كان الهدف من هذا اللقاء محاولة صياغة رؤية وطنية للتعامل مع الآخر، وأوضح في البيان الذي نشر أن المقصود ب"نحن"المواطنون في المملكة العربية السعودية، والآخر يشمل غيرهم من العرب وإخواننا في الإسلام وإخواننا في الإنسانية. وعقدت 13 لقاء تمهيدياً في جميع مناطق المملكة، لتكون مثل العصر الذهني للوصول إلى أفكار مشتركة، وكان هناك قاسم فكري مشترك بين هذه اللقاءات، وهو أن الرؤية واقعية وإنسانية، والواقعية تأخذ معطيات الواقع والإنسانية في لبها وروحها والالتزام بالأخلاق. وهناك حقائق أود أن أذكرها ويأتي في مقدمها أن كل المواطنين مسلمون، ويسلمون بأن الإسلام منهج شامل للحياة، ويحكم علاقتنا بغيرنا. والعلماء حينما كانوا يلخصون تعريف الإسلام رأوا أن الإسلام كله يدور على الحق ورحمة الخلق، وهذا أمر طبيعي وتوجيه رباني، اقتداءً بقوله تعالى:"وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين"ومن مظاهر هذه الرحمة أنه وضع حداً أدنى لعلاقة الإسلام مع غيره، وهو العدل، وهو مطلب لكل أحد في كل حال مع الصديق والعدو حتى المحارب في ساحة المعركة. ومن وراء ذلك علاقة المسلم بالمسالم، وإن كان على غير دينه، والتعامل معه بالإحسان والبر والتقوى، وفيما وراء ذلك علاقة المسلم بالمسلم، وهي علاقة ولاء ترتفع عن علاقته مع غيره بالتزامه بالولاء للإسلام. وهذا رأيناه في أمة الإسلام منذ 14 قرناً، وكان شعور الأمة شعوراً واحداً يشتركون في جميع مشاعرهم وقضاياهم، وحتى هذا العصر كما نرى ذلك في ولاء المسلمين مع بعضهم البعض. وفي عام 1964 أي قبل 40 سنة صدر في أميركا قانون يقضي بإلغاء عنصر التمييز، وكذلك ورد مثل هذا القانون في جنوب أفريقيا، والإسلام قرر هذا المبدأ منذ 14 قرناًً في قوله تعالى:"وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"الآية، وكذلك أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا القانون في خطبة الوداع. ولا شك أن تقرير هذا المبدأ في القانون الأميركي وغيرها من الدول لا يعني اختفاء التمييز العنصري لكن الأهم أن الإسلام منذ بزوغه كان مطبقاً هذا المبدأ ويمارسه على أرض الواقع. وفي علاقة الإنسان بغيره في كثير من الأحيان تكون الأمور التي تتصل بالعاطفة هي التي تمثل الدور المهم في هذه العلاقة، ولعل أهم المظاهر في ذلك هو مدى ما تبقيه الحضارة للحرية الدينية، من قبل ثلاثة قرون ونصف 1649 أصدرت إحدى الولاياتالمتحدة الأميركية قانوناً بحرية الدين وممارسة العبادة، وعلى رغم أن هذا القانون محصور في عقيدة التثليث لكنه أصبح رائداً، وبعد قرن ونصف صدرت وثيقة حقوق الإنسان، ووجد هذا المبدأ كقيمة حضارية يعترف بها الغرب والعالم كله. وإن كانت هذه الممارسة أحياناً مخالفة للحقيقة لكنها بالفعل تطور حقيقي في سبيل الوصول إلى ترسيخ هذه القيمة، والاعتراف بها كقيمة حضارية. ونجد هذا المظهر في الإسلام مقرراً في عصوره الأولى، إذ كانت تتمتع الأقليات تحت السلطان المسلم بالحرية في شؤونها الخاصة وتعاملاتها ومعاييرها، فكانت هذه الأقليات تمارس عباداتها على أوسع نطاق. واستثني من ذلك بقعة معينة وهي حسب تعريف الفقهاء مكةالمكرمة ومخاليفها، والمدينة المنورة ومخاليفها، واليمامة ومخاليفها، فتقرر ألا يكن هناك وجود دائم لغير المسلمين، وهذا الاستثناء يقرر القاعدة ولا يناقضها. * رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري.