الرئيس الدكتور بشار الأسد، ترددت طويلاً قبل ان أكتب رسالتي هذه، فلقد كنت على شبه يقين انك لا بدّ من ان تجد طريقاً للخلاص من الحالة الشعبية المنتفضة، بسلام يحفظ لسورية كرامتها ووحدتها ويردّ لشعبها بعضاً مما أعطاك وأمله فيك قبل تولّيك الرئاسة وبعدها. وقد استندت في هذا الى تكوينك الشبابي الحداثي، ودراستك العلمية، واطّلاعك على تجارب العالم المعاصر، وزواجك من سيدة انكليزية من أصل سوري تنتمي الى عائلة محترمة من حيث الأب والأم، ومن مدينة حمص قلب سورية النابض بالحيوية والعطاء الوطني التي احتضنت رفات خالد بن الوليد وقدّمت مناضلين وطنيين قادوا مسيرة التحرر والبناء والتقدم. قبل ان أبدأ رسالتي، اسمح لي ان أقدّم نفسي لكم، تعريفاً مختصراً: أنا مواطن عربي سوري آمنت بدور لسورية طليعي في بناء وطن عربي حر متقدم وموحّد في ظلّ حياة ديموقراطيّة تظلّلها عدالة اجتماعية. وفي سبيل ذلك، عملت مع والدكم الرئيس الراحل حافظ الأسد ضمن مجموعة من الرفاق المؤمنين بالاهداف نفسها وواجهنا قوى متحزّبة متعصّبة لا ديموقراطية، فدعمنا الحركة التي قادها والدكم في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1970، وعلى رغم الصعوبات التي واجهت المسيرة، والتغيّرات التي رافقت الحركة بسبب طبيعة السلطة واغراءاتها، بقي الامل في ان تبقى سورية مركزاً عربياً معطاء للسوريين وللعرب بعامة، وبقيتُ مؤمناً بذلك، صامتاً عن كثير من الاساءات الشخصية والعامة التي ظهرت في الحياة السياسية السورية وانعكاساتها السلبية، بخاصة ان غالبية الاقطار العربية تعيش حالات مشابهة او أسوأ. كما حرصت على المحافظة على تاريخ عملي في مواقع هامة في السياسة والادارة والنشاط النقابي، اضافة الى التدريس الجامعي. وعند وفاة والدكم والحالة التي وصل اليها البلد والتي رتّبها الوالد مسبقاً، وحرصاً على أمان سورية وتقدمها، وبحكم ما كنتَ تُظهره من مواقف وأفكار سياسية منفتحة، وتشجيع لمجموعة اعلان دمشق، وما كنت تتحدث فيه امام اعضاء الجمعية السورية للمعلوماتية، فقد تفاءلتُ مع كثيرين غيري بمقدمك ورئاستك، وترشيح نائب الرئيس لك، على رغم مخالفتها للأصول الديموقراطية والنظام الجمهوري وفكر حزب البعث الذي كان قد فقد دوره وتحوّل الى اداة استخباراتية وسلطوية. ومع تقدم فترة رئاستك كان تراجعك عمّا كنت تُعلنه ورفعك الحصانة عن بعض أعضاء مجلس الشعب، الذين انتقدوا مظاهر الفساد في الادارة الحكومية التي تتمتع برعايتك، لدرجة اعتقالهم وتعذيبهم وإهانتهم. لقد اتضح ان مباذخ السلطة والنفاق المصلحي من المحيطين والمقربين والمستفيدين والعلاقات مع المتموّلين العرب وهداياهم، والاستقبالات الدولية لكم ولزوجتكم، قد أنستكم الكثير من البرامج والخطط التي وعدت بها. وقد أعلنت ذلك في خطابك في مجلس الشعب بعد بداية الاحداث مبرراً تأخّر التنفيذ بانشغالات غير مقنعة من الجانب السياسي. وعلى رغم قصور واضح في المفهوم السياسي لمعالجة الأحداث، ومع تطورها، بقيتُ آملُ بالعودة الى تكوينك المأمول بالاخلاص الوطني، وبالتالي بالبحث عن طرق للخلاص الديموقراطي، بحيث تتحول الى نموذج للأثرة والانتقال السلمي للسلطة. لكن ما حدث كان مخالفاً لكل توقّع، وتم الاعتماد على قوالب جاهزة من الاتهامات. وكأنك كنت تتعامى عن حقائق الأمور، معتمداً على نصائح المقرّبين وتقارير الاستخبارات وقوةٍ عسكرية تمّ تجييش غالبيتها مصلحياً وطائفياً بمزيد من الاسف، حتى وصل الامر الى تدمير لم يسبق أن شهدته سورية او اي دولة في العالم على يد حكامها الوطنيين، لا دفاعاً عن سلطة او حكومة شرعية او غير شرعية. فالسياسة الشرعية لها قيودها وشروطها، واتهام المنتفضين بأنهم عصابات ومرتزقة طريقة لم تعد مقبولة أو مجدية، بخاصة إذا اتُهمت شريحة واسعة من الشعب كما هو الحال في ما يحدث منذ سنتين. وهذا إذا تأدّى عن ذلك قتيل أو أكثر، فما بالك وقد قتل عشرات الألوف وشرّد الملايين ودمّرت المدن والبلدات والقرى والمزارع والمصانع وقوى الجيش الذي ضحّى الشعب السوري بموارده من اجل تأهيله كي يدافع عنه ويحرّر اراضيه المحتلّه؟ انّ ما يحدث في ظلّ رئاستك للقوات المسلّحة وللعمل السياسي الحكومي يجعلني على يقين بأنك لم تعد بشار الاسد الذي تفاءلنا به وبحداثته وبما أعلنه من أفكار للتحديث والتطوير. إنّ شهوة السلطة التي تربيّت عليها وملذّاتها في ظل ديكتاتورية مطلقة ومستشارين منافقين ومقرّبين من الاقارب لا يشبعون يسترجعون طريقة الوالد وظروف حكمه واستعادته للسيطرة بعد اهتزاز... كل ذلك فعل فعله السلبي عندكم وانتصر على ارادة التحديث والتغيير السلمي والتوجّه الديموقراطي لسورية المستقبل، فأدخلتها في محرقة وجعلتها لعبة في يد الغرباء عنها وصرت انت خاضعاً لإرادات خارجية دفاعاً عن قراراتك وشخصك، في الوقت الذي تستهجن استماتة المعارضين لك في طلب مساعدة الخارج، وكأنك تبيح لنفسك ما ترفضه لغيرك متجاهلاً موقف الغالبية والرأي العام العربي والدولي خارج اطار الرأي الطائفي الذي اصبح الاساس لديك ? مضطّراً اليه -، بسبب ما حشرت به حُكمك وطريقة معالجتك الدموية. أعود لأقول انّ قراءة التاريخ السياسي السوري وسيرة الزعماء الوطنيين السوريين وتعاملهم مع الأحداث الصعبة لحماية امن سورية وشعبها ولحمتها الوطنية، هي الرجاء الوحيد في ما تبقى من الوقت لكم. وأولُ أمرٍ أتمنى حمايته هو في إبعادِ أبناء الطائفة العلوية الهامة في النسيج السوري، عن حالة العداء للغالبية من افراد الشعب السوري، وتخفيف حالة الحقد الذي يسترجع أحداثاً تاريخية لا دخل لأحد من الاجيال الحالية بها، كما يبقيهم على أوهام امكانية استمرار الفساد وفوائده، مما اكتسبوه ظلماً وعدواناً منهم وعليهم. المطلوب والأمل والرجاء، هو في المشاعر السورية الحقيقية عندك وأسرتك وزوجك وأولادك وعشيرتك من الجبل والساحل السوري الى الجزيرة والفرات وشمال سورية ووسطها وجنوبها والى المهجّرين في لبنان والاردن والعراق وتركيا - التي ارتبطت معها بزيارات وصداقات ومصالح، كما دولة قطر الشقيقة التي لم تبخل عليكم - والى جميع المهجّرين في أرجاء العالم الواسع الذين يناجون المولى ان يهديكم سواء السبيل والمخرج وأن يحمي سورية ويحقق آمال شعبها. * كاتب سوري