رسم الخطوط العريضة للاقتصاد الإيراني في العام المقبل، الذي يبدأ في 21 الجاري، عسير بسبب الغموض الذي يلف الموازنة الجديدة التي تقدم بها الرئيس أحمدي نجاد إلى مجلس الشورى. والغموض هذا يحمل المراقب على توسل التكهنات عوض الأرقام والوثائق. فمنذ انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية، أي منذ ربع قرن، لم تشهد إيران مثل ما يعصف بها اليوم: أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية. في 1996 بلغت نسبة التضخم 49.4 في المئة، والبطالة نحو 10 في المئة، أما النمو الاقتصادي، فبلغ 5.4 في المئة، وحجم صادرات النفط والغاز 14.6 بليون دولار. ولا يتوقع نشر الأرقام الاقتصادية الرسمية للعام الحالي في القريب العاجل، ولكن يمكن استنتاجها من تصريحات المسؤولين. وأعلن محافظ البنك المركزي وغيره من المسؤولين، أن نسبة البطالة فاقت 13 في المئة، وأن نسبة النمو الاقتصادي كانت سلبية، في وقت بلغ حجم مبيعات ايران من النفط والغاز والمشتقات النفطية الكيماوية 90 بليون دولار. والقراءة الأولية لهذه الأرقام تُظهر أن الاقتصاد الإيراني في 1996 كان في حال أفضل. واستناداً إلى 3 مؤشرات اقتصادية، التضخم والنمو الاقتصادي ونسبة البطالة، يتوقع المراقب أن تواجه إيران مشكلات خطيرة العام المقبل. وعلى رغم اختلاف تفسيرات هذه الظاهرة، الثابت أن سوء الإدارة في المؤسسات التنفيذية والعقوبات الاقتصادية المترتبة على البرنامج النووي هي أبرز العوامل وراء مثل هذه الأوضاع الاقتصادية الشاذة. ولا أريد أن ادلي بدلوي في جدل الأسباب وراء التدهور، وهل تعود إلى سوء الإدارة أم العقوبات، فالمؤشرات تدل على أن الحكومة تريد ألاّ يحيد الاقتصاد الإيراني عن سكة النهج الحالي، ولو بلغ السلطة رئيس جديد في حزيران يونيو المقبل. والنهج هذا قوامه سياسة نقدية توسعية، ودعم اقتصاد المواطنين نقدياً عوض دعم الاستثمار، وضخ الأموال في السوق، والاعتماد على الاستيراد عوض تحفيز الصناعة الداخلية. في مجال السياسة الخارجية، والحوار مع المجموعة الغربية 5+1، لا يمكن حمل الابتسامات والتصريحات المتفائلة إثر اجتماع كازاخستان، محمل الجد. فالنتائج الإيجابية المفترضة لا ترتقي إلى مصاف رفع العقوبات واستئناف العلاقات الديبلوماسية مع الدول الغربية. وعودة نِسَب تصدير النفط الإيراني الى مستوياتها السابقة تقتضي أشهراً. وتسعى طهران إلى تصدير 5.2 مليون برميل نفط يومياً، سواء استوردتها الدول الغربية أم لا. لكن مما لا شك فيه أن أسعار النفط في السوق العالمية لن تبقى 110 دولارات للبرميل كما في آذار مارس 2012. وانخفاضها يؤثر على عائدات إيران من النفط قياساً إلى السنوات السابقة قبل تنفيذ سياسات المقاطعة الغربية. ويؤثر كذلك في الاقتصاد الإيراني العام المقبل، الحراك السياسي الداخلي الذي يدور حول المصادر الاقتصادية، والانتخابات الرئاسية. والعاملان هذان يؤثران في الأزمة الاقتصادية والحوار الديبلوماسي. لذا، ترجح كفة التوقعات السلبية للأداء الاقتصادي العام المقبل، والمؤشرات كثيرة إلى عام عسير اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. مسيرة التضخم في البلاد التي بدأت منتصف العام الحالي، لن تبقى على حالها إلى منتصف العام المقبل، فالموازنة الجديدة تعزز السياسة النقدية التوسعية، وتشير المؤشرات إلى عجز فيها، وتقدر نسبة التضخم المرتقبة بين 30 و35 في المئة. وباستثناء قطاعي الزراعة والخدمات، سيصيب الركود القطاعات الاقتصادية، أو يخبو فيها النمو، ويبقى سلبياً. والقيمة المضافة في مجال النفط ستزداد بسبب قلة الاستثمارات وليس بسبب قرارات المقاطعة. أما القطاع الصناعي، فينتظره النمو السلبي على صعيد القيمة المضافة. وينكمش الاقتصاد الإيراني 3 أو 4 مرات قياساً إلى الفترة التي تلت الحرب مع العراق. ولا يخفى أن وراء دوران عجلة الاقتصاد الإيراني بين 2007 و2009 الاستثمارات الكبيرة التي بادرت إليها الحكومات السابقة في مجال البنى التحتية، لكنها توقفت جراء السياسة الحكومية الحالية التي أدت إلى ركود كبير لم تشهده ايران في تاريخها. والنمو الاقتصادي يحتاج إلى استقرار سياسي وتغيير في السلوك السياسي الاجتماعي الأمني في البلد، لكي تنعقد ثماره في السنوات اللاحقة. إعداد حمد صالح صدقيان