غياب التاريخ السعودي الحديث عن الأعمال الدرامية السعودية، مسألة لافتة وتستدعي التساؤل حولها، لماذا تبتعد الدراما السعودية عن تاريخ المجتمع والتاريخ ليس فقط المتعلق بحقبة التأسيس، بل إنها تشمل حتى حروب الخليج الأخيرة، الأولى والثانية والثالثة وسواها من أحداث تاريخية مهمة ومفصلية في حياة المجتمع، هل لأن موضوعات التاريخ جافة، أو أنها تحتاج إلى نوعية خاصة من المشتغلين في حقل الدراما؟ من دون شك هناك محاولات وظفت بعض جوانب هذا التاريخ، لكنها لم تنجح فنياً؟ "الحياة"تطرح هذه القضية مع عدد من الاختصاصيين. ينشغل المشاهد السعودي بمتابعة التاريخ المصري والسوري، من خلال الدراما المصرية والسورية، وصار يعرف تفاصيل ومحطات كثيرة في التاريخين العربيين، بينما يجهل كثيراً من الأحداث والتفاصيل المهمة في تاريخه، عدا ما قرأه في الكتب المدرسية وفي طريقة جافة، أليس من حق هذا المشاهد أن يعرف شيئا عن تاريخه الحديث، في شكل فني ممتع؟ وهل مقاربة التاريخ درامياً في حاجة إلى حس تاريخي، لا بد من توافره لدى المخرج أو كاتب النص وحتى الممثلين؟ بداية يقول الممثل والمخرج عمر الجاسر"من أجل تنفيذ هذه الدراما التاريخية المميزة، ينبغي أن يقوم التلفزيون السعودي بإنتاجها، بتكليف نخبه من الكتاب والمخرجين والممثلين وتشجيعهم على القيام بها، وتسهيل كل ما يلزم لتنفيذها، وتذليل العقبات أمامها بتهيئة رأس المال الضخم، لقيام مدينه إعلاميه على مساحة كبيرة، وبناء المباني القديمة وتجهيزها بكل ما يلزم تاريخياً، من أثاث قديم وإكسسوارات وملابس للنساء والرجال والأطفال". وحول إخفاق الأعمال الدرامية السعودية التي وظفت بعض جوانب التاريخ، يرجع الجاسر السبب إلى شركات الإنتاج"التي كان أكبر همها الربح الوفير، من دون النظر إلى أهميتها وتأثيرها على المشاهد السعودي، واستغفاله وتشويه تاريخه، إضافة إلى ذلك إهمالهم الأمانة التاريخية، لعدم استعانتهم بشخصيات لتوثيق الأحداث التاريخية، وذلك من باب توفير النفقات، فالمؤلف إن لم يكن ملمّاً بالتاريخ وقارئاً جيداً له ويستشعر أحداثه لا يستطيع أن يؤدي الأمانة كما يجب... والممثلون كذلك يجب أن يرجعوا إلى كتب التاريخ، حتى يتشبعوا بالدور ويتقمصوا الشخصية، ويعيشوا الحقبة التاريخية بكل صورها.ويأتي بعد ذلك دور المخرج، بكل ما يملك من إحساس تاريخيّ ليستطيع القيام بدوره على أكمل وجه". ولفت إلى أنه قام بتمثيل مسلسل تاريخي سعودي بعنوان"العود"يبرز تاريخ السعودية من عهد الملك عبد العزيز إلى الآن،"بصور مشرفة ورائعة ولكنه لم ير النور حتى الآن". أعمال تفتقر إلى شرط الدراما فيما يرى الممثل والمخرج نايف خلف، أن الدراما التاريخية"تحتاج إلى نوعية خاصة من المشتغلين في هذا الحقل، سواء المؤلف أو الممثل أو المخرج لاعتبارات عدة. ومنها أن السعودية مترامية الأطراف، ومليئةُ بالموروث القديم والمتنوع في كل المناطق، على اختلاف أنواعها وتباين لهجاتها وعاداتها وتقاليدها، في المأكل والمشرب والملبس". ويقول"إذا ما نظرنا إلى الملاحم السعودية، التي نجم عنها بعض المسلسلات الدرامية، بدءاً من صياغة هذه الملحمة كتجربة على مستوى النص، وجدنا أن هذه الأعمال تفتقر إلى الكتابة الصحيحة، من ناحية العمل الدرامي، وبعيداً من التوثيق التاريخي ليؤرخ الأحداث بماهيتها، بل كان العمل الدرامي ينتقي من التاريخ أحداثاً معينه ويصوغها لغاية أخرى، لذلك لم ترتق إلى شروط العمل الدرامي، ولتقترب من العمل الصحيح. إضافة إلى أن معالجة الدراما التاريخية، تتطلب الحس التاريخي العالي، سواء من المؤلف أو المخرج أو الممثلين، حتى الطاقم الإنتاجي يجب أن يعيش المراحل التاريخية كاملة، لتوافر المادة اللازمة للعمل الفني على أكمل وجه"? الممثل جميل علي يطرح أن الدراما التاريخية"من أجل أن تحاكي مرحلة معينة، يلزمها عناصر متوافرة، مبنية على قاعدة استراتيجيه قويه لتوصيل التاريخ كما ينبغي... لذلك عندما أقدم الدراما التاريخية لجيل"النت"و"الدش"الذي لا يعرف عن تاريخه شيئاً، عدا الذي قرأه في المدرسة، لا بد أن أعمل بكل ما بوسعي، لجذبه بطريقة إبداعية خلاقة، وشد انتباهه إلى التاريخ السعودي في شكل فني ثري". ويقول إن الفجوة بين المشاهد السعودي وتاريخه،"أصبحت كبيرة لكثرة تعلقه بالدراما العربية، على مختلف أشكالها وألوانها، وهناك أسباب عدة منها، أن الدراما السعودية حصرت نفسها في أماكن ضيقة، وغير متجانسة مع العالم المحيط بها" خلو الساحة من الكاتب الجيد ويقول الممثل عبد الله اليامي، إنه"مهما كان التاريخ جافاً، فإن الكاتب الجيد يستطيع أن يحوله بأسلوبه الشيق درامياً إلى لوحات فنية تبهر المشاهد... ولكي نقدم دراما تاريخية جيدة، لا بد من توافر عوامل لنجاحها، منها كاتب سعودي جيد ومطلع على التاريخ السعودي، بكل مراحله و ويعي كل عناصره، مع انتقاء الكوادر التمثيلية الجيدة، بعيداً من المجاملة بحسب ذوي القربى أو الصداقة، ووجود المنتج السعودي الجريء والكريم ليمول هذا العمل بسخاء، ويؤدي الأمانة التاريخية في شكل جيد، من دون أن يتعرض للمساءلة، فالأعمال التاريخية من أصعب الأعمال الفنية" ويتساءل الممثل وائل محمد حمزة،"بأي صورة نستطيع تقديم الدراما التاريخية السعودية؟ مع العلم أن المسلسل التاريخي يترك بصمات رائعة عند المتلقي السعودي، ويقدم له مادة تاريخية دسمه عن تاريخ السعودية، ولكن لا بد من وجود كاتب السيناريو الجيد، الذي يملك المعرفة التاريخية الجيدة، والثقافية الكبيرة، وأهم من ذلك الحس التاريخي العالي. ويأتي دور المخرج لانتقاء الممثلين للأدوار المناسبة، بصرف النظر عن المحسوبيات، ليستطيع في الختام بلورة العمل وصقله، باللمسة التاريخية الممتازة".