"وما أدراك ما الستينات!".. كلمات قالها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي فور إعلان فوزه في انتخابات الرئاسة في حزيران يونيو من عام 2012 في ميدان التحرير، في إشارة إلى حملة التنكيل التي تعرضت لها قيادات جماعة"الإخوان المسلمين"على يد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بدءاً من عام 1954 بعد محاولة اغتياله في المنشية في الإسكندرية. ومن أدبيات"الإخوان المسلمين"أن عبدالناصر"ديكتاتور انقلب على الجماعة"بعدما ساعدته في إنجاح"ثورة يوليو". وتبدو الجماعة الآن وكأنها تريد إعادة الكرّة ولكن مع وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي. تولى السيسي وزارة الدفاع بعد إطاحة مرسي بالمشير حسين طنطاوي في آب أغسطس من عام 2012، وقبلها شغل منصب رئيس الاستخبارات الحربية، بعدما شغل منصب رئيس فرع معلومات الأمانة العامة، لسنوات عدة. فهو رجل"استخبارات"في الأساس. وتمكن السيسي بما يشبه"عملية جراحية دقيقة"من إطاحة مرسي، بعدما سارع إلى إمهاله 48 ساعة لتلبية"مطالب الشعب"بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لتبدأ"مباراة مكشوفة"بين رئيس ووزير دفاعه بدا فيها الأخير واقفاً مع الشارع الثائر بالملايين. وخلال تلك المهلة، طلبت قيادات في جماعة"الإخوان"إقالة السيسي قبل أن يُقدم على إطاحة الرئيس، لكن آخرين رأوا في مثل هذا القرار"مغامرة غير محسوبة"في ظل احتشاد الملايين في الشوارع. وفي الوقت الذي كانت الجماعة - ومن خلفها الرئيس المعزول - مترددة في اتخاذ قرار، كان القائد العسكري صاحب العقلية الاستخباراتية قد"حسم أمره". وقبل انتهاء المهلة بساعات، جمع السيسي الرموز السياسية والدينية والشبابية لوضع خريطة طريق ل"ما بعد مرسي"لا يكون فيها للجيش أي دور ظاهر، في استبعاد لفرضية"الانقلاب العسكري"وتأمين مظلة شعبية لقراراته التي عُزل بمقتضاها مرسي. وليس غريباً إذن أن السيسي بات اليوم"العدو الأول"للجماعة. تنعته تظاهراتها ب"الخائن"، وفي بعض الأحيان ب"الكافر"، على رغم ما هو معروف عن الرجل من تدين تعلمه قيادات الجماعة نفسها. فطالما صلى بهم إماماً في القصر الجمهوري خلال لقاءته مع الرئيس مرسي، فضلاً عن أن أبناءه من"حفظة القرآن". شباب الإخوان يهتفون:"الجيش المصري بتاعنا والسيسي مش تبعنا"."بالطول بالعرض ... هنجيب السيسي الأرض". وخطباؤهم على المنصة يُحمّلون السيسي مسؤولية"حرب أهلية لن تُبقي ولن تذر". باتت"شيطنة"الرجل الذي تُرفع صوره في ميادين الثورة ويتلقى شكر الملايين على تدخله الحاسم والسريع الذي أظهر أن الجيش رأى في حكم الإخوان خطراً على مصر، هدفاً ل"الجماعة"التي لا تتصور فكرة أن أول رئيس لأكبر دولة عربية من بين أبنائها أسقطته ثورة شعبية بعد 12 شهراً فقط من توليه الحكم. وتُفضل الجماعة حالياً التضحية بمئات وربما آلاف من شبابها خرجوا إلى الشوارع بعدما كتبوا وصيتهم لأهاليهم رافعين"أكفانهم"في مواجهة الجيش لترسيخ - على الأقل في أدبياتها - فكرة أن أول رئيس منتخب من الجماعة سقط بعد"انقلاب عسكري"راح ضحيته قتلى من أبنائها، ليقول قادة الإخوان في المستقبل:"وما أدراك ما السيسي؟".