تعاني الصناعات الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون الخليجي من معوقات ومشكلات يتأتى معظمها من طبيعة وهيكلية اقتصاديات دولها على وجه العموم والقطاع الصناعي على وجه الخصوص. وأكدت دراسة اقتصادية حديثة أن حوالي 65 في المئة من إجمالي عدد المصانع العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي البالغ عددها حوالي 7360 مصنعاً عبارة عن مصانع صغيرة ومتوسطة بحسب معيار حجم العمالة، وتشكل ما نسبته 80 في المئة من إجمالي عدد المصانع بحسب معيار حجم رأس المال المستثمر قبل الأربع سنوات الماضية. وأوضحت الدراسة التي أعدها اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي أخيراً أن قيمة الأموال المستثمرة في الصناعات الصغيرة والمتوسطة تصل إلى 7.7 مليار دولار تمثل حوالي 9 في المئة من إجمالي رأسمال الصناعات الخليجية المقدر بحوالي 84 مليار دولار، فيما يبلغ عدد العاملين في هذه الصناعات حوالى 307 آلاف عامل يمثلون ما نسبته 52 في المئة من إجمالي الأيدي العاملة المقدر بحوالي 588 ألف عامل. ولخصت الدراسة معوقات الصناعات الصغيرة والمتوسطة في الاعتماد على الموارد الشخصية والذاتية في التمويل، نظراً لارتفاع مستوى الدخل وصغر حجم رؤوس الأموال اللازمة للبدء بها، معتبرة أن ملكية معظم هذه الصناعات هي ملكية فردية أو عائلية تجعل من فرص اندماجها أكثر صعوبة، إضافة الى انخفاض القيمة المضافة لمنتجات المنشآت الصغيرة والمتوسطة حيث إن حوالى 60 في المئة فيها لا تزيد نسبة القيمة المضافة لها على40 في المئة من القيمة الإجمالية للمنتج النهائي، مما يؤدي إلى عدم قدرة هذه المنشآت على الحصول على شهادات منشأة وطنية تؤهلها للتصدير والدخول إلى الأسواق الأخرى. ومن المعوقات التي أشارت إليها الدراسة ان معظم الصناعات الصغيرة والمتوسطة تعتمد على مدخلات أولية مستوردة من الخارج، وأن غالبيتها يعتمد على وكلاء ووسطاء في إمدادهم لهذه المدخلات ولا يقومون باستيرادها مباشرة. وبينت أنه نتيجة لضعف درجة التكامل والتنسيق الصناعي بين دول المجلس، فقد أنشأت العديد من المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة التي تنتج صناعات متشابهة بل ومتماثلة، مما ادى ذلك إلى تعرض هذه المنشآت إلى منافسة محلية وإقليمية كبيرة، قبل أن تبدأ بالتعرض للمنافسة الأجنبية القادمة من الخارج، بموجب قوانين العولمة التي ستؤدي إلى تعطيل طاقاتها المستغلة وتعثرها نتيجة تراجع حصتها في السوق. فضلاً عن اعتماد معظم الصناعات الصغيرة والمتوسطة على أسلوب التوزيع المباشر للتسويق، وليس من خلال مؤسسات تسويق متخصصة أكثر كفاءة وأقل تكلفاً. ورأت الدراسة ان الصناعات الخليجية عموماً والصغيرة والمتوسطة منها على وجه الخصوص، ستعاني من الآثار المتوقعة لإعادة هيكلة اقتصاديات المنطقة وتغيير دور الدولة في النشاط الاقتصادي، حيث تعتمد هذه المنشآت في شكل كبير على الخدمات المجانية أو الزهيدة الثمن التي وفرتها الحكومات لها. وأوضحت أن دول المجلس بدأت بإعادة النظر في تلك السياسات، إذ سينعكس ذلك على نشاط المنشآت الصناعية خصوصاً الصغيرة والمتوسطة، وسيؤثر على تكاليف الإنتاج وبالتالي على أسعار منتجاتها النهاية مما يجعلها أقل قدرة على المنافسة في الأسواق. وأشارت الدراسة الى أن دول المجلس اتخذت مجموعة من الإصلاحات الهيكلية بهدف تنمية دور القطاع الصناعي في تنويع مصادر الدخل. وضمن هذا الإطار وفرت دول المجلس حزمة متنوعة من الحوافز والتسهيلات للمؤسسات والشركات الصناعية عامة من دون التمييز بينها. وتتمثل الحوافز والتسهيلات المقدمة للقطاع الصناعي في مجموعة القوانين والأنظمة والإجراءات التي تهدف إلى تشجيع إقامة أو توسعة المشروعات الصناعية، ودعم قدراتها الإنتاجية والتسويقية، التي قمستها الدراسة إلى مجموعتين رئيسيتين: المجموعة الأولى، عبارة عن حوافز تشجيعية تسعى إلى توفير التسهيلات اللازمة لإقامة المشاريع الصناعية، وتذليل الصعوبات التي تحد من عملية الاستثمار في هذا القطاع، مثل المساعدة في تحديد المستثمرين وتعريفهم بالفرص الاستثمار المجدية. أو تزويدهم بالمعلومات والاستشارات الضرورية. كما تشمل إقامة وتطوير البنية الأساسية المجهزة بمختلف المرافق الضرورية، إضافة إلى القيام بتدريب وتأهيل العمالة في مختلف التخصصات. أما المجموعة الثانية من الحوافز والتسهيلات، فهي تشمل عدداً من وسائل الدعم المادي للمشاريع الصناعية القائمة بهدف العمل على خفض تكاليف الإنتاج، وتحقيق عائد مادي مناسب. ومن هذه الحوافز توفير القروض الصناعية الميسّرة بفوائد محدودة، والإعفاءات الجمركية والضريبية، وتقديم خدمات التجهيزات الأساسية، كالمواصلات والاتصالات والماء والكهرباء والغاز بأسعار مدعومة. كما سلكت دول المجلس كافة أساليب السياسات الحمائية لبعض منتجاتها الوطنية لمواجهة المنافسة الأجنبية. وأخذت جميعها بمبدأ الأفضلية في مشتريات الحكومة للمنتجات الوطنية. وقالت الدراسة إن دول مجلس التعاون كافة اهتمت بتوفير الخدمات الأساسية للصناعة، ومن أهمها: إنشاء المناطق الصناعية المزودة بالمرافق الأساسية من ماء وكهرباء ومواصلات واتصالات. كما شملت الخدمات الأساسية تطوير المرافق العامة الضرورية، للنهوض بقطاع الصناعة والاقتصاد الوطني عموماً. وإنشاء الطرق الحديثة والمطارات والموانئ المجهزة بالوسائل الحديثة كافة لتسهيل عمليات الشحن ونقل البضائع والركاب. كما تناولت إنشاء شبكة كهربائية متطورة تفي باحتياجات الصناعات القائمة. وكذلك شبكات المياه العذبة، ومياه الصرف الصحي، وتوفير الوقود والغاز من خلال شبكات حديثة. كذلك اهتمت دول المجلس بإنشاء شبكة متطورة من وسائل الاتصالات الحديثة، تربط دول المنطقة بمختلف دول العالم بسرعة وسهولة، وذلك باستخدام أحدث التقنيات العالمية في مجال الاتصالات. ويتم توفير الخدمات الأساسية بأسعار تشجيعية بهدف دعم عملية التنمية الصناعية وتنشيطها. كما أن القوانين الصناعية كافة بدول المجلس دعت الى ضرورة فرض الحماية الجمركية لمصلحة مجموعة من المنتجات الوطنية لحمايتها من المنافسة الأجنبية. لكنها تباينت في مستوى الرسوم المفروضة لحماية الصناعة المحلية ومدى شمولها، وفي الشروط الواجب توافرها لتطبيق هذه الحماية. واشارت الدراسة إلى انه من خلال مراجعة تشريعات الحماية المعمول بها في دول مجلس التعاون اتضح أنها تمنح لحماية منتج صناعي معين وليس لحماية منشأة صناعية محددة، كما أن الحماية ليست مطلقة من دون حد زمني بل هي لمدة زمنية محددة. وذلك حرصاً من الدول على تطوير المنتجات الوطنية وعدم تواكلها. أو احتكارها للسوق المحلي. كما اقرت جميع دول مجلس التعاون مبدأ إعطاء الأفضلية للمنتجات الصناعية المحلية في المشتريات الحكومية. واشترطت لتحقيق هذا الحافز أن لا تزيد أسعار المنتجات المحلية التي تحظى بمثل هذه الأفضلية على خمسة في المئة بالنسبة إلى أسعار المنتجات المستوردة ذات المنشأ الوطني في دول مجلس التعاون، وعلى عشرة في المئة عن مثيلاتها من المنتجات الأجنبية المستوردة من غير دول المجلس، بشرط أن تحقق الغرض، بعد التأكد من جودتها وتوافر كمياتها في السوق المحلية. وقد اشترطت دول المجلس بأن تكون المنتجات وطنية المنشأ حتى تحصل على مثل هذه الحوافز، وذلك بأن لا تقل مساهمة العناصر المحلية في المنتج الوطني عن 40 في المئة من قيمته، وأن لا يقل رأس المال الوطني في المشروع الصناعي المنتج له عن 51 في المئة من رأس المال. وقالت الدراسة إن الصناعات الصغيرة والمتوسطة في دول المجلس تواجه مشكلة الحصول على التمويل اللازم لها من البنوك التجارية، حيث لم تتجاوز نسبة هذا التمويل إلى إجمالي التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك التجارية نسبة عشرة في المئة خلال السنوات الماضية، ويوجه القسم الأكبر من هذا الائتمان إلى الصناعات الكبيرة، فيما تحظى الصناعات الصغيرة والمتوسطة بنسب ضئيلة جداً، هذا فضلاً عن مستويات أسعار الفائدة المرتفعة التي تفرضها هذه البنوك. من أجل ذلك أسست دول المجلس بنوك وصناديق عدة لتمويل ودعم المشاريع الصناعية بشروط ميسرة، وقد بلغ إجمالي التمويل المقدم من المؤسسات المالية المتخصصة إلى القطاع الصناعي في العام 1999 حوالى 514 مليون دولار منها 352 مليون دولار للسعودية و42 مليون دولار للإمارات. وخلصت الدراسة الى أنه لا توجد لدى دول مجلس التعاون سياسات اقتصادية وحوافز محددة خاصة بالمشروعات "الصناعات" الصغيرة والمتوسطة فالسياسات والإجراءات هي ذات طبيعة عامة، بل يمكن الادعاء بقدر كبير من الموضوعية بأن جزءاً من هذه السياسات والاجراءات - لا سيما سياسات الاستثمار الأجنبي - متحيزة ضد المشاريع "الصناعات" الصغيرة ولا تقدم امتيازات تستفيد منها الصناعات المتوسطة بالقدر الكافي. كما أن الامتيازات والحوافز المقدمة للمشروعات "الصناعات" تخضع لعدد من الشروط والضوابط التي لا ينطبق الكثير منها على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، كما تخضع لمعايير حكمية ذاتية وشخصية من المسؤولين في الجهات المشرفة على تقديم مثل هذه الحوافز، إضافة الى أن الإجراءات الروتينية المصاحبة للاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والحصول على الامتيازات والإعفاءات المقدمة مكلفة من حيث الوقت والمال، ما قد يضعف من حماسة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى السعي للحصول على مثل هذه الامتيازات والحوافز. ودعت الدراسة دول المجلس الى ضرورة إزالة التحيز للمشاريع والصناعات الكبيرة، وتبني سياسات وإجراءات خاصة بالصناعات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجالات عدة، تتمثل في إقامة مناطق خاصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما فيها الصناعات الحرفية واليدوية "المشاريع بالغة الصغر", وتقديم الخدمات المختلفة كالكهرباء والماء وغيرها بأسعار تفضيلية لمثل هذه المشاريع، بالمقارنة مع الصناعات والمشاريع الكبيرة، والسماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في المشاريع والصناعات المتوسطة وللمستثمرين العرب في المشاريع الصغيرة، إضافة إلى الاستمرار في تقديم الدعم والإعفاءات والامتيازات الجمركية والضريبية للصناعات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وبشروط أفضل بالمقارنة مع المشاريع والصناعات الكبيرة، وتسهيل الإجراءات الروتينية أمام الصناعات الصغيرة والمتوسطة سواء في مرحلة الإنشاء والتأسيس أو في مرحلة الحصول على الإعفاءات والامتيازات. كما دعت الدراسة الى اتباع سياسات مالية ونقدية تحفز من إقبال البنوك التجارية على تمويل المشروعات "الصناعات" الصغيرة والمتوسطة، من خلال إقامة مؤسسات خاصة لضمان القروض، والعمل على إنشاء صناديق خاصة بتمويل المشاريع والصناعات الصغيرة والمتوسطة. ويمكن أن يسهم في رأس مال هذا الصندوق كل من الحكومات المركزية والمصارف المتخصصة، على أن تترك إدارته للقطاع الخاص تحت إشراف ورقابة الحكومة، وكذلك تشجيع مؤسسات القطاع الخاص الخليجية على إنشاء شركات ومؤسسات تمويل أهلية تتخصص في تمويل المشاريع الخاصة، من خلال العمل على تقديم أنواع الدعم والحوافز كافة لمثل هذه الشركات، وضمان المخاطر المصاحبة للقروض التي تقدمها، وضرورة التوسع في الاستفادة من برامج التعاون والمساعدة الدولية التي تقدمها المنظمات الدولية، حيث يوجد لدى هذه المنظمات برامج مخصصة لتطوير وتعزيز المنشآت والصناعات الصغيرة، بما في ذلك برامج التدريب وإقامة شبكات الاتصال ومراكز المعلومات، وإعداد الأبحاث والدراسات الخاصة بمتطلبات تعديل البيئة القانونية والمؤسسية لتصبح مناسبة لنشاطها.