لم يكن فوز مرشحي التيار الديني بمقاعد انتخابات المجلس البلدي لمدينة الرياض كافة مفاجئاً، لكونهم الأكثر تنظيماً وتواصلاً مع المجتمع، مستغلين بذلك الطبيعة الدينية للإنسان السعودي، إضافة إلى غياب التيار الليبرالي، وعزوف الناخب السعودي عن مرشحي"الولائم والموائد المفتوحة"، وفشل التحالفات القبلية بسبب تغليب الناخبين المصلحة الوطنية على مصلحة القبيلة. وكانت اللجنة العليا للانتخابات أعلنت أمس، فوز كل من عبد الله السويلم وسليمان الرشودي وطارق القصبي وعبد العزيز العمري وعمر باسودان وابراهيم القعيد ومسفر البواردي، وجميعهم ينتمون إلى التيار الديني المعتدل، بينهم خمسة من حملة درجة الدكتوراه، واثنان يحملان شهادة البكالوريوس. ويرى متابعون للانتخابات أن الفوز جاء نتيجة حتمية وطبيعية لما يتمتع به هذا التيار من تنظيم، إضافة إلى تفاعله مع قضايا المجتمع وقدرته على استخدام وسائل الاتصال كافة في سبيل تحقيق طروحاته وبرامجه الانتخابية. ويعتقد أن كثيراً من الناخبين الذين لم يستهوهم البعد القبلي صوتوا لمصلحة مرشحي التيار الديني، لكونهم"أُناساً خيرين"، بحسب تعبير أحد الناخبين. وحرص مرشحو التيار الديني على عدم إظهار تحالفهم حتى لا يثيروا حفيظة الآخرين من جهة، ولأن نظام الانتخابات يمنع قيام أي تحالفات، من جهة ثانية، إلا أنهم استبقوا الانتخابات بالترويج لأنفسهم من خلال رسائل هاتفية تحث على التصويت للأشخاص أنفسهم الذين فازوا،"لأن كبار العلماء في السعودية يزكونهم"، وهو ما نفاه المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وبعض العلماء، كما نفاه المرشحون أنفسهم. وعلى رغم أن إنفاق مرشحي التيار الديني على حملاتهم الانتخابية يعد ضعيفاً بالمقارنة مع المرشحين المستقلين، خصوصاً من رجال الأعمال، إلا أنهم تمكنوا من تسخير شبكة الانترنت لمصلحتهم، كما أنهم وضعوا برامج انتخابية قابلة للتنفيذ، بعيداً عن الوعود الفضفاضة والمشاريع التي لا يمكن السماح لها بالقيام في المستقبل المنظور، وهو ما رأى فيه الناخب السعودي ملامسة لواقعه الذي يحتاج إلى الكثير من الصدق والوضوح. ويرى عضو مجلس الشورى محمد الحلوة أن نتيجة الانتخابات متوقعة"لأن المجتمع السعودي هو مجتمع إسلامي وبالتالي ليس مستبعداً بروز قوى تمثل ذلك التوجه". وقال:"إضافة إلى السبب السابق هناك عوامل ساعدت على فوز التيار الديني، أولها: طبيعة نظام الانتخابات الذي يتيح للناخب ترشيح ستة أشخاص خارج دائرته، فضلاً عن ضعف موقف مرشحي القبائل، بسبب تفضيل المواطن الانتماء الوطني على الانتماء إلى القبيلة". وأشار الدكتور الحلوة إلى أن مرشحي التيار الديني هم أيضاً رموز في المجتمع، بصرف النظر عن الانتخابات، وبالطبع تمكنوا من استثمار حضورهم الاجتماعي لصالح حملاتهم الانتخابية. من جهته، قال الأستاذ في جامعة الملك سعود في الرياض الدكتور فالح شبيب العجمي:"اتضح أن التيار الديني كان حريصاً على إثبات قوته، ونجح أفراده في هذه الدورة، والسبب ليس في قناعة الناس بان أولئك الاشخاص اقدر على القيام بمهام هذا المجلس، من اجل ذلك انتخبوهم اقتناعاً بكفاءتهم، بل لأنهم الأعلى صوتاً والأكبر مساحة غير مدفوعة الثمن للإعلان عن أنفسهم"، وأضاف:"كما انهم استفادوا من تشرذم الآخرين الذين يبحثون عن المصالح الذاتية". وقال:"يبدو أن عدم مشاركة النساء، كانت فعالة في إكساب هذا التيار الأصوات الأعلى، ولهذا كانوا حريصين على استبعادهن منذ البداية". أما رئيس جمعية الاتصال السعودية الدكتور على شويل القرني، فيرى أن اللعبة الديموقراطية تتطلب القبول بالنتائج، مهما كانت. ورأى أن النتائج تشير إلى أن هؤلاء الفائزين سيمثلوننا نحن الناخبين. وأضاف:"ينبغي التأكيد هنا أن الفائزين، سيمثلون كل الناخبين، وليس فقط الأشخاص الذين رشحوهم، ولعبة الديموقراطية إذا كانت تتطلب مني كناخب أن أرضى بالنتائج، فيجب أن يرضى الفائز بالعمل من أجل مصالح الناخبين جميعاً من دون تمييز". الى ذلك يرى أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور إبراهيم البعيز، أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن متعلق بمدى تجسيد هذا الفوز لنبض الشارع واتجاهاته في مدينة الرياض، وقال :"أعتقد أنه من السابق لأوانه أن يكون هناك جواب مؤكد لمثل هذا السؤال، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن التجربة في خطوتها الأولى، ليس فقط بالنسبة إلى الناخبين بل وللمرشحين أيضاً، وليس من المستبعد أن تكون قرارات الناخبين في هذه التجربة الأولى مبنية على اعتبارات شخصية وتأثيرات المحيط الاجتماعي، أكثر من كونها قناعات بالتوجهات والبرامج الانتخابية". وأضاف البعيز:"نأمل أن تنضج التجربة الأولى بفوائد تنعكس إيجابياً على قرارات الناخبين في المستقبل"، مشيراً إلى انه لا يتفق مع كثير من الاستنتاجات التي توصل إليها بعض المتابعين للحملات الانتخابية، وقال:"أنا ما زلت مقتنعاً بأن تجربة الديموقراطية والمشاركة الشعبية تحتاج إلى وقت ليس بالقصير لكي تصل إلى مرحلة النضج، ورحلة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى، وهي قد تمت". ومن جهته أكد الأستاذ في جامعة الملك سعود الدكتور أحمد العويس، أهمية الدفاع عن هذه التجربة الديموقراطية والتمسك بها بغض النظر عن انتماءات الفائزين. لكنه أبدى تشككه في نجاح الفائزين في خدمة مدينة الرياض، من خلال ما أسماه"أطروحات خدمية أحادية الرؤية". وشدد في الوقت نفسه على أنه لا ينبغي استغراب فوز ممثلي"الاتجاه المسيس للدين"، فهم، كما يقول، يمتلكون آليات حشد المؤيدين أكثر من غيرهم.