انتقلت العصابات الأجنبية التي سيطرت لفترة طويلة على حي البطحاء، إلى أحياء أخرى في العاصمة السعودية الرياض، بعد تضييق الخناق عليها بسلسلة من عمليات الدهم التي شنتها عليهم الجهات الأمنية أخيراً. وأشار عدد من سكان الحي، إلى أن"الأباطرة"الذين كانوا يديرون تلك الجرائم أدركوا عزم السلطات المعنية هذه المرة على اقتلاع جذورهم في شكل نهائي. ويتردد أن قيادات تلك العصابات انتقلت إلى أحياء عدة في الرياض لإبعاد الشبهات عنهم إلى أن تهدأ الأوضاع. ودفعت تلك العمليات الكثيرين ممن يحملون جنسيات آسيوية إلى الامتناع عن التردد على أسواق"البطحاء". إذ يقول البنغلاديشي معصوم وهو من سكان العليا:"لست بمجنون لأتوجه إلى البطحاء هذه الأيام. يجب الانتظار إلى أن تهدأ الأمور". وكان معصوم كثير التردد على الحي، وأحياناً يقوم بشراء بعض الأفلام الهندية والبنغالية المنسوخة، ويتشوق إلى الخلطة"التبغية"التي كان يبتاعها من هناك. إلا أنه استغرب عدم تغيير رجال الأمن لمواعيد عملياتهم، وقال:"أصبح الجميع يغادر منزله قبل العصر، ويعود إليه بعد منتصف الليل، إذ أصبحت فترة الدهم معروفة لدى الجميع وهي من العصر إلى التاسعة أو العاشرة مساء". وبدا سكان المنطقة المجاورة، سعداء بإنجازات رجال الأمن، وعاتبين في الوقت نفسه عليهم"لأنهم انتظروا طويلاً حتى استفحل الوضع". وكان مصدر أمني صرح ل"الحياة"بأن الجهات الأمنية لم تكن قط غافلة عما يدور في كواليس الحي، وكانت تدهم بين فترة وأخرى بعض الأزقة فيه محققة نتائج إيجابية، إلا أن الجديد هذه المرة، هو كثرة الشكاوى التي تقدم بها عدد من المواطنين والمقيمين، إثر تضررهم من بعض سكان الحي، والتعليمات السامية لتوسيع نطاق التقصي والمتابعة من أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز ونائبه الأمير سطام بن عبدالعزيز، جعلت رجال الأمن يستميتون لتنظيف الحي من جميع سلبياته، على رغم خطورة دخول بعض الأحياء وأوكارها التي تعد أقرب إلى المغارات منها إلى أماكن للسكن". وتم استبدال سعوديين ببعض العمال الآسيويين في قطاعات عدة، كسوق الخضار، إلا أن بعض أصحاب المحال في"سوق البنغالية"كما يطلق عليها، أكدوا عدم جدوى سعودة العمالة لديهم، وقالوا:"أكثر من 90 في المئة من سكان الحي، هم من الجنسية البنغالية، وتوظيف سعودي في محل كل زبائنه بنغاليون، ليس قراراً صائباً، وهذا يجعلنا نستعين بعامل بنغالي يقوم بجلب الزبائن، والسعودي للمراقبة فقط". وكان الدهم المتواصل لأحياء"البطحاء"كشفت أنواعاً عدة من المخالفات، خلافاً لتمرير المكالمات وسرقة الخطوط الهاتفية، إذ توصلت الحملة إلى عدد من تجار المخدرات والخمور، والأفلام الخليعة، إضافة إلى أوكار تم تجهيزها كمراقص وملاه ليلية، وأخرى للعب القمار، ومخادع لتزوير جوازات السفر ورخص الإقامات. وكشف كذلك أوكاراً للدعارة والشذوذ الجنسي، ومطاعم تعد وجبات غير صالحة للاستعمال البشري، وملاحم لبيع اللحوم والدواجن الفاسدة، وكثيراً من المخالفات المرورية والسيارات المسروقة. وبعض الأوكار التي تم دهمها وتنظيفها في اليوم الأول لانطلاق الحملة، عثر فيها بعد مرور نحو أربعة أيام، على تجاوزات أخرى واستيطان آخر من المقيمين في شكل غير نظامي، وغالبيتهم من الجنسية الآسيوية. ويعتقد بعض المتضررين من عملية التنظيف التي تشارك فيها كل من شرطة الديرة، وشرطة البطحاء، وشرطة الرياض، ودوريات الأمن، والأمن العام، والقوات الخاصة، وقوات المهمات والواجبات، وقوات الطوارئ، والبحث الجنائي، ومرور الرياض، والجوازات، وهيئة الأمر بالمعروف، والبلدية، أن هذه الحملة عرفت تجاوزات في ما يتعلق باقتحام المنازل، إذ لم تشمل المنازل ذات المظهر الخارجي الجيد، وكان التركيز على البيوت الشعبية، إضافة إلى عدم التفتيش الدقيق للمنزل إذا كان ساكنه يحمل إقامة نظامية. وتبقى هذه الحملة التي تعد الأولى من نوعها في الحي من حيث الجدية والصرامة، تحدياً كبيراً بين الخير والشر. لكن يبقى السؤال: هل ستستمر الجدية في تنظيف الحي من أوكار الجريمة بأنواعها المختلفة؟