أقرأ في صحفنا مقالات وأطالع استطلاعات مصورة عن شوارع غارقة في المياه الآسنة والبلدية لا تملك الحلول، وهذه المياه غالباً ما تكون من جراء طفح المجاري وهي مشكلة قائمة في محافظة جدة منذ سنوات، والمحيطون بالطفح يخافون من الأمراض والأوبئة خصوصاً في ظل انتشار حمى الضنك وتكاثر البعوض، تلك الشكوى لا تقتصر على سكان محافظة جدة، ولكنها عامة على شاكلتها محافظات أخرى، ولا تخفى على أحد آثارها السلبية، فهي تتعدى المخاطر والأضرار المرضية إلى أضرار نفسية واقتصادية واجتماعية، فالدين لا يسمح بتسرب النجاسات وتلطيخ الثياب والسيارات بها، ولا يسمح بوقوع أي نوع من الأذى على المسلمين، وتحضرنا وتمدننا يمنع من مشاهدة أناس يعبرون قناطر خشبية توقياً لسقوط السيقان في الوحل، ولا يرضى بأن يشمر إنسان سواء أكان ذكراً أم أنثى ليرفع ثيابه ويشمر عن ساقيه خشية النجاسة، والرئة الكبيرة التي يتنفس من خلالها الناس هي المحافظات الواقعة على سواحل البحر، ويكفي تلك السواحل ما فيها من تنامي حشرات عدة، من بينها القوارض والبعوض والذباب، إضافة إلى ما يسببه البحر من ارتفاع منسوب المياه في جوف الأرض، حتى حسبوا أنها جوفية وقد تكون غير ذلك، وبعض سكان مدن السواحل يزيدون الوحل أوحالاً، بعدم تعاونهم بتخصيص جزء من موازناتهم لشفط تلك المياه القذرة قبل أن تطفح، ومجلس الشورى أقر بعدم تكليف أصحاب العمارات فوق طاقاتهم، ما ساعد على استمراء البعض أن يطلق صنبور المياه مفتوحاً وهو يتوضأ أو يحلق أو "يفرش" أسنانه أو وهو يستحم ويسحب السيفون أكثر من مرة، وغرف التفتيش صغيرة، ومجمعات الخزانات لو أنشئت لا تستوعب النضح اليومي، و"العقوم" أو"المتاريس" الترابية لا تلبث أن تتشرب الماء المتسرب فتصل إلى درجة التشبع ويفيض الماء، والمطر ينزل ويختلط بما انساب في الشوارع، والبلدية ترش، والأهالي يتدافعون لشراء مبيد الحشرات وتخصيص موازنات لشراء العطور والبخور والعود، وتسديد فواتير المستشفيات الخاصة، وتبقى المشكلة سنوات وسنوات وسيأتي جيل يتعجب كيف كنا نعيش ونستنشق تلك الروائح المقززة، وكيف كنا نصول ونجول ونروح ونغدو ونطالع تلك المناظر التي تدخل الكآبة والظلمة إلى النفوس، وكيف كنا ننام مع "الناموس"، وكيف نزور بعضنا ونتردد على المحالّ التجارية وننفق أحياناً بلا حساب لغير الضرورة في الفلوس، ونكتفي فقط بإسراج الفانوس، أقصد مثل طرحي هذا، فهو كضوء الفانوس في ظل انبهار العالم بأضواء الاحتفالات والمهرجانات والليالي المضيئة في الشرق والغرب، والإنفاق عليها بسخاء، في حين توجد أمور ينبغي أن تكون في بؤرة الاهتمام بما يعادل ويوازي اهتمامنا بسمعتنا كشعب متحضر ومتطور ومتقدم، فأنا أكتفي بإضاءة شمعة أو فانوس وأوجه نداءً لكل القادرين والموسرين الذين شاركوا في دفع ورفع الضرر عن المنكوبين والمحرومين والمحتاجين والمعوزين هنا وهناك، أن يسهموا كما أسهموا في كارثة "تسونامي" وأذكّرهم بأني أعتبر طفح المجاري في جدة بمثابة كارثة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وتحتاج إلى تدخل سريع، كما يتطلب الأمر تكليف أصحاب العمارات بشفط المياه بشكل دوري، حتى يتم تشغيل شبكات الصرف، أو اللجوء إلى المكلة "الناموسية" وزجاجة عطر، وسلامتكم عدنان أحمد كيفي [email protected]