الصفحة: 26 - آداب وفنون أثار التوجه الذي تبنته لجنة المسرح في مهرجان الجنادرية، الذي ينص على أن تكون الأعمال المسرحية المشاركة في الدورة الحالية باللهجة المحلية، تساؤلات عدد من المشتغلين في المسرح، إذ عبروا عن اختلافهم معه من خلال القول بأن الرؤية هي التي تتحكم وليست اللغة، كما ألح بعضهم على أن هناك لغة مسرحية أخرى، خارج سياق ثنائية الفصحى والمحلية ... هنا أربعة من كتاب المسرح يدلون بآرائهم حول هذه القضية. لجنة مسرحية لا تعي ما المسرح الإشكالية تكمن في إدارة اللجنة المسرحية التي لا تعي ما المسرح. أطلق على دورة هذا العام من النشاط المسرحي،"مسرح النخبة" وقد أقرت اللهجة المحلية، فأي نخبة يقصدون؟!. سيدور المهرجان على ذاته ويحاور نفسه فقط! هل أصبحت اللغة العربية عصية على أبناء الجزيرة العربية؟. وهناك من يقول إن اللجنة لا تستطيع أن تقوم العروض السابقة، لكونها جاءت باللغة العربية وأخرى باللهجة المحلية، ويغيب عنهم أن الشرط الفني هو الأساس. وتكمن المشكلة في أشخاص بعينهم يسيطرون على النشاط المسرحي، و هدفهم المباشر القضاء على المسرح في مسرح الجنادرية، مع أن هذا المهرجان هو المهرجان الوحيد، ويراد له أن يكون مهرجاناً استهلاكياً داخل مهرجان اسمه مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة!. الأشخاص أنفسهم قاموا بإصدار توصيات نيابةً عن الفنانين، وعن أهل الحركة المسرحية وعن الجمهور وحصل ما حصل. وقد كاتبت رئيس اللجنة التنفيذية في المهرجان الدكتور عبد الرحمن السبيت حول هذه الإشكالية ولم أجد تجاوباً. لجنة المسرح لهذا العام اختارهم محمد المنصور الذي برر اختياره بأنهم يريدون الاطلاع على التجربة لهذا العام، ثم يكون القرار في ما بعد. القول أن ما ليس تقليدياً هو تجريبي في المسرح مشكلة في حد ذاتها، لأن لدينا مسرحاً ملحمياً وتسجيلياً وعبثياً ومسرح الدهشة والمسرح الفقير، والكثير من المدارس المسرحية، والخلط الحقيقي هو أن نرى أن ما ليس تقليدياً انه تجريبي. الأعمال المسرحية في السعودية تُنَفذ وفق مناهج معروفة، وادعاء التجريبي يبدو نوعاً من اللوثة التي أصابت المسرح. فليس كل من يعمل في المسرح يستطيع أن يقدم عملاً تجريبياً. فالتجريبي يحتاج إلى مؤهلات واسعة، منها معرفية وخبرات وتجارب، والقضية إذن لا تؤخذ اعتباطاً، ويجب أن نحدد بالضبط ما العمل التجريبي وما مواصفاته وأبعاده، وماذا يريد أن يقدم للتجربة. والذين يهاجمون التجريبي كمصطلح، لا يفقهون شيئاً في المسرح، لأن المسرح لديهم لا يخرج من كونه تجريبياً أو تقليدياً، فالمعضلة إذن قائمة لديهم في الفهم والمعرفة. فهد ردة الحارثي لغة مسرحية خارج سياق الفصحى والعامية تحكمها الرؤية هل لغة المسرح عامية أم فصحى؟. علينا أن نتفق أن هناك لغة مسرحية خارج اللغة الفصيحة واللهجة المحلية، تحكمها الرؤية. وما يأتي من لغة منطوقة في المسرح ما هو إلاّ عنصر مكمل للرؤية المسرحية في عموميتها، وجزء من سينوغرافيا المسرح، لذلك علينا أن نحسب اللغة المنطوقة بما تضيفه إلى الرؤية العامة في السينوغرافيا. إذن سيكون الجدل حول هذه اللغة المنطوقة المكسورة، بظلال من المؤثرات الصوتية والموسيقية هل تكون هذه الألفاظ بالعامي أو الفصيح؟ على ألاّ نستبعد بعض أنواع المسرح التي يكون الحوار فيها أساساً للعملية المسرحية، مثل المسرح الشكسبيري حيث تلعب اللغة الدور الأساسي في الرؤية المسرحية، إلاّ أن شكسبير نفسه كان يضع الإشارات للسينوغرافيا المسرحية في عموميتها. ما يعني أن الرؤية هي الأساس وليست اللغة. ومن هنا نستطيع القول إن اللغة الفصحى والعامية تلعب الدور نفسه، ولكن حسب مقام الرؤى الذي يفترض اللغة التي تخدمه، وما سمعته أنا من اشتراط اللهجة المحلية للعروض المسرحية كان خطأً فادحاً، يتعارض مع السياسة الإعلامية للسعودية، ويتعارض مع تشجيع اللغة العربية الفصيحة المبسطة في الأعمال الفنية، ويخدم مقولات الأمويين أو من يشجعون العامية ويعتبرون الفصحى غير قادرة على الوصول وهذا خطأ في التصور. وعلى افتراض حسن النية في هذا القرار المتسرع، لحرمان الكثير من الأعمال النخبوية من المشاركة في المهرجان، فإننا نعتقد أن الرجوع إلى الحق أفضل وأن تترك لغة المسرح والمسرحية لمعدها، كيف رآها في مسرحيته، فإن أرادها لغة عربية مقعرة أو أرادها لغة فصحى بسيطة أو أرادها شعراً أو نثراً أو عامية فله الخيار، لأنه أدرى بخدمة غرضه. ولا يجوز الحد من إبداعه باشتراطات تبدو كرقابة على العمل الفني. يجب أن ننظر إلى الأعمال المسرحية لا بصفتها نخبوية أو تربوية أو تهريجاً، إنما ننظر إليها من معيار القيمة الفنية. فليست المسارح النخبوية والتجريبية ولا العامية يفترض بها أن تبتعد عن الجمهور، لأن العرض في الأساس هو من أجل الجمهور. ومن تجربتي الشخصية فإن لدينا جمهوراً واعياً جداً يرفض الوصاية عليه في التلقي. وهناك اعتقاد لدى بعض منظمي المهرجان ? مع الآسف- بأن الجمهور لا يستجيب لا مع ما يفهمه هو هذا المنظم أو اللجنة، مع أن الجمهور لديه قابلية للاستجابة، لكل العروض المسرحية التي تحمل قيمة فنية. محمد العثيم لم تكن اللهجة المحلية عائقاً ولا سبباً في نجاح التجريب لا شك في أن هذا الشرط اجتهاد يجانبه الصواب، من القائمين على مسرح الجنادرية، وفي شكل خاص اللجنة التي شكلت لاختيار العروض في هذه الدورة الجديدة، خصوصاً وان المسرحيين في السعودية كان لهم الكثير من الآراء والمقترحات لتطوير المسابقة المسرحية في المهرجان، ولم تكن اللهجة الفصحى عائقاً بل كانت الفصحى تميز أكثر العروض الناجحة، التي قدمت في المهرجان وحازت على جوائز. ومن الجيد أنه تم استدراك هذا الأمر بسرعة لأنه لم يكن أبدا في مصلحة المسابقة، كما أنه ليس في مصلحة المسرح أو المسرحيين، ليس لأن العربية الفصحى جزء من هويتنا فقط، بل لأنها لغة جميلة وقوية درامياً، ولم تكن يوماً ما عائقاً أمام تقديم مسرح جيد، كما أن العامية لم تحقق النجاح لمئات العروض التي قدمت في الداخل أو في الوطن العربي. وإذا كان الهدف من ذلك تحقيق التواصل المفقود مع الجمهور المحلي، فعلينا البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك، ومن أهمها غياب ثقافة المسرح والاهتمام به في مجال التعليم. لم تكن اللهجة المحلية عائقاً ولا سبباً في نجاح التجريب، والبحث في الصيغ المسرحية الحديثة، المهم هو وجود الفكرة الجيدة والنص المكتوب ولغة درامية راقية... وقد أثبتت التجربة أن اختيار اللغة أو اللهجة الخاصة بالنص المسرحي تحديداً، مسألة فنية دقيقة وحساسة للغاية. عندما يبحث المؤلف عن لغة تحقق التواصل مع فكرته، وتعبر عنها في طريقة صحيحة وفعالة، وليس بهدف الانحياز مع ذائقة جماهيرية معينة، ربما لا يعنيها من المسرح سوى أن تذهب لتتسلى وتضحك فقط. وفي هذا السياق يجب في اعتقادي على المسرحيين والكُتّاب، أن يثقوا بجمهورهم وقدرته على فهم واستيعاب الأعمال الجادة والمميزة وهذا هو الأهم. عبدالعزيز السماعيل