قبل أيام قليلة استطاع معاذ أن يجري عملية جراحية ليعيد وصل أحشاءه المتقطعة، انتظر 10 أشهر، ترك ليالي طويلة من دون علاج، حتى يئس من حوله من شفائه لخطورة الإصابة. 19 طلقة نارية خرقت جسده أطلقها قناص من الجيش النظامي عندما كان يمر مع رفاقه في طريق التفافية بالقرب من الزبداني في ريف دمشق. سقط من الطلقة الأولى وفرّ الآخرون خلف الجدار، فشلوا في إنقاذه من سطوة القناص فاسترسل الأخير في إطلاق رصاصة تلو الأخرى حتى كاد أن يجهز عليه. تركوه ظناً منهم أنه فارق الحياة ولينجوا بأنفسهم من المصير ذاته، وما زال الموت يدنو منه حتى جاؤوا في اليوم التالي وانتشلوه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. أدخل معاذ غرفة داخل مستشفى حكومي في منطقة مضايا باسم غير اسمه الحقيقي ومكث فيها 3 شهور، كان من الصعب على ذويه أن ينقلوه خوفاً على سلامته حتى تحسنت صحته قليلاً، ثم سارع رفاقه بنقله إلى مجدل عنجر في البقاع داخل لبنان. بقي هناك 3 اشهر أخرى ثم أخذ إلى مركز الأبرار لنقاهة الجرحى في طرابلس شمال لبنان ليكمل مسيرة شهرين آخرين من الانتظار إلى أن استطاعت والدته تأمين تكاليف العلاج الباهظة. تقول والدته إنّ زوجها اضطر إلى بيع سيارته والاستدانة من أقارب له للتعجيل بعلاجه. في منطقة زيتون أبي سمراء وعلى بعد كيلو مترات شرق مدينة طرابلس يقيم عشرات من جرحى الجيش الحر، اضطروا للخروج بحثاً عن العلاج بعد اشتداد المعارك. وصل 60 منهم إلى مركز الأبرار لكن آخرين تعذر استقبالهم بعد امتلاء المركز. أبو محمد جريح من حمص حظي بسرير منذ شهرين تقريباً لكنه لم يحظ بعلاج لساقه المكسورة والمتورمة، خاطر بحياته ليعالج قدمه. عندما قطع الحدود استغرق نقله 25 يوماً بطريقة غير شرعية إلى أن وصل إلى مدينة طرابلس. طوال مدة الانتظار كان يشعر بالذنب لأنه رضي بالمجيء إلى لبنان تاركاً أهله وبلده. يقول أبو محمد :"أنا أريد العلاج فقط، فليجروا لي عملية وليرموني خارج المركز وأنا تحت التخدير". يكابد الجرحى آلاماً شديدة مع مرور الوقت وتأخر العلاج، يطرق الجريح رأسه متأملاً قدمه التي يتقلص طولها مع الأيام لعدم تلقيها العلاج اللازم، ويقول إن من يؤونه يخدعونه ويتسولون على ظهره، فكم من مرة جاء المشرفون وطلبوا تقريره الطبي ومن ثم أعادوه من غير أي يقوموا بإجراءات جديدة له. من الغرفة المقابلة خرج أيضاً الجريح بسام سويد حماه يشكو أيضاً من سوء العناية الطبية، ويتهم إدارة المركز بالتقصير في مداواة الجرحى، ويشير إلى أنهم يأخذون الأموال التي يجمعونها من المتبرعين والجمعيات الخيرية ولا يدفعونها لعلاجهم. ويقول سويد أن طبيبه الخاص نصحه بإجراء عملية ليده المصابة لتفريق الأعصاب المتداخلة، إلا أن الطبيب المعتمد من المركز قال له إن لا حاجة إلى عملية. ويؤكد بسام أن مستوى النظر والسمع في تراجع لديه جراء البارود الذي تناثر من حوله أثناء القتال، لكن الطبيب المتعاقد مع المركز أيضاً لم يوافقه الرأي، ويصرّ أن لا لزوم لفحوصات مخبرية. من جهة أخرى، أكد مدير مركز الأبرار أن نشاطه مقتصر على إيواء الجرحى ريثما يستكملون علاجهم، ويتكفل المركز فقط بالمنامة والطعام. وتتواصل الإدارة مع مستشفيات مثل الزهراء والمستشفى الحكومي في طرابلس وجمعيات خيرية لتأمين دخولهم المستشفيات وإجراء ما يلزم من عمليات جراحية. ويوضح المدير أنهم بصدد إنشاء صندوق جديد بالتعاون مع جمعية قطرية واللجنة الطبية لتنسيقيات اللاجئين السوريين في لبنان، لأن الصندوق السابق توقف عن كفالة العلاج لجرحى المركز بعد توقف الدعم عنه وتراكم الديون للمستشفيات بلغت 180 ألف دولار نهاية العام الفائت. يفكر كل من بسام وأبو محمد بالعودة إلى سورية لتأمين تكاليف العلاج ولو كان ذلك على نفقتهم الخاصة، ويفضل أبو محمد أن لا يحذو حذو رفاق له اضطروا إلى بيع سلاحهم غير آسفين ليحفظوا ما بقي لهم من أجسامهم وصحتهم لأن الأوقات تأخذ من أجسامهم وعقولهم. فصديقه المنشق من اللاذقية باع سلاحه عندما لم يجد أحداً يعينه. ويسلك الجرحى طرقاً غير شرعية لدخول لبنان والوصول إلى المستشفيات، تمتد لأسابيع أحياناً، يساعدهم عناصر من الجيش الحر بالعبور بخاصة عندما لا يكون بمقدورهم المشي أو الركض أحياناً، فخروجهم من المعابر الحدودية يعرضهم للاعتقال. في قريتي عرسال ووادي خالد الحدوديتين جرحى آخرون عالقون، ويعمل الصليب الأحمر وأحياناً أهالي تلك القرى على استقبال بعض الجرحى، ويجرون لهم الإسعافات الأولية، ثم يتصلون بالجمعيات والجهات المتبرعة إذا كان الجريح بحاجة إلى عمليات جراحية. وفي الشهور الأخيرة تعذر نقل عدد من المصابين إلى المستشفيات وعلاجهم كما يجب لعدم وجود جهات تتكفل بتغطية نفقات العلاج. ويؤكد القائمون على مداواة جرحى الجيش الحر أنهم لم يتعرضوا لأية مضايقات أو تهديدات أمنية بالرغم من وجود جهات وأحزاب لبنانية مؤيدة للنظام السوري. لكن ذلك لم يمنعهم من إجراء بعض الاحتياطات الأولية لحمايتهم، كمنع دخول غرباء أو صحافيين من دون إذن مسبق لمقابلتهم.