قبل أيام انتهت انتخابات مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين في دورته الثانية. ينظر البعض لهذه الانتخابات بمنظار فردي، يركز فقط على معطيات الربح والخسارة. هؤلاء الأشخاص - على قلتهم - في الغالب لا يستطيعون رؤية ما هو أبعد من أيديهم التي يريدون لها أن تأخذ قبل أن تعطي، وأن تحصد قبل بذرالبذور! على أية حال، إذا سلمنا بوجود عوامل الربح والخسارة في هذه التجربة الانتخابية الرائدة فإنها بحق أعمّ وأشمل من تلك النظرة القاصرة، خصوصاً عندما نتحدث عن كيان مهني هندسي يتلمس ولادته الحقيقية بعد سنوات المخاض الطويلة. ما من شك في أن الهيئة سجلت أول نجاحاتها المهمة قبل انطلاق الحدث الأهم، ذلك النجاح "المبكر" تمثل في إقبال عدد غير قليل من المهندسين السعوديين على الالتفاف حول هيئتهم التي تحتاج إليهم. فشهدت الأسابيع القليلة الماضية انضمام الكثير من المهندسين السعوديين لعضوية الهيئة، وآخرين بادروا بتجديد عضوياتهم التي عفى عليها الزمن. وفي خضم هذا التسابق الإيجابي على عضوية الهيئة يزعم البعض بأنه يشتم رائحة التكتل والتمركز والمناورة، مستشهداً بتلك المبادرات التي انتهجتها بعض القطاعات والشركات الصناعية الكبرى، عندما قامت في الآونة الأخيرة بحشد وتسجيل مهندسيها في عضوية الهيئة، ربما - كما يُقال - تمهيداً لدعم المرشحين من هذه القطاعات لاحتلال كرسي أو أكثر من مقاعد المجلس المقبل. أياً كان السبب في ذلك وبعيداً من مثل هذه التكهنات يحق لنا أن نتحدث عن إيجابيات هذه الظاهرة التي صنعها "بريق الانتخابات"، فحققت هذه الانتخابات ما لم يتحقق في سنوات طويلة فائتة، عندما استطاعت أن تجتذب جحافل المهندسين وتخرجهم من دهاليز المكاتب وحقول العمل، وهذا هو المطلوب في هذه المرحلة التي يُنتظر فيها التفاف جميع المهندسين حول هيئتهم والتفاعل معها والبذل لها حتى تكون واحة وارفة الظلال، تحتضن المهندسين وتحميهم وتدفع مسيرتهم إلى الأمام. وما دمنا نتحدث عن ارتفاع أعداد المهندسين المنتسبين لعضوية الهيئة وهي ظاهرة صحية فلا بد لنا من أن نعرج على إيجابيات ومنافع الانتساب لعضوية الجمعيات والهيئات المهنية، فالهيئة تنمو وتتقوى بمنتسبيها الذي يحصدون ثمار ما زرعوا من البذل والعطاء. وجميع الجمعيات المهنية في دول العالم نمت وترعرت وأصبحت كيانات كبيرة بجهود ومبادرات المنتسبين إليها والمتحمسين لها، إذ أن غالبية تلك الجمعيات بدأت كتجمعات صغيرة تتكون من بضعة أشخاص كانت طموحاتهم أكبر بكثير من إمكاناتهم المحدودة، وبالعزيمة والإصرار وازدياد وتنامي أعداد المتحمسين شقت هذه الجمعيات طريقها، وأصبحت مؤسسات مهنية كبرى يشير إليها بالبنان. في هذه المناسبة المهنية الكبيرة يحق لنا كمهندسين سعوديين أن نستبشر خيراً بانتخابات مجلس الإدارة، وأن نسعد بإفرازات هذا الحدث الكبير والمتمثلة في ازدياد أعداد المهندسين المنتسبين لعضوية الهيئة. وبعيداً من مضامين الربح والخسارة يجب أن نعمل جميعاً يداً بيد على تحقيق النجاح الأكبر، وهو تطور الهيئة وممارستها لمسؤولياتها المهنية واضطلاعها بواجباتها التنظيمية، عندما يحدث ذلك على الوجه المطلوب فإنه يحق لنا الاحتفال بنجاح الهيئة، وسندرك بأنه لا خاسر في انتخابات مجلس الإدارة في دورته الثانية، وإذا كان لا بد من وجود خاسر فلن يكون سوى المهندس العازف عن الانتساب لعضوية الهيئة. مبتعث للدكتوراة في جامعة الملك سعود