تبدو حركة"حماس"في وضع لا تُحسد عليه بعد إطاحة الرئيس المصري محمد مرسي الذي شكل أملاً كبيراً لها بدعم حكمها لقطاع غزة الصغير المحاصر بين مصر وإسرائيل. وكان القطاع تعرض إلى حصار إسرائيلي شديد عقب سيطرة حركة"حماس"عليه بالقوة المسلحة عام 2007. وترافق هذا الحصار مع رفض النظام المصري في عهد الرئيس السابق حسني مبارك فتح معبر رفح بصورة طبيعية، وهو المعبر الوحيد الذي يربط القطاع مع العالم الخارجي، واشتراطه ذلك بإنهاء الانقسام. وأدى الحصار المزدوج على غزة إلى نقص حاد في السلع، خصوصاً مواد البناء، وإلى تردي جميع أنواع الخدمات، خصوصاً الطبية. وتنفست"حماس"الصعداء بعد فوز مرشح"الإخوان المسلمين"محمد مرسي في الانتخابات المصرية، أملاً بأن يعزز حكم"الإخوان المسلمين"لأكبر دولة عربية حكم فرع"الإخوان"في فلسطين، وبأن يجري فتح قطاع غزة بصورة كاملة على العالم الخارجي عبر مصر. لكن الرحيل المفاجئ للرئيس المصري، بعد عام فقط من حكمه، شكل صدمة كبيرة للحركة، وإرباكاً شديداً لتطلعاتها. وزاد من حدة هذه الخسارة أنها ترافقت مع خسارة الحركة لحلفائها القدامى في المنطقة، وهم سورية وإيران و"حزب الله"، ومع الاضطرابات التي واجهها حليفها الآخر الكبير في المنطقة، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأيضاً مع تغيرات في نظام الحكم في قطر، الحليف الآخر، والتي لم تتضح نتائجها بعد. والتزمت"حماس"الصمت إزاء التغيير الدراماتيكي الذي شهدته مصر، ووجهت تعليمات إلى جميع قياداتها وكوادرها بعدم الإدلاء بأي تصريحات في هذا الصدد. وتقول مصادر في الحركة إنها تؤثر الصمت إزاء ما يجري في مصر خشية انعكاسه عليها. وقال أحد المسؤولين في الحركة:"الوضع في منتهى الحساسية، ومصر هي الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة، وفي حال أصدرنا موقفاً مما يجري، ومن النظام الجديد، فإن أهل غزة سيدفعون الثمن". وما يقلق"حماس"أكثر أن إقالة مرسي ترافقت مع حملة تحريض واسعة ضدها من جهات سياسية وإعلامية مصرية عدة، ما أدى إلى تحريض قطاعات شعبية واسعة ضد الفلسطينيين عموماً. وتبدي"حماس"، على نحو خاص، قلقاً من تداعيات"الزلزال"المصري على قطاع غزة. فكثير من الأوساط الفلسطينية بدأ يرى في إطاحة حكم"الإخوان"في غزة أمراً ممكناً بعد إطاحة حكم"الإخوان"في مصر. وفي الضفة الغربية، بدأ قادة وناشطون في حركة"فتح"يفكرون جدياً في تحدي حكم"حماس"في القطاع وإسقاطه. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة"فتح"توفيق الطيراوي:"ما حدث في مصر يشكل بداية نهاية الإسلام السياسي في الوطن العربي". وأضاف:"الإخوان فشلوا في مصر، وفشلوا في غزة، والجمهور الفلسطيني سيتحرك ضد حماس كما تحرك الجمهور المصري ضد مرسي". وتراهن"فتح"على الشارع في غزة للتحرك ضد حكم"حماس". وقال الطيراوي:"لا يمكن أن يقبل الشارع الغزي بقاء حكم حماس إلى الأبد". ويعترف بعض المسؤولين في"حماس"بأن التظاهرات الشعبية الواسعة ضد مرسي ربما تفتح شهية البعض لتكرارها في غزة، لكنهم يقولون إن الواقع في غزة يختلف عنه في مصر. وقال مسؤول رفيع في الحركة:"حماس قوة سياسية وعسكرية كبيرة في غزة، ولا يوجد لها منافس فعلي، فهي تدير أجهزة الأمن وكتائب عز الدين القسام، والمعارضة، وهي فتح مفككة، لا توجد لها قيادة ولا قدرة على الفعل". ويعترف الطيراوي بأن حركته من دون قيادة في غزة، لكنه يقول إن الرهان هو على الشارع. وكانت فرص المصالحة الفلسطينية تراجعت بصورة لافتة بعد إطاحة مرسي. فحركة"فتح"التي ترى أن غياب مرسي يضعف"حماس"، بدأت تظهر تشدداً في مطالبها من أي مصالحة مع"حماس"، فيما بدأت الأخيرة التي ترى أن غياب مرسي يفتح شهية"فتح"للمزيد من المطالب، تظهر تشدداً لافتاً في مطالبها أيضاً، ما يبعد فرص المصالحة.