من المسلّي جداً الاستماع إلى تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد حول ما حصل في مصر من عزلٍ للرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين من جانب المؤسسة العسكرية. ذلك ان الرئيس الشاب لم ينفصل هذه المرة، كثيراً عن الواقع كما اعتادت الديبلوماسية الغربية أن تصف تصريحاته حول الثورة السورية. فمشروع الإسلام السياسي، وكما قال الأسد، سقط مع عزل حزب العدالة والتنمية عن السلطة في أرض الكنانة. ولعل المفارقة البديهية التي تستدعي فعل التسلية والهذر في كلام الرئيس السوري تتمثل في أنه يواجه ثورة ضد نظامه الاستبدادي منذ ما يزيد عن السنتين، تطالبه بالتنحي عن السلطة، إلا ان ما يتجاوز هذه المفارقة تلك الفكرة الساذجة التي يحاول الأسد توظيفها واللعب عليها لإظهار الفرق بين نظامه العلماني ونظام محمد مرسي الإخواني، والقول إن الموجة الثانية من الثورات ستستهدف النظم الإسلامية، ما يعني نجاة نظامه"المدني"السرمدي والذي يكاد ينجو من الموجة الاولى بفعل عناصر العسكرة والتطيّف التي دخلت على مشهد الثورة. واقع الحال، أن ما يتراءى للأسد من وقائع ومعطيات تظهر وكأنها تدعم بقاء نظامه الديكتاتوري واستمراره، تبدو في مسارها الموضوعي عناصر تزيد من زخم الثورة المندلعة ضده. ذلك أن الشعب المصري الذي نزل إلى الميادين وانتفض ضد نظام الإخوان المسلمين فعل ذلك لأسباب كثيرة، لكن الدافع الرئيس كان محاولة الرئيس الإخواني وحزبه ابتلاع الدولة عبر أخونتها وتغيير هوية مؤسساتها. وإذا كان المصريون وقفوا في وجه من يريد مصادرة دولتهم وملأوا الساحات رفضاً لذلك، فإن ثورة الشعب السوري في جوهرها هي استعادة للدولة كمؤسسات وهيئات ناظمة للمجتمع، من قبضة حزب البعث بالمعنى الإيديولوجي، ومن مخالب الأجهزة الأمنية بالمعنى الفعلي. لم ينتبه الرئيس الأسد خلال تصريحاته الأخيرة الى أن محاولة أخونة الدولة في مصر عبر الجماعة الحاكمة قد تمّت بالفعل في سورية عبر البعثنة وإفراغ المؤسسات التشريعية والتنفيذية من أي فاعلية تذكر، لمصلحة النفوذ الحزبي والأمني. وعليه، فإن الدولة الفئوية التي رفضها السواد الأعظم من الشعب المصري قائمة في سورية منذ عقود، لا سيما أن البعثنة التي اعتمدها الرئيس حافظ الأسد في بداية حكمه داخل الدولة قد تحولت مع أواخر الثمانينات من القرن الماضي إلى التطييف والمذهبة، إذ ارتفعت نسبة العلويين داخل المؤسسات الحكومية في مختلف المناصب والمواقع الرسمية. بهذا المعنى، يصبح بشار الأسد إخوانياً يعتمد أسلوب الإقصاء كآلية في حكمه، لكنه إقصاء أقلوي، نازعه الأساس استبعاد الأكثرية وابتلاع الدولة ومؤسساتها لمصلحة أقلية فئوية. هكذا، يبدو الأسد في تصريحاته وكأنه يدفن نظامه المترنح. فسقوط الإقصاء والفئوية في مصر سيعادله بالضرورة سقوطهما في سورية، وكذلك فشل الفئة - الجماعة التي تدّعي تمثيل الأكثرية السنية لن يمر من دون فشل الفئة - العائلة التي تدّعي تمثيل الأقلية العلوية. إلاّ أن معركة المصريين مع مرسي وجماعته سياسية دستورية بالمطلق، تحتمل عودة الإخوان إلى المشاركة السياسية من جديد، لكن معركة السوريين مع نظام الأسد أخلاقية بالدرجة الأولى لن تنتهي إلا بأزمة وطنية ونهاية غير سعيدة للديكتاتور الشاب، على عكس نظيره المنتخب. في مطلق الأحوال، فسقوط مشروع الإسلام السياسي يتلازم مع سقوط مشاريع الأقليات التي تتوهم فائض القوة وتريد أن تفرض إرادتها على بقية الجماعات عبر نظم استبدادية. ومن الأكيد أن الرئيس الأسد لم يشاهد قبل أن يدلي بتصريحاته، ذلك الفيديو في حلب، الذي يظهر فيه أحد قادته الأمنيين وهو يدعو أهالي قريتين شيعيّتن لنصرة الحسين. فعلاً، الإسلام السياسي سقط، بشقيه السنّي والشيعي العلوي، من مصر إلى طهران مروراً بالضاحية والقرداحة. * كاتب سوري