قد تكون مالالا يوسفزاي من أشهر الطلاب في العالم قاطبةً، لكنها معلّمة أيضاً. وستحتفل مالالا في هذا الشهر بعيد ميلادها السادس عشر، حين ستحلّ بالأممالمتحدة محمّلةً برسالة مهمة في موضوع التعليم، ولا سيما تعليم البنات في كل أنحاء العالم. ومالالا هي تلك الفتاة الباكستانية الشجاعة التي دأبت على شن حملات للذود عن الحق في التعليم، والتي استهدفها رصاص المتطرفين وهي في طريقها إلى المدرسة. وبعد قضاء فترة علاج طويلة، ها هي تعود إلى سابق نهجها، مصمّمة على مواصلة إسماع صوتها. وفي يوم 12 تموز يوليو، سينضمّ إلى مالالا مئات الطلاب، قادمين من أكثر من 80 بلداً، لحضور جمعية عامة للشباب فريدة من نوعها، سيتبوأ خلالها الديبلوماسيون المقاعد الخلفية بينما يتسلم الشباب مقاليد الأمور في الأممالمتحدة. والغرض من التئام جمعهم هو إصدار نداء عالمي لكفالة تعليم رفيع الجودة للجميع. فالتعليم حق أساسي، بل هو هدف من الأهداف الإنمائية للألفية، يتسم بأهمية بالغة في إرساء التفاهم المتبادل وترجمة مفهوم المواطنة العالمية إلى واقع ملموس. ومعظمنا لم ينهل هذا الدرس بين دفتي كتاب، وإنما استقاه من وحي واقعه المعُاش. فعندما طال الدمار مدرستي في كوريا الممزقة من جراء الحرب، كنت لا أزال طفلاً يافعاً. وكانت مدرستي تقع في العراء، لا يحميها سوى ظل شجرة. ولئن كان نصيبنا من القوت زهيداً، فإن نَهَمَنا إلى العلم كان كبيراً. وكان آباؤنا وحكومتنا على بيّنة من قيمة التعليم، فأحدَثَ ذلك الإدراك تغييراً جذرياً في حياتي وحال بلدي. لهذا السبب، قمت بإطلاق المبادرة الأولى للتعليم العالمي، التي ترتكز على ثلاث أولويات، هي إلحاق كل طفل بالمدرسة، وتحسين جودة التعليم، وتنشئة الأطفال ليكونوا مواطنين عالميين. وبرغم ما تحقق من مكاسب مهمة، ما زال الطريق طويلاً أمامنا لبلوغ أهدافنا التعليمية. فاليوم، بلغ تعداد سكان العالم من الشباب أعلى معدلاته في التاريخ. لذلك، لا بد أن نحسن استغلال هذا الرصيد الهائل من المواهب والطاقات والأفكار. لكن ما زال ثمة 57 مليون طفل محرومين من فرصة الالتحاق بالمدارس الابتدائية، والكثير منهم يعيشون في بلدان تتخبط في أتون النزاعات. وهناك أكثر من 120 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والأربعة وعشرين ربيعاً يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة الأساسية، ومعظمهم من الفتيات. وفي سوق عمل يشهد تطورات سريعة، يغادر عدد كبير جداً من الشباب المدرسة من دون التزود بالمهارات اللازمة لكسب الرزق. وفي عدد كبير جداً من الأماكن، تتعرض الطالبات من أمثال مالالا ومعلّماتها للتهديد والاعتداء، بل وحتى القتل. ولقد كشف المتطرفون من خلال أعمالهم التي تنضح بكراهية شديدة عن الكابوس الذي يقض مضاجعهم، ألا وهو فتاة تتأبط كتاباً. فلا بد إذاً أن نبذل كل ما بوسعنا لكي يعم السلامة والأمن كل دور العلم. فالذهاب إلى المدرسة لا ينبغي أن يكون ضرباً من ضروب الشجاعة في أي بقعة من بقاع العالم، سواء بالنسبة إلى المعلّم الذي يلقّن العلم أم الفتاة التي تسعى إلى التحصيل. وعندما تحصل النساء والفتيات على العلم، فإنهن يدفعن عجلة التنمية إلى الأمام داخل أسرهن ومجتمعاتهن المحلية على السواء. ومقابل كل سنة إضافية من التعليم، تزيد الطفلة دخلها في المستقبل بنسبة تصل إلى 20 في المئة. وهناك العديد من الإحصاءات الأخرى التي تشير إلى أهمية التعليم. فبفضله تنمو الاقتصادات، وتتحسن الصحة، وتصعد الأمم مدارج الرقي. غير أنني أستقي معلوماتي أيضاً من الإنصات إلى الناس وهم يعربون عن طموحاتهم. فحيثما تقودني أسفاري، أبادر إلى سؤال النساء والرجال عما يمكن أن تفعله الأممالمتحدة من أجلهم. وكثيراً ما يرددون على مسمعي الرد نفسه الذي سمعته من قبل، ألا وهو التعليم. ففي مخيمات اللاجئين، يقولون لي: "أرجو أن تبذل ما في وسعك لكفالة عودة أطفالي إلى المدرسة". وفي البلدان التي ضربها الزلزال أو عصفت بها كوارث أخرى، يلحّون قائلين:"لا تنشغل بحالي. بل بادر إلى إعادة بناء المدارس ليتمكن أطفالي من التعلم". ولا غرو، فالتعليم هو السبيل إلى إنقاذ الأرواح، وبناء السلام، وتمكين الشباب. ذلك هو الدرس الذي تسعى مالالا والملايين من أمثالها إلى تلقينه للعالم. ولا بد للشركاء الدوليين والحكومات من الاستماع إليهم واتخاذ ما يلزم من إجراءات لترجمة أقوالهم إلى أفعال. وفي الوقت الذي يعمل المجتمع الدولي من أجل التعجيل بتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية وإعداد خطة التنمية لما بعد عام 2015، يجب علينا أن نكفل تحقيق ما يخامر أفئدة أطفالنا من أحلام وطموحات لبناء مستقبل أفضل. * الأمين العام للأمم المتحدة