولة عن مصلحة الزكاة والدخل. ما القرار الذي كان يجب أن يتخذ في أراضي المنح الخاصة بالمواطنين وهل تعتقد أن الأماكن التي حددت لهم مناسبة ومساوية للجميع في مختلف مناطق المملكة؟ - الهدف من منح الأراضي للمواطنين هدف نبيل، ولكنه يحتاج إلى بعض الضوابط في كل من عملية المنح وعملية تطبيق المنح لتحقيق مزيد من العدالة بين المواطنين. الفرق بين الوزارتين الضم الأخير الذي حدث لوزارة الشؤون البلدية والقروية مع وزارة الإسكان والأشغال العامة. هل كان إيجابياً؟ ولو كان أثناء توليك المنصب هل وافقت عليه؟ - بحسب علمي فإن ما حدث ليس ضماً لوزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الإسكان، بل إلغاء للأخيرة. ومثل هذه القرارات لا تؤخذ عشوائياً أو تبنى على رأي شخص أو شخصين، بل إن الأمر يخضع لدرس مفصل للإيجابيات والسلبيات تشترك فيه أكثر من لجنة ومن ثم يعرض على اللجنة العليا للإصلاح الإداري ثم المجلس الاقتصادي الأعلى ثم مجلس الوزراء ثم يصادق على ذلك بمرسوم ملكي. ولم يمض على ذلك سوى سنتين تقريباً ولذا لا بد من الانتظار لتحديد ما إذا كان إيجابياً أم سلبياً؟ علاقاتك السابقة أثناء توليك منصب وزير الشؤون البلدية والقروية هل تستفيد منها حالياً في عملك الخاص في الاستشارات الهندسية؟ - لم يحدث أن استفدت من علاقاتي السابقة عندما تشرفت بالعمل كوزير للشؤون البلدية والقروية في عملي الخاص في الاستشارات الهندسية أو غيرها، ولن يحدث ذلك بإذن الله. الانتخابات البلدية انتهت الجهات المختصة في الدولة من نظام الانتخابات البلدية في السعودية منذ 1397ه، وبقي النظام حبيس الأدراج حتى أعلن مجلس الوزراء عنه بتفعيله والعمل به أخيراً. ترى ما سبب تأخيره على رغم أن فترة توليك وزارة البلديات كانت بين الانتهاء والإعلان عنه؟ - هذا قرار سياسي، وكانت الظروف بعد صدور نظام الانتخابات البلدية في السعودية في 1397ه غير مناسبة للإعلان عنه، حيث واجهت السعودية قضية جهيمان العتيبي في الحرم المكي الشريف، ثم جاء بعد ذلك صدور الأنظمة الأخيرة لمجلس الوزراء ونظام أمراء المناطق ومجلس الشورى، حيث آن الأوان لتفعيل النظام. كيف تنظر الى الانتخابات البلدية التي بدأت في السعودية؟ وهل أدت الأدوار المناطة بها؟ - تمثل الانتخابات البلدية خطوة إيجابية كبيرة نحو تحقيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات، وهناك بعض النواقص التي يعتري النظام، أتمنى أن تعدل في الدورة المقبلة من ضمنها النساء"لماذا لم ينتخبن وهم يشكلن نصف المجتمع بواقع 51 في المئة من سكانه، حيث لا أعتقد أنه من الشرع ولا العدل ولا المنطق أن تحرم النساء من الانتخابات. كما أنني من جهة أخرى، أتمنى تلافي بعض السلبيات، مثل التداخل القائم بين صلاحيات ومسؤوليات المجالس البلدية من جهة ومجالس المناطق والمجالس المحلية من جهة أخرى، وكذلك الانتخاب لنصف الأعضاء أو تعيينهم من جانب الوزارة نفسها، حيث لا يوجد مفهوم من الأساس لتعيينهم وأعتقد أنه في الدورات المقبلة للانتخابات بعد أربعة أعوام سيسمح للجميع بالانتخاب، بحسب تصريح لأحد المسؤولين في الوزارة أخيراً. نظام الاقتراع لونظرنا إلى نظام الاقتراع لدوائر المرشحين، على سبيل المثال أقطن في أحد أحياء شمال الرياض، وأمنح صوتي لأحد الأشخاص في أحياء جنوبالرياض وأنا لأعرفه، في اعتقادي أن أقرب المرشحين للمقترع نفسه لكي يمنحه صوته هو من يكون من سكان الدائرة نفسها، حيث ينتخب المرشح أو الفائز فيها الناس لأنه يخدمهم من ناحية، ولمعرفتهم له ولقربه منهم، وكذلك محاسبتهم له على كل تقصير، لأن منحهم الثقة والصوت له أو حجبهما سيكونان في الدورة الثانية من الانتخابات بعد أربعة أعوام. أما عما إذا كانت أدت الأدوار المناطة بها ام لا، فيجب أن تعطى فرصة لتعمل أولاً ومن ثم يقوّم وضعها تبعاً لذلك. السيرة الذاتية الاسم: د. محمد بن إبراهيم الجارالله تاريخ الميلاد: 1944 - المذنب في القصيم الحالة الاجتماعية: متزوج وأب اللغات: العربية، الإنجليزية، مع قليل من الفرنسية المؤهلات العلمية: بكالوريوس هندسة مدنية مع مرتبة الشرف من جامعة الرياض 1972. ماجستير هندسة مدنية تخصص هندسة تشييد بتفوق من جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا 1974. دكتوراه الفلسفة في الهندسة المدنية هندسة نقل ومواصلات بتفوق من جامعة ميتشجان"آن اربر"في أميركا 1978. الخبرات العملية: أستاذ مساعد في قسم الهندسة المدنية في جامعة الملك سعود 1997. مستشار غير متفرغ لرئيس الصندوق السعودي للتنمية. مستشار غير متفرغ لكل من: وزارة التخطيط والهيئة العربية للمواصفات والمقاييس. من سبتمبر 1979 إلى أغسطس 1980. المدير العام للمشاريع في الجامعة ومسؤولاً عن تنفيذ مشروع بناء المدينة الجامعية الملك سعود بكامل منشآتها من أغسطس 1980 حتى سبتمبر 1984. عضو في مجلس الجامعة والمجلس الأعلى للجامعة من نوفمبر 1981 حتى يناير 1992. رقي لمرتبة أستاذ مشارك وبعدئذ وكيلاً لجامعة الملك سعود لشؤون الفروع 1984. وكيلاً للجامعة ومسؤولاً عن تطوير الخطط الأكاديمية لكل من فرعي الجامعة في أبهاوالقصيم. إعير للشركة العقارية السعودية للعمل مديراً عاماً لها من يناير 1992 إلى يوليو 1995. عضو في مجلس إدارة شركة طيبة للاستثمار والتنمية العقارية من يناير 1992 وحتى أغسطس 1995. عضو في مجلس الشورى. وزير لوزارة الشؤون البلدية والقروية. سيستأنف نشاطه المهني والأكاديمي في إلقاء المحاضرات والتأليف العلمي وممارسة مهنته كمهندس. المؤلفات العلمية: إدارة التشييد"كتاب صدر في الرياض، يناير 1993- الناشر جامعة الملك سعود. "إدارة المشاريع"كتاب اشترك في تأليفه الدكتور جمال نواره، وقد صدر عن دار نشر جوان وايلي بالاشتراك مع جامعة الملك سعود - مارس 1984. "20 بحثاً علمياً"منشوراً في مجلات محكمة أو في مؤتمرات علمية دولية وتتعلق كلها بهندستي التشييد والنقل. 57 لائحة وأنظمة وأدلة لأجل توحيد الاجراءات البلدية من أبرز الإنجازات التي تحققت خلال عملي بالوزارة: الانتهاء من إعداد الاستراتيجية العمرانية الوطنية التي تمثل الإطار العام الطويل الأمد للسياسات الإنمائية العمرانية، وصدر بها مرسوم ملكي كريم. صدر نظام التسجيل العيني للعقار بمرسوم ملكي كريم، وهو كما هو معروف يوفر أساساً ثابتاً وطيداً تقوم عليه الملكية العقارية العامة والخاصة بشكل علمي دقيق، ما يعطي الثقة والاطمئنان لملاك العقارات وبالتالي يهيئ الاستغلال الأمثل لها بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني. صدرت لائحة التصرف بالعقارات البلدية التي تعتبر المرجع والأساس للتعامل مع الأراضي الحكومية وحسن استغلالها بما يخدم المصلحة العام. أيضاً أصدرت الوزارة خلال تلك الفترة 57 لائحة وأنظمة وأدلة تيسر للمواطنين أمورهم وتتجنب تعطيل مصالحهم، وذلك رغبة في توحيد الإجراءات البلدية وتنظيمها بشكل موحد ودقيق. وشاركت الوزارة في الكثير من المؤتمرات ونظمت عدداً كبيراً من الندوات العلمية وابتعثت عدداً كبيراً من منسوبيها لرفع كفاءة الأداء وتحسين القدرات والإنتاج. هذه لمحة قصيرة عن بعض ما تحقق، أما السلبيات فتعود في مجملها إلى الظروف المالية التي كانت سائدة خصوصاً في الفترة الأولى وما يسببه الروتين أحياناً من تأخير، وكذلك إلى كثرة وتعدد مسؤوليات القطاع البلدي، حيث تؤدي البلديات حوالى 36 خدمة للمواطنين. وبلغ عدد عقود مشاريع التنمية التي تم إبرامها خلال الفترة أكثر من 8000 عقد، بتكاليف إجمالية تزيد على 49 بليون ريال، وتشمل مشاريع لخدمات المياه والصرف الصحي والرصف والإنارة وغيرها من مشاريع البنية الأساسية في مختلف مناطق المملكة. أما من ناحية الجانب التخطيطي، فقد صدرت المخططات الهيكلية لما يزيد على 165 مدينة، واعتمد 6618 مخططاً سكنياً تحتوي على ما مجموعه 776000 قطعة سكنية بخلاف القطع المخصصة للخدمات والمرافق التي يبلغ عددها 7844 مرفقاً، وتغطية 205 مدن وقرى بالصور الجوية، إلى جانب تحديد أولويات التنمية في جميع مناطق المملكة.وتم تنفيذ ما مجموعه 537876 منحة أرض للمواطنين وتخصيص 4850 موقعاً لمختلف الأجهزة الحكومية، كما بلغت أطوال الطرق المنفذة 310 آلاف كلم طولي، وتم تنفيذ 480677 توصيلة منزلية للصرف الصحي و622029 توصيلة منزلية للمياه.