تجاوزت مكةالمكرمة أمس دوامة الزحام الخانق بعد أكثر من 20 ليلة متواصلة من الزحف البشري على مسجدها الشريف، من دون تسجيل أية مشكلات تذكر. وكأن شيئاً لم يكن هدأت الطرقات إلى حد لافت مقارنة بالساعات التي سبقت ليلة ختم القرآن والدعاء المشهود كل عام. بيد أن الأوضاع لا تزال في خانة الزحام"المعقول"، إذ بقي آلاف مؤلفة من المعتمرين القادمين من خارج البلاد، وفلول من المصلين والمعتمرين من داخل السعودية. واستبشر المسؤولون بتجاوزهم للموسم البالغ الحساسية بسبب الأعداد المكتظة من ضيوف الرحمن الذين يقصدون المسجد الحرام من أجل أداء عمرة تعدل في أجرها حجة، أو لأجل الصلاة المباركة فيه. ويتشارك صباح الغد أهالي وسكان مكة مع جموع المعتمرين المتبقين في صلاة العيد في المسجد الحرام، وسط هالات من السرور والملابس الجديدة. وطبقاً للتقديرات الرسمية فإن 2.8 مليون مسلم قدموا إلى الأراضي السعودية خلال هذا الموسم، فيما يتقاطر الآلاف من داخل المدن السعودية، إضافة إلى المصلين من مكةوجدة وضواحيها. وكل هذا الحشد الهائل من الناس يتطلب أمر سلامتهم وأمنهم وغذائهم خططاً هائلة لتلبية توجيهات القيادة العليا في السعودية التي تشترط تأمين كل متطلبات المعتمرين والحجاج من دون منة على أحد. ومع أن الأمر لا يخلو من أخطاء، إلا أن المحصلة النهائية تدل على أنها أخطاء من النوع الذي يمكن استيعابه، كونها لا تتسبب في أزمات، عدا أزمة الزحام المروري، المثيرة للضجر، وانفلات الأعصاب. ويقول المطوف الفلسطيني الحاج توفيق موسى أبو هليل إن مواسم الحج والعمرة شهدت نقلات نوعية، من حيث الخدمة في كل مستوياتها الأمنية والغذائية والطرقات وسرعة إنجاز المعاملات. والحاج توفيق يعمل في مهنة الطوافة منذ 22 عاماً متواصلة. وكان وارثاً للمهنة من والده الذي بدأها منذ العام 1962. لذا فهو يشعر أنه ذاكرة متحركة عن تطورات الخدمة المقدمة للحجاج والمعتمرين. وأمام ذلك يقسم قسماً غليظاً بأنه لم يشهد أياً من تلك الخدمات الميسرة في أي دولة. وينسب الفضل في ذلك إلى ملوك السعودية وشعبها. ويدعو الحاج توفيق قائلاً:"اللهم بارك في من اجتهد وعمل على راحة ملايين المسلمين في كل عام، اللهم أرزق آباءنا وآباء الشعب الفلسطيني والإسلامي كله وآل سعود الكرام والشعب السعودي النبيل الذين لا يكلون ولا يملون من تقديم ما ييسر علينا عمرتنا وحجنا". ويقول إن :"آباءنا آل سعود وملوكهم العظام بذلوا على مدى عشرات السنين كل ما يمكنهم بذله لضيوف الرحمن من المعتمرين والحجاج. فضلاً عما يقدمونه من دعم للشعب الفلسطيني في الداخل من مساعدات عينية ومالية متوالية وبلا انقطاع. وكله مشهود ومعلوم عند الله وخلقه". ودعا أن يعم الرخاء والنماء أرجاء"البلد الآمن"وأن يحفظ أهله من كل سوء. ويتحدث الحاج توفيق عما حققه البرنامج الجديد للعمرة الذي أقر وبدأ العمل به قبل ثلاثة أعوام من تسهيلات في الوقت والجهد. ويقول إن هذا الأمر سهل على المواطن في أي مكان وزمان ما لم يكن يحلم به قبل سنوات قليلة. ويقول:"لقد أصبحت العمرة ميسرة بشكل غير مسبوق". إلا أن له ما أسماه"تحفظاً محدوداً"على طريقة إدخال البيانات في موقع الإنترنت المخصص لاستصدار تأشيرات العمرة. ويقول:"أتمنى أن تشهد عمرة رمضان ترتيب"كود"خاص لكل دولة حتى لا تختلط الأمور". ويقول المعتمر اليمني أحمد عطاش إنه مسرور بالوصول إلى الأراضي السعودية وأداء العمرة. وعبر عن اندهاشه من مستوى"الخدمات القوية"التي لمسها. لكنه متضجر جداً من الزحام والروائح غير المحببة له من الأطعمة وتراكم النفايات السريع بعد أكل الوجبات. ويقول إنه قادم من منطقة جبلية شاهقة هواؤها نقي:"لكن كل شيء هنا يستحق أن أرويه لأبنائي بعد وصولي إلى اليمن". وفي هذا العام حصل المعتمرون من اليمن على ضعفي النسبة المحددة لهم أربع مرات، وهو ما جعل حضورهم في ساحات المسجد الحرام لافتاً. ويستعد معظم المعتمرين الذين يتقدمهم، عدد من معتمري مصر وبلدان المغرب العربي أداء صلاة العيد في المسجد الحرام غداً، وكثير منهم سيبقى في مكة أياماً عدة حتى يحل موعد انتهاء تأشيراتهم. في حين غادر قسم منهم إلى المدينةالمنورة لزيارة المسجد النبوي الشريف، وغادر السعوديون والمقيمون في المملكة إلى مدنهم، حيث باتت معدلات الزحام أخف.