أصبحت عبارة"العالم قرية صغيرة"علماً على رؤية وحقبة وحزمة تحولات، في مقدمها ثورتان، إعلامية واتصالية، نجحتا في إعادة تعريف الكثير من الظواهر الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأمنية، وإعادة التعريف - في بعض الأحيان ? أخذت شكل انقلاب جذري. في المقابل لم تزل نخب في عالم الجنوب/الشرق، تسير بفكرها في مسار معكوس تنظر فيه إلى"القرية"بوصفها"العالم". وعندما يتواجه المساران المتعاكسان تبدو المفارقة بين عالم يتقدم بقوة ? لا تخلو من شراسة ? وعالم يقاوم بشجاعة لا تخلو من أوهام قاتلة. وفي منتصف أيار مايو الجاري حضرت في مراكش المغربية مناقشات"منتدى فالداي"الحواري الدولي الذي تنظمه جهات عدة بعضها تابع لوزارة الخارجية الروسية، وفي المنتدى هناك نوع من المواجهة بين المسارين المتعاكسين، وكانت نقطة اللقاء/ الصدام إصرار أحد الفريقين على أن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء هو الحل الوحيد لمشكلات العالم، وصولاً إلى تمني عودة الحرب الباردة أملاً في الهرب من نار التحولات العاصفة في العلاقات الدولية بالاستراحة ? ولو لفترة ? تحت مظلة صراع ثنائي القطبية مجدداً. وفي حوار تلفزيوني أجريته مع الدكتور فيتالي نعومكين لقناة"الاتجاه"الإخبارية العراقية، أكد الرجل بوضوح أن روسيا لا تستطيع ولا تريد منافسة الولاياتالمتحدة أو مواجهتها، وكان بذلك يرد ? ضمناً ? على دعوة البعض لأن تعود مرة أخرى للعب دور في القضية الفلسطينية من منطلق أخلاقي وإنساني، والجدير بالملاحظة هنا أن الدعوة أطلقها علماني قاموسه السياسي براغماتي إلى أقصى حد. ومن مفارقات"منتدى فالداي"المترتبة على هذا الاحتكاك بين النقيضين المشار إليهما إصرار مثير للدهشة على أن"المؤامرة"الخارجية ? منفردة ? هي، وفق قناعاتهم الراسخة، ما يصنع واقع المنطقة كما صنع تاريخها، وأن تغيير سلوك الولاياتالمتحدة ودفعها للخروج من المنطقة سيؤدي"فوراً"إلى ميلاد العالم الفردوسي المنشود الذي نتمناه منذ ما يقرب من قرنين. وهذه الريفية السياسية ما زالت - رغم هزيمتها أمام ثورات الربيع العربي ? تتحكم، وهي تسير نحو نهايتها، في قسم لا يستهان به من الخطابين السياسي والتحليلي في العالم العربي، وهي بينما ترفع راية مقاومة العملية التاريخية التي تلخصها عبارة"العالم قرية صغيرة"، تحاول ? سواء أدركت أو لم تدرك ? أن تفرض قيم القرية على العالم، بحيث تصبح القرية هي العالم. * كاتب مصري