ولي عهد الكويت يستقبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي    بموافقة الملك... منح 200 متبرع ومتبرعة وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من الرئيس الروسي    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعاً عن الديموقراطية والمدنية في مصر
نشر في الحياة يوم 29 - 08 - 2013

ستثبت الأيام في مصر أن تدخل الجيش في السياسة بعد ثورة 52 يناير وحتى الآن لم يكن أكثر من مرحلة في ثورة لم تحسم حتى اللحظة خياراتها وتوجهاتها ولم تكشف عن وجوهها وتقلباتها. بمعنى آخر فمشهد"الجيش والشرطة والشعب واحد"مشهد نادر بعد ثورة اشتبك المجتمع فيها مع الشرطة بقوة كما اشتبك مع الجيش بعد الثورة بتردد. الشيء الواضح أن مصر تبدو من حيث درجة العنف أهدأ اليوم مما كانت عليه قبل أسبوع، وهي بالطبع لم تتحول إلى حالة من التفكك بفعل قوة الدولة، إلا أن الكثير من الحملات الأمنية والإعلامية ضد"الإخوان المسلمين"لن تبقى محصورة ب"الإخوان"، بل سيكون لها أثر على المجتمع المدني والقوى السياسية المستقلة وعلى طبيعة التغيير والتقلب الذي سيصيب الحالة المصرية في المنعطف القادم. بعد كل ما وقع سيتحول الكثير من مشكلات الرئيس السابق محمد مرسي وحزب"الحرية والعدالة"إلى مشكلات للجيش. ستأتي الأموال الداعمة من دول عربية أخرى. لكنها لن تصمد طويلاً لأنها ستستنزف في عملية سياسية لم يتم التوافق عليها بين المصريين. سيكون في مصر يوم حساب اقتصادي عسير. فبينما يقع الخلاف السياسي يزداد فقراء مصر فقراً وتتعقد أوضاع 04 في المئة من المصريين ممن يعيشون على شظف العيش في العشوائيات والمناطق المكتظة والأقاليم. هذه بيئة للتيار المعارض والتيار الإسلامي العائد بعد إقصاء.
لهذا يقف كل طرف في مصر سواء كان منتمياً للجيش أو ل"الإخوان"أو للقوى الواقعة في الوسط في مأزق. فبعد كل ثورة ليس غريباً أن تأكل الثورة أبناءها فتؤدي كل عملية فتك لفتك مضاد إلى أن يكتشف الناس المعادلة التي تلبي حقوقهم وأمانيهم. خلال عامين ونصف انتقلت مصر من ثورة إلى حكم انتقالي قاده الجيش ثم إلى حكم انتقالي قاده تيار"الإخوان المسلمين"والآن إلى حكم الجيش بعد تغير المزاج المصري ووقوع انقلاب عسكري. فيا ترى كيف سيكون وضع مصر بعد عام من الآن عندما يتغير المزاج المصري مجدداً مطالباً بأمور لم تكن مطروحة في هذه الدورة؟
ولفهم ما هو قادم لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء وبخاصة إلى حركة 03 حزيران يونيو 3102 التي مثلت درجة عالية من درجات التذمر من تجربة"الإخوان المسلمين"في الحكم. وبالفعل لقد خسر تيار"الإخوان"فئات كبيرة من المجتمع نتيجة أخطاء ارتكبها. وفي المقابل لم يواجه أي من المشاركين في حركة 03 يونيو وحركة"تمرد"خطر التصفية والاعتقال والقمع كما كان حال 52 يناير. وهذا ساهم بدوره في زيادة الأعداد المشاركة في يوم 03 يونيو. ولتعميق التمرد والغضب المصري يكفي أن الدولة المصرية وعمودها الفقري الجيش لم يتعاونا في مسائل جوهرية مع الرئيس مرسي. ولكن كل هذا لا يقلل من حقيقة أن حشود 03 يونيو مثلت رأياً عاماً ناقداً لتجربة"الإخوان"في الحكم. إن المسار السياسي المصري حتى يوم 03 يونيو خضع للآليات السياسية كما هو الأمر في تونس مؤخراً، حيث يسعى المجتمع للتعبير عن مطالبه.
لم تتبلور مشكلة جدية في الصراع السياسي المصري إلا عندما تدخل الجيش عبر انقلاب عسكري أبيض في 3 تموز يوليو بهدف حسم الصراع السياسي ضد الفريق الفائز في انتخابات 2102. وكأن الجيش في تصرفه أجهض السياسة والسياسيين والحراك الشعبي الشرعي المعارض الذي عبر عن نفسه في 30 يونيو. وقد نتج من تدخل الجيش اعتقال الرئيس وحل البرلمان والكثير من المؤسسات الشرعية واعتقال عدد من قادة التيار الإسلامي، بالإضافة إلى غلق مؤسسات إعلامية تمثل رأي"الإخوان"وهو بطبيعة الحال الرأي الآخر في هذا النزاع. وفي نفس الوقت فتحت الدولة بما فيها الإعلام الخاص النار على"الإخوان المسلمين"مصنفة التنظيم في عداد الإرهاب وذلك تمهيداً لعزله عن الحياة السياسية.
وبينما من الطبيعي تصنيف ما يقع في سيناء بأنه إرهاب يشبه نموذج"القاعدة"وأخواتها إعدام المجندين في سيناء والعمليات الموجه ضد الجيش، إلا أن تصنيف"الإخوان المسلمين"كفصيل إرهابي يحتوي على مبالغة كبيرة نظراً لعدم وجود دلائل بأن"الإخوان"وأعضاءهم بمئات الألوف قد أخذوا قراراً بممارسة العمل المسلح والإرهاب. لهذا فأن أفضل تصنيف لما وقع في مصر هو قيام الجيش والأجهزة الأمنية بالسعي لتصفية أهم حزب سياسي مدني في مصر. وقد استغلت أخطاء تيار"الإخوان"وطبيعة خطابهم التقليدي وضعف تواصلهم مع عموم المجتمع المصري الأوسع.
وقد تطور المشهد إلى مواجهات متقطعة مع الجمهور الكبير الذي احتشد في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، وصولاً إلى قيام الشرطة والجيش في 14 آب أغسطس بفض اعتصامي رابعة والنهضة وسط مئات القتلى تجاوز الرقم 008 وألوف الجرحى والمعتقلين، إضافة إلى مقتل 83 شاباً من القيادات الوسطى في حادثة واحدة وهم في قبضة الأمن.
وعندما يضرب الجيش بهذه القوة وسط حشد مدني لا يمتلك الحد الأدنى من القدرة على الدفاع عن النفس تكون السياسة قد فشلت مرة ثانية. بل كان بالإمكان إيجاد تسوية قبل فض الاعتصام. وما موت المئات وجرح الألوف إلا دليل على عدم تسلح الاعتصام عشر بنادق آلية لا تمثل تسلحاً لحشد يتراوح العدد فيه بين عشرات الألوف ومئات الألوف من الأفراد. الواضح أن"الإخوان المسلمين"لم يقرروا استخدام السلاح، وهم لو قرروا ذلك أو حضروا له لاشتبكت مئات الألوف من القطع مع الجيش، وهذا ما لم يقع. لهذا بالتحديد لم تكن استقالة الدكتور محمد البرادعي إلا مؤشراً على خطورة الموقف وطبيعة التحدي ومجرد بداية لتفكك الجبهة التي أرادت للجيش أن يتدخل في العملية السياسية.
وكما يقول الكثير من الأصدقاء المصريين كان يجب أن يتدخل الجيش لمنع مصر من السقوط في الهاوية. لكني أتساءل ماذا لو صبر المصريون على العملية السياسية لمزيد الوقت وكرروا مشهد 30 يونيو، أما كانوا حققوا نتائج أفضل من تلك التي حققوها من خلال تدخل الجيش المباشر في العملية السياسية والفض العنيف لاعتصام رابعة العدوية الذي أزهق مئات الأرواح البريئة؟ ألم يكن بإمكان المصريين فرض تراجعات جوهرية على"الإخوان المسلمين"وتحقيق مكاسب سياسية بما فيها انتخابات جديدة في أجواء سلمية؟ إن دخول الجيش هو تثبيت لفشل السياسيين والسياسة وتخلّ عن السياسة بصفتها بناء صيغ جديدة. سيعلّم الزمن المصريين أن أكبر خطأ وقعوا به هو التفكير بأن الجيش الوطني بإمكانه أن يختصر الطريق من خلال هزيمة الفريق الذي انتخبوه قبل عام.
لا أنكر على الإطلاق أن الجيوش عندما تتدخل وتفض وتضرب تحقق نتائج، فربما لن يعود تيار"الإخوان المسلمين"بالشكل الذي نعرفه مرة ثانية، وربما بفضل ما وقع تتراجع فكرة"الإخوان"وتأتي مكانها أفكار أخرى أكثر عنفاً أو ثورية أو أكثر مرونة بعد مخاض ستعيشه الجماعة وتعيشه مصر. لكن عندما يحسم الجيش معركة، فانه يمهد لبناء حالة تسمح لكل قوة تسعى للتغيير في مصر بالسعي لاستمالة نفس الجيش والضغط عليه لكي ينحاز إليها.
إن أول ضحية لتدخل العسكريين هو سقوط الثقة بين قطاع من الشعب والجيش، بالإضافة إلى تعزيز ثقة الجيش بسيطرته على مفاتيح السياسة والسلطة في مصر، وهذا سيدفعه إلى تعميق إجراءاته بسبب خوفه المبالغ فيه من معارضيه وناقديه. هذا الوضع سيؤدي إلى استمرار الصراع والخلاف بين فرقاء كثيرين في مصر. ومع الوقت ستتحول قوة الجيش وسيطرته السياسية والأمنية إلى العقدة التي تحد من نمو حياة سياسية واقتصادية تسمح بالتداول على السلطة وضمان التنافس وفق برامج يحسم مصيرها الناخب عوضا عن أن تحسم نتائجها لجنة من العسكريين. إذن سيبقى الجيش المصري وسط المشهد، مما سيؤسس لتحديات جمة سيقع الجيش فيها في المرحلة القادمة.
سيعود التيار الإسلامي إلى الصورة بحلة جديدة أكثر ثورية وأكثر إيماناً بالدولة المدنية التي تحد من دور العسكريين في تقرير الشأن السياسي. فما تعرضوا له لم يكن أمراً يسيراً، فوقع ما حصل على التيار كوقع الزلزال، ولهذا ستترتب عليه حالة جدل ذاتي. سيجد"الإخوان"أنهم أمام إعادة نظر في طبيعة علاقة القادة بالقاعدة السياسية للتيار، وأمام تقييم لتجربة العمل السياسي ل"الإخوان"بعد خسائر كبرى. وفي نفس الوقت ستخرج من حركة"الإخوان"قوى إسلامية أكثر التزاماً بشمولية التغيير وممارسة الديموقراطية وأكثر انفتاحاً على تنوع المجتمع وخصوصياته. ولا يستبعد أن يبرز من وسط"الإخوان"تيار جهادي عنيف، لكن هذا الاحتمال هو الأضعف وذلك بسبب طبيعة المرحلة وطبيعة الظروف وتجربة"الإخوان"على مدى عام كامل في الحكم في أهم دولة عربية.
هل تستقر مصر في المرحلة القادمة أم أن كل انتصار لفئة يؤدي لشقوق بين جبهة المنتصرين وسط مقاومة من الخاسرين المرحليين؟ ستدور العجلة خلال ما تبقى من هذا العام والعام المقبل وستتواجه مصر مع مدنية الدولة نقيض عسكرتها. إن نجاح المدنية سوف يرتبط بمدى القدرة على وضع الجيش المصري وقدراته الاقتصادية المستقلة دولة ضمن الدولة والشرطة والأجهزة الأمنية تحت مجهر المراقبة والمحاسبة والمساءلة من قبل مدنيين منتخبين ديموقراطياً وشعبياً. وهذا لن يكون بصورة طوعية وسيتطلب حراكاً سياسياً مدنياً كبيراً يكون التيار الإسلامي جزءاً لا يتجزأ منه. في المدى المنظور ستعيش مصر حالة متقلبة وشائكة حول علاقة القوات المسلحة والأمنية بالقوى المدنية على أنواعها واختلافاتها.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
تويتر shafeeqghabra@


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.