شهدت المناطق الشمالية الشرقية من السعودية خلال إجازة عيد الأضحى، انتشاراً واسعاً لهواة"الجربعة". وطارد هؤلاء الهواة"الجرابيع الصحراوية"، التي تشبه الفئران إلى حد بعيد. ويهوى الشباب عملية الصيد التي غالباً ما تتم إثر مطاردة ليلية ل"الجربوع"الذي إما أن يقع ضحية، وإما أن يتمكن من الاختفاء في احد الجحور المنتشرة في المناطق الصحراوية بكثافة. أما أسباب الصيد فمختلفة. فهناك من يصطاد"الجربوع"ليشعر بالمتعة والنصر، وآخرون يصطادونه لشوائه وأكله. وتحتاج"الجربعة"إلى لياقة بدنية عالية، إضافة إلى سيارة يفضل ان تكون"بك اب"لصيد الفريسة التي لا يتجاوز حجمها كرة"التنس". لكن عملية المطاردة لا تقتصر على المتعة فقط، بل إنها قد تتسبب بنوع من الإشكالات، وبخاصة إذا ما اقترب"المجربعون"عرضاً من إحدى العائلات التي قصدت المنطقة للتنزه، لا سيما أن المطاردة تتطلب إضاءة قوية، قد تؤذي أصحاب المخيمات الأخرى. كما قد تتسبب السرعة الكبيرة أحياناً أثناء المطاردات بحوادث انقلاب أو اقترابه من خيمة بشكل يزعج أصحابها أو اقتحام إحدى الحظائر مثلما حصل مع أحدهم أخيراً. ولا تقتصر ممارسة"الجربعة"على السعوديين فقط، بل انضم إليهم كويتيون وإماراتيون وقطريون وبحرينيون، مولعون أيضاً بعملية الصيد. وينتشر هؤلاء في المنطقة الممتدة من الحدود الكويتية شمالاً، حتى حدود منطقة الرياض، ومنها مناطق النعيرية والسفانية والخفجي ومنيفة وحفر الباطن. ويمضي المخيمون في الصحراء نهارهم في لعب كرة القدم أو في التسابق على"الدبابات الصحراوية"دراجات نارية بأربع إطارات، أو الاكتفاء بالجلوس خارج الخيمة والاستمتاع بالهواء الطلق. أما الليل فيختلف وقعه من مجموعة لأخرى، فهناك من يفضل السمر أمام النار، وتحت ضوء القمر، أو في لعب الورق"البلوت"أو في ممارسة بعض الهوايات الصحراوية، التي تأتي"الجربعة"في مقدمها. ويقول الشاب عبدالرحمن متعب:"عندما تمضي يومين أو أكثر في الصحراء بعيداً من كل شيء من وسائل التقنية والاتصال ومكشوفاً للسماء، إلا من خيمة تغطيك، عندها ستكتشف عوالم أخرى مختلفة عن تلك التي تفرزها المدينة كل صباح". وقبل الولوج إلى قلب الصحراء من أجل التنزه والبقاء فيها ليوم أو أكثر تكون الخيمة هي أول مطلب، وإن لم تكن لديك خيمتك الخاصة كبدوي يعشق الصحراء، ويجدها ملاذاً من"صخب"المدينة سيتلقفك مؤجرو الخيام وبائعوها، الذين ينتشرون على أطراف الصحراء. وتضطر العائلات التي"تنافس"العزاب في فضائهم الوحيد إلى استئجار مولدات كهربائية، لصعوبة البقاء في الخيمة من دون إنارة، كما أن"الحمامات"المتنقلة والمصنوعة من القماش أو من البلاستيك أساسية مع خزانات المياه للعائلات، أما الكثير من مستأجري الخيام من العزاب فيفضلون البقاء في ضوء القمر والنار في ليالي الربيع، ولا يعنيهم كثيراً وجود حمامات مرفقة مع الخيمة أم لا. وقبل حلول الإجازة بشهر، استعد بائعو الخيام ومؤجروها في المنطقة لموسم التخييم، الذي يبدأ مع اعتدال درجة الحرارة واخضرار الصحراء باكراً، إذ يتسابق ساكنو مدن المنطقة الشرقية وكثير من دول الخليج المجاورة إلى نصب خيامهم في المناطق الصحراوية. وتتزين الصحراء في هذه الأيام بعشب أخضر تكاثر بعد هطول الأمطار الغزيرة في الفترة الماضية، واعتدال حرارة الجو، ما يساعد العشب على النمو بسرعة، وهذا ما دفع كثيراً إلى الخروج من المدن للتخييم والبقاء في الصحراء، وبخاصة أن بداية موسم التخييم وافقت إجازة الحج. وتنتشر محلات موقتة لتأجير الخيام وبيعها حول الأماكن التي يرتادها هواة البر، مثل مدينة السفانية والنعيرية والخفجي، استعداداً لاستقبال الزبائن. ويعتبر أحمد عبدالله أحد مؤجري الخيام على طريق النعيريةالدمام"موسم الإجازات من أهم المواسم إذ يزداد الإقبال على استئجار الخيام"، ويقول:"نتيجة لهطول الأمطار هذه الأيام بين فترة وأخرى يشترط الزبائن شروطاَ منها استئجار خيام لا تسرب الماء". ويعتبر العزاب من أكثر مرتادي الصحراء، فواقع المدينة التي تجعل من كل الأمكنة محرمة عليهم تجعل من الصحراء الفضاء مكاناً يشعرون فيه أنهم"سادة"، على حد قول الشاب جمال إبراهيم. أما العائلات فيبدو أن بقاءها في خيمة وسط الصحراء مدة يوم أو يومين مهمة شاقة، ولكنها جديرة بالإنجاز والتجربة، خصوصاً أن بعض العائلات التي تجمعها صلة قرابة تجتمع معاً في خيام عدة، لإيجاد حال من الأمن والطمأنينة، ولتسهيل مهمة البقاء في الصحراء، فتتحول بعض أماكنهم إلى خيام من فئة"5 نجوم". ولهذا السبب يستغل مؤجرو الخيام حاجة العائلات إلى الأمان في الصحراء بتأجير مخيمات محاطة بسياج، أو بنصب مخيمات إلى جانب الطريق، لتأجيرها على العائلات بسعر أغلى. أما العزاب فيكفيهم خيمة ينطلقون بها داخل الصحراء، تاركين كل السياجات والمداخل المغلقة للعائلات. كما يستغل مؤجرو الخيام أيام الأعياد لرفع إيجارات الخيام وملحقاتها، ويتنافسون في تقديم هذه الملحقات لجذب الزبائن الصحراويين، بل إن الألوان تختلف بين زيتية وبيضاء، كما أن لمكان صناعة الخيمة أهمية كبيرة عند العارفين بأمور التخييم. ويعتبر الحمّام المرفق مع الخيمة ترفاً في الصحراء، فالعائلات تحرص على أن تكون خيامها مزودة بحمامات، أما العزاب فيعتبرونه إضافة غير مهمة. ويقول مؤجر خيام آخر مقابل محل أبي عبدالله"نعطي المستأجر حماماً مجاناً مع كل خيمتين، وفي حال كان يرغب في أكثر من ذلك يكون إيجار الحمام مقارباً لقيمة إيجار الخيمة". وتتفاوت أسعار تأجير الخيمة مدة يوم، بحسب مساحة الخيمة وصناعتها، إذ يبلغ سعر إيجار خيمة بمساحة 20 متراً مربعاً بين 100 و200 ريال 27 إلى 53 دولاراً لليلة الواحدة، وقد ينخفض السعر إلى 50 ريالاً 13 دولاراً في أيام الأسبوع، كما أن مولدات الكهرباء ترفع قيمة إيجار الخيمة إلى الضعف تقريباً، إضافة إلى أن سعر التجهيزات الأخرى تزيد من السعر على درجات متفاوتة. وقد تصل قيمة المخيمات المجهزة تجهيزاً كاملاً وعددها أربع خيام إلى 1000 ريال 270 دولاراً في اليوم.