لعب الوقف دوراً كبيراً في بناء الحضارة الإسلامية، من خلال الأوقاف التي يعود ريعها على مراكز العلم، والخدمة الاجتماعية للفقراء، ومختلف نشاطات المجتمع، ولذلك فإن المختصين يرون أن الأوقاف تحتل مكانة مهمة في الشريعة الإسلامية، كما حفلت كتب الفقهاء بأبواب مفردة لهذا الموضوع، وجاء تعريفهم له بأنه"تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة". لكن عدداً من المراقبين ينتقدون بعض آليات إدارة الوقف الحالية، إذ يرونها تتم في شكل تقليدي لا يراعي مستجدات العصر، وبحسبهم"لا يكاد الوقف يتجاوز بناء المساجد، والأضاحي، وغيرها من الأمور الفاضلة، بينما هناك أمور مستجدة، الحاجة إليها أكثر إلحاحاً، كبناء المستشفيات، ومراكز الخدمة الاجتماعية، ومراكز البحث العلمي، وغيرها من حاجات المجتمع الضرورية". ويذكر القاضي في المحكمة العامة في جدة رئيس أوقاف لجنة تحفيظ القرآن الكريم محمد العامر"أن عدم اهتمام وكالة الأوقاف بالوقف الاهتمام الكافي يبخس الأوقاف حقوقها، فقد تؤجر بعض الأوقاف بعشرة آلاف، وإيجارها قد يصل إلى مئة ألف، فيؤدي ذلك إلى حرمانها من فرصة زيادة دخلها". ويقترح رجل الأعمال حمد الغماس على وكالة الأوقاف في وزارة الشؤون الإسلامية، أن تبرز جهودها في مجال الوقف حتى تحوز ثقة الواقفين في إدارتها الأوقاف، من خلال ذكر مجالات وأرقام إنفاق ريع الأوقاف على أوجه البر المختلفة. ويشدد الغماس على ضرورة أن يتولى القطاع الخاص أعيان الأوقاف الموجودة، من خلال طرح مناقصة على الشركات العقارية الكبرى، لتستثمر الأوقاف بآجال طويلة، ويعود الريع على ما خصص له الواقف. ويطالب الأكاديمي في جامعة أم القرى الدكتور أحمد الغامدي بألا تكون إدارة الأوقاف مرتبطة بالجانب الرسمي، بل تكون تحت إشراف أهلي مباشر، وتكون للجانب الرسمي مهمة المراقبة العامة للمدخرات والمصروفات، موضحاً أن انعدام البيروقراطية في هذا الإجراء ينمي التفاعل بين الواقف وإدارة الأوقاف. وعن الإجراءات القضائية وهل تعوق تطوير بعض الأوقاف، يوضح القاضي في المحكمة العامة في جدة الشيخ حمد الرزين"أن الإجراءات القضائية مقصودها الاحتياط للأوقاف، وعدم إطلاق أيدي النظار فيها من دون قيد أو شرط، وإذا تعطلت منافع الوقف في شكل تام أو شبه تام، أو انعدمت الاستفادة منه، فإن المحكمة لا تمنع نقله إلى مكان آخر للاستفادة منه". وعن الرأي الفقهي الداعي إلى استبدال الوصية بالوقف، يوضح الشيخ الرزين،"أن الوقف والوصية كلاهما أمر مشروع جاءت به السنة، فالوقف قد يدخل في الوصية فتكون له أحكام الوصية، غير أن الوصية لا تدخل في الوقف، لأن الرجل لو أوقف بعض ماله في حياته، فيعتبر الوقف نافذاً بمجرد تلفظه بلفظ الوقف، أما الوصية فلا تنفذ إلا بعد الوفاة، ولا تكون نافذة إلا في حدود الثلث من التركة، وما زاد على الثلث لا ينفذ إلا بإذن الورثة، وللموصي أن يغير في وصيته بزيادة أو نقصان أو يرجع فيها ما دام على قيد الحياة، أما الوقف فإنه ينتقل من ملك الواقف ليصبح لله - تعالى- بمجرد التلفظ به، ومن هنا كان الوقف أقطع للنزاع بين الورثة من الوصية، والفقهاء على خلاف في هذه المسألة".