إلى وقت قريب كانت تصريحات المسؤولين، خصوصاً في المرور وأمانات المدن الكبيرة، تطلق على ازدحام الشوارع في فترتي الصباح والظهر اسم"أوقات الذروة". وجاءت هذه التسمية بعد فشل تلك الإدارات في إيجاد حلول ناجعة. وطبعاً ظلت هذه الكلمة، كما هي العادة، تتردد على ألسنة الجميع. تحول ذلك المصطلح المصطنع طوال سنوات إلى مخدر فعال، نتيجة ركون الجميع إليه، ما جعل الجميع يتقبلونه بمن فيهم من أطلقه، وكأنه من المسلمات، ولذا فما على السائقين سوى التحلي بالصبر والحلم في الشوارع. والمضحك أن هذا المصطلح جعل أفراد المرور يغضون النظر حتى عن المشكلات الطارئة التي تزيد من حدة الاختناقات، فالمهم أن تلك المشكلة ليست حادثاً مرورياً. شيئاً فشيئاً لاحظ البعض تمدد أوقات الازدحامات المروية إلى ما بعد"أوقات الذروة"، وأشك في أن المسؤولين في المرور أو الأمانات لم ينتبهوا إلى ذلك، ولكنهم كانوا لا يزالون يرددون أنشودتهم الشاذة"أوقات الذروة"، وكلما فعلوا ذلك عادوا إلى حالة التخدير أو النوم، سمها ما شئت، التي أعفتهم من تأدية واجباتهم حيال هذه المعضلة. أما الآن فحدث ولا حرج، لا وقت للذروة، ولا حتى مكان، فحال الشوارع في الليل لا تختلف عنها في الصباح أو بعد الظهر، وشارعا العليا العام و"التحلية"حاكيا طريقي الملك فهد وخريص في تعطيل الموظفين والطلاب، السيارات في ازدياد، ومعارضها تغص بالزبائن، والبنوك تكفلت بالموظفين الذين لا يملكون المال نقداً، ومن ليس موظفاً فابحث عنه في شركات التقسيط، وأبناؤنا يرون أن من العيب بلوغهم العشرين من دون سيارة، وهم يمثلون النسبة العظمى من سكان البلاد، الذين هم في ازدياد مستمر، باختصار كل شيء ينمو ويتحرك ما عدا الشوارع، ومسؤولي المرور النائمين في مكاتبهم. السنوات بالنسبة إليهم مرت بسرعة لهذا السبب لا غير، وإن كان هناك من تحرك طارئ، فهو من أمانات المدن، ولكن هيهات، فالعلاج لم يبدأ إلا بعد أن استفحل الوضع، وصار محتاجاً إلى أضعاف ما يتم عمله الآن. وفي ظل هذا الوضع، تحولت الشوارع إلى كومة من السيارات الواقفة، وبات الجميع، سائقين وركاباً، يؤجلون أعمالهم المهمة نظراً إلى ما يلاقونه من زحام يصعب عليهم التعامل معه، ومن دون مبالغة لجأ بعض السائقين إلى الاستعانة بسيارات الأجرة"الليموزين"، حتى يريح نفسه من عناء القيادة في شوارع تشعرك أن هناك حادثاً مرورياً في كل لحظة. والمؤسف، أن هناك من يأتي ليزيد من اختناق الشوارع، على رغم الاعتراف المتأخر من الجهات ذات العلاقة بحجم المشكلة، فالأسواق التجارية التي تكاد تنافس"البقالات"في كثرتها، ليس من برامجها الحفاظ على انسيابية الشوارع، فتختار أماكن مزدحمة أصلاً، وتتجاهل إيجاد مواقف سيارات واسعة تكفي المتسوقين المتوقعين، خصوصاً قبيل المناسبات والأعياد، ولذا هي تهدم ما يحاول الآخرون بناءه. أما الإشارات المرورية، فلا أعلم حتى كتابة هذا الموضوع ما الأسس التي تحدد مدة إضاءتها باللون الأخضر والأحمر، وهل أخذ في الحسبان تباين حركة السير من شارع إلى آخر؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه توقيتاً مبدئياً يتحول إلى حقيقة لا تتغير، حتى في المناسبات، وأذكر هنا أنني ومنذ نحو أسبوع كنت متوقفاً عند إشارة تقاطع طريق الملك عبدالعزيز ومع طريق الأمير عبدالله أثناء زيارتي للرياض، وبحسبة دقيقة للوقت علمت أن الوقت موحد بين المسارات كافة على رغم أن طريق الأمير عبدالله كانت السيارات تمتد فيه أكثر من 500 متر. ترى ألم يكن من الأولى تغيير مدة الإشارة خلال تلك الفترة، خصوصاً أننا نسمع أن التحكم في الإشارات يتم في شكل آلي؟ ما أريد أن أقوله باختصار، إن الزحام في شوارعنا وصل إلى مدى يستحيل تحمله، ويصعب السكوت عليه، وأجزم أن هناك إحساساً بذلك من المسؤولين في الجهات المعنية، ولذا آمل منهم التفكير في الأسباب غير المحسوسة مثل أماكن الأسواق وقلة مواقف السيارات وتمركز الإدارات الحكومية قرب بعضها، وأظن البدء في ذلك سيأتي بحلول تعالج الوضع ولو موقتاً، وتتيح لتلك الجهات وضع خطط طويلة الأمد.