يحتفل الناس بالعيد منذ القدم، وتختلف مراسم الاحتفالات وطقوسها من عصر إلى آخر، إلا أن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع هو فرحة العيد. ولا شك في أن العيد فرحة، وتختلف الفرحة بين الناس من فئة عمرية إلى أخرى. فالصغار لهم الفرحة الكبرى، حتى أن معظمهم يعتقد أن العيد شيء حسي قد يقابله أو يلامسه، فيظل في شوق إلى رؤيته. يقول حسين اسعد الفيفي، وهو من إحدى المناطق الجبلية في جازان، في نحو السبعين من عمره:"كنا نخصص يوم 28 رمضان لغسل الملابس وتجفيفها في العراء، ويسمى يوم المشّه، وفي اليوم التالي يبدأ شراء النباتات العطرية لتزيين رؤوس الشبان والصبيان، والغتر الشال واللحاف، وهو رداء يضعه الرجال على الكتف الأيمن، كما يضع الجميع الجنبية". ويضيف:"أما بالنسبة إلى النساء، فالحناء هي سيدة الموقف، وبعد أن يضعنها يذهبن إلى سيدات متخصصات في تزيين المرأة، وهن يشبهن الكوافيرة في الوقت الراهن، إلا أنهن لم يكن يتقاضين أجراً نقدياً عن عملهن، ويكتفين بأن تساعدهن المرأة الراغبة في التزين في أعمال المنزل". وكانت ليلة العيد، كما يقول الفيفي، تمر طويلة، لاسيما على الصغار، ومع إطلالة الفجر يكون الجميع في أجمل حلة وأبهى زينة، ويخرجون جماعات إلى مصلى العيد مكبرين مهللين. ويجتمع الأهالي في منزل شيخ القرية لتناول القهوة، وبعدها يعودون إلى منازلهم لمعايدة عائلاتهم، ثم يتجمعون من جديد في ساحة تتوسط عدداً من القرى القريبة من بعضها، ويتناولون إفطاراً جماعياً، وتبدأ بعدها العرضات الشعبية التي تستمر إلى المساء. ويقول الفيفي:"أما إذا كانت المنازل متباعدة، كما في بعض الجبال، فيبدأ التجمع والتنقل من منزل إلى آخر إلى غروب الشمس". ويوضح أن البُر والسمن والعسل البلدي تعد من أشهر أكلات العيد، إضافة إلى المرسة، وهي خليط من البُر والعسل والسمن مع الموز البلدي الذي كانت تشتهر به المنطقة. وفي العشاء، تقدم أفضل أنواع الماعز الجبلي ومعها الرز، إضافة إلى العصيدة والمرق. الفيفي لم ينكر أن الحياة في الماضي كانت صعبة، إلا أن الحرص على التواصل كان من ابرز سماتها، ويقول:"كان الأطفال يطوفون منازل القرى، وتقدم لهم الوجبات الغذائية في كل منزل". ويشير بأسى إلى قلة التواصل في الحاضر، حتى أن هناك جيران لا يعرف بعضهم بعضاً، إضافة إلى أن الكثير من الناس يقضون يوم العيد إما في النوم، أو الجلوس أمام شاشات التلفزيون، وهذا ما جعل هناك نوعاً من الفجوة بين الناس، لا سيما الجيران والأقارب، وافتقد كبار السن أبناءهم وأحفادهم الذين أصبحوا يعيشون في مختلف المناطق، ما جعل اجتماع أفراد الأسرة أمراً نادر الحدوث، على حد قوله.