تزامن مهرجان المربد الشعري في دورته العاشرة مع ذكرى مرور عشرة أعوام على احتلال العراق ووسط أجواء كريهة تنذر بتكرار الحرب الأهلية التي اشتعلت في العام 2006 ولم تنطفئ جذوتها حتى الآن . المهرجان الذي حضره شعراء من العراق ومن خارجه استطاع هذه المرة وخلال أيامه الأربعة أن يعيد التوازن إلى طبيعة التنظيم والجلسات الشعرية التي طالما تشظت في الدورات الماضية بفعل الصرامة التي كانت عليها الجهة التنظيمية وعدد الشعراء المشاركين في كل جلسة. الحكومة المحلية في مدينة البصرة التي يقام على أرضها المهرجان ساهمت في تقديم المساعدة لجعل المهرجان اكثر تنظيماً حين استضافت الشعراء في فندق الشيراتون وقاعاته التي وفرت على المنظمين عناء الانتقال من الفنادق إلى القاعات، كما كان يحصل في الدورات السابقة. أما وزارة الثقافة فدعمت المهرجان مادياً من دون أن تتدخل في عمل اللجنة العليا المشرفة على المهرجان. طاهر الحمود وكيل وزارة الثقافة أوضح في كلمته المختصرة عن استعداد الوزارة لدعم النشاطات الثقافية في العراق من اجل استعادة الثقافة العراقية وجهها الذي شوهته الحروب والنعرات الطائفية والفوضى. الكلمة كانت أشبه بدعوة غير معلنة للمصالحة بين الوزارة والمثقف العراقي الذي طالما اشتكى من التهميش والإقصاء. توزعت أيام المهرجان في برنامجه الواسع على عدد كبير من النشاطات الجانبية بالإضافة إلى الشعر. فكان هناك معرض تشكيلي مشترك لفناني البصرة ضم أكثر من ستين لوحة ومعرض للصور الفوتوغرافية لعدد كبير من الفنانين وعرض مسرحي وأخر موسيقي. لم ترتق هذه النشاطات الجانبية إلى الاحترافية التي كان ينتظرها الجمهور، فكانت كما لو أنها أعدت على عجل. في الجلسة الافتتاحية أشار الناقد فاضل ثامر رئيس اتحاد الأدباء إلى تخلي الوزارة عن دعم المهرجان، ما أثار استياء وكيل وزير الثقافة السيد طاهر الحمود الذي اضطر إلى التوضيح بأن الوزارة لم تتخل عن دعم المهرجان، والسبب في قلة ما رصد للمهرجان يعود إلى أن الحكومة المحلية في البصرة تحملت جانباً من هذه التكاليف حين ساهمت في استئجار الفندق وفي تكاليف الطعام. ثم قرأ عدد من الشعراء العراقيين المعروفين كأسماء راسخة، لكنّ نصوصهم لم تقدم ما يوازي الأحداث الجسيمة التي مرت في العراق طيلة الأعوام العشرة الماضية، واكتفت بالإشارة إليها من دون أن تدخل إلى عمق هذه الأحداث خصوصاً أن المهرجان تزامن مع الذكرى العاشرة للاحتلال. في الجلسات الأخرى تقرر أن يقرأ في كل جلسة عشرة شعراء لا أكثر وأن لا تزيد كل قراءة عن نص واحد طويل أو عدد قليل من النصوص القصيرة من أجل الحفاظ على إيقاع الجلسات، كيلا تتكرر الفوضى التي كانت سائدة في الدورات الماضية. ونجحت اللجنة العليا للمهرجان من خلال هذا التدبير في إخراج المهرجان من سياقاته التقليدية. قدم المهرجان في هذه الدورة عدداً من الشعراء والشاعرات الجدد الذين ظهروا بعد التغيير للاستماع إلى التجارب الجديدة في المشهد الشعري العراقي مثل الشاعرة لمياء الربيعي وهنادي جليل والشاعر أحمد عبد السادة وميثم الحربي من بين سبعة أو ثمانية أصوات جديدة شاركت في المهرجان انطوت تجاربهم الطرية على فكرة الضياع والغربة داخل الوطن والخوف من المجهول وعدم الشعور بالأمان في بلد السيارات المفخخة واللصوص. قلة من الشعراء العرب حضروا المهرجان من مثل الشاعر المصري محمد آدم الذي أدمن الحضور إلى العراق للمشاركة في مهرجاناته، وهناك شاعرة شابة حضرت من البحرين اسمها سوسن دهنيم تناولت في نصوصها القصيرة ما جرى في البحرين من أحداث الربيع العربي بالإضافة إلى شاعرة لبنانية تعيش في العراق هي فاديا الخشن لم يسمع أحد بها من قبل. والجدير ذكره هو حضور الكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، ودعي خلال تواجده في البصرة إلى أكثر من مهرجان قادم في العراق. من أهم المعطيات التي يمكن أن يلمسها المرء في هذه الدورة هي حالة الاتزان في التنظيم التي ظل يفتقدها المهرجان في دوراته السابقة وبادرة الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة بالسعي إلى المصالحة بين المثقف والسلطة بعد نصف قرن من الديكتاتورية وعشرة أعوام من الاحتلال وهيمنة السلطة الأصولية وميليشياتها، ثم صوت المثقف الذي لم يعد يخاف من السلطة ولا يستجيب لضغوطها كما كان يحدث في الماضي.