لا يزال الشاعر علي الحازمي يراهن على قصيدة التفعيلة وقدرتها في "توفير الحرية اللازمة لكتابة القصيدة التي يشعر تجاهها بالرضا"... الحازمي أصدر حديثا مجموعته الشعرية الثالثة "الغزالة تشرب صورتها" عن المركز الثقافي العربي بيروت، وكان الناشر قد نظم حفل توقيع للشاعر، على هامش معرض الكتاب في جدة، الذي أقيم في كانون الأول ديسمبر المنصرم. "الحياة" التقته وحاورته حول مجموعته الشعرية الجديدة، وعدد من القضايا. هنا نص الحوار: حمل الديوان 15 نصاً توزعت في ثلاثة أجزاء، لماذا هذا التقسيم؟ وهل ثمة شيء مشترك يجمع بين الأجزاء الثلاثة؟ - بالنسبة إلي، لا أميل إلى الحديث عن مسائل فنية في مجموعتي الشعرية، وأترك ذلك إلى القارئ، ليتواصل معها بنفسه من دون وصاية أحد، كما أنني لا أريد أن أرسم للمتلقي صورة افتراضية متخيلة عن الأجواء التي سيذهب إليها من خلال قراءته للعمل. ليس من واجبي ? على ما أعتقد ? أن أسهم في إفساد حرية المتخيل لديه، ألست معي في ذلك؟! أسئلة الطفولة في مجموعتك، الجمر يغفو وثمة حب مريض، وتعثر فضة ما، والمرأة التي تهبّ كريح ... مرة أخرى بعد "خُسران"، تدخل قراءك في ليل الهزيمة والانطفاء والانكسار، فهل يكون الشعر أصدق، حين يعبر عن الهزيمة والحزن ؟ - ما يمكنني قوله هنا كإجابة على سؤالك، أنني اشتغلت في هذه المجموعة على صياغة حالة شعرية مغايرة، لا تتوافر بالضرورة ضمن أجواء مجموعتي السابقة" خُسران". أعتقد أنني سعيت إلى أن أكون أكثر قرباً والتصاقاً من ينابيع طفولتي، حيث القرى والسهول المحرضة. أردت على الأرجح أن أجد إجابة واضحة على أسئلة طفولتي المضنية، أسئلة كنت بذرتها يوما على أول الحقل ومضيت. كل مجايليك تقريباً ذهبوا إلى آفاق أكثر رحابة واتساعاً من قصيدة التفعيلة، كما يقولون، عبر طرق أبواب قصيدة النثر، بل إنهم دخلوا عالمها بسرعة، فيما تصر أنت على الغناء، ألم تستنفد الغنائية طاقتها لديك؟ - عندما أكتب قصيدتي لا أستجيب لاشتراطات معينة تملى عليَّ من الخارج، والذين غادروا إلى آفاق أكثر رحابة واتساعاً - كما تقول - حفظهم الله وكان في عونهم، أما أنا فمن الصعوبة عليّ الآن وبعد أكثر من 15 عاما أن أجد نفسي خارج هذا الشكل الذي بدأت في كتابته، مازلت في حاجة إلى كتابة قصيدة أكون أنا المستمتع الأول بها، وقصيدة التفعيلة لا تزال قادرة على منحي هذا الشعور، وعلى توفير تلك المساحة من الحرية اللازمة، من أجل كتابة قصيدة أشعر تجاهها بالرضا. ومع ذلك لا أريد أن يفهم من كلامي أنني ضد قصيدة النثر أو أي شكل كتابي آخر، بل على العكس من ذلك، أجدني متصالحاً مع جميع الأشكال، ولا أتبنى مواقف إقصاء معينة ضدها، انطلاقاً من إيمان عميق لدي بمسألة التعايش بين مختلف الأشكال الكتابية. قلق... وحذر دائم بعد نشر نص "شمس آب" في صحيفة "الحياة" قبل مدة زمنية طويلة، كتب القاص محمود تراوري عن تأثرك بالشاعر محمود درويش، فهل أنت متأثر فعلاً بصاحب ديوان "أحد عشر كوكباً"؟ - محمود درويش شاعر عظيم، ما زلت أنظر إلى تجربته الشعرية بصفتها واحدة من أهم التجارب الشعرية العربية، إذ أجدها قادرة على تجاوز نفسها دائما، إضافة إلى ما تمتلك من مقومات استثنائية تؤهلها لفهم سؤال العالم وملامسة الهم الإنساني في صوره المتعددة، لذلك من الطبيعي أن نجد غالبية الأصوات الشعرية التي جاءت بعد درويش، قد تأثرت بتجربته في شكل أو بآخر. محمود درويش نفسه صرح في مناسبات عدة، بتأثره بتجربتي نزار قباني وخليل حاوي، ومع ذلك يصعب عليّ أن أتجاهل حضور أسماء شعرية مهمة في ذاكرتي الشعرية من أمثال أمل دنقل، البياتي، سعدي يوسف، أدونيس، محمد بن طلحة ووديع سعادة... وأعتقد أن مسألة التأثر شعريا، مسألة ملتبسة إلى درجة بعيدة، لأنها لا تحتكم عادة إلى ظروف قرائية معينة، بقدر ما تنجم عن عوامل ثقافية وزمانية ومكانية ونفسية، أما فيما يتعلق بكتابة التراوري، فمن حسن الحظ أنني لم أطلع عليها، لأنها وكما يبدو لي من خلال صياغة سؤالك، تنتمي إلى تلك النوعية من الكتابات التي تعمد إلى الإثارة، ومثل هذه الكتابات لا تعني لي شيئا في الغالب، ولا أعيرها أدنى اهتمام. هاجسي الوحيد هو مواصلة العمل، على تطوير أدواتي وقدراتي التعبيرية، من أجل الوصول إلى كتابة قصيدة أكون راضيا عنها شخصياً. إن إحساسي بالقلق الدائم إزاء كل ما أكتب يجعلني أكثر حذراً من احتمال وجود ثغرات غير مرئية في نصوصي، ما يدفعني جدياً إلى العمل على محاولة تأثيث فضاء الصورة الشعرية قدر الإمكان، لتأتي متواكبة مع ما أحمله من شغف وتوق لا نهائيين، من أجل كتابة قصيدة مغايرة. أخيرا، لماذا اخترت عبد العزيز المقالح تحديداً، لتقديم المجموعة؟ - عندما كتب المقالح عن مجموعتي الثانية "خُسران" في إحدى الصحف العربية، لم أكن وقتها على معرفة شخصية به، بيد أن كتابته تلك منحتني حافزاً مهماً وقوياً، من أجل المواصلة لتعزيز الثقة بالشعر، بعدها أتيحت لي فرصة أن ألتقي به لأول مرة، خلال إحدى الفعاليات الثقافية في صنعاء، قبل عامين تقريباً. غمرني الرجل حينها بكرم ولطف نادرين. كل ذلك جعلني أفكر بعد وضع اللمسات النهائية على المجموعة، في معرفة رأيه، وحدث أنني أرسلت له المخطوطة، فكان أن بعث لي بتلك الكتابة التي ظهرت لاحقاً على الغلاف الأخير لمجموعتي.