مقبرة الأعداء أحد عناوين هذه الصخرة التي هُزمت على أبوابها كل الحملات العسكرية عبر التاريخ، وكانت المكان الآمن لأي ثائر لجأ إليها وحققت له النصر في كل المعارك، حيث ساعدت ممراتها الوعرة والضيقة وكثرة كهوفها في تشكيل حصن يصعب على أي حملة عسكرية اقتحامها عبر دبابات أو أسلحة ثقيلة وأدت إلى مقتل جنود الغزاة نتيجة تشابه طرقاتها ومتاهاتها، الأمر الذي جعلهم صيداً سهلاً للثوار العارفين بكل شبر فيها. منطقة اللجاة السورية، وكما عرّفها الكاتب أمين البعيني، هي أرض صخرية تكونت من مقذوفات البراكين في المنطقة الممتدة شرقي سهل حوران بين محافظة السويداء ودرعا، وبعدما بردت تشققت وتكونت منها مسالك صعبة لا يعرفها إلا السكان المحليون ولا تتوافر فيها الأنهار، لكنها غنية بالينابيع وبالتالي كانت مكاناً قابلاً للعيش والاستيطان وقد سمّيت اللجاة نسبة إلى كلمة اللجوء لأنها كانت ملجأً لكل الثوار عبر العصور. الجيش السوري الحر... اللاجئ الجديد يقال في العامية السورية عن ارض اللجاة إنها لا تخيّب ظن من يلجأ إليها، ولهذا كانت الموطن الأهم لكتائب الجيش السوري الحر في الجنوب السوري حيث بدأ الثوار بالاختباء بها منذ بداية الثورة وقبل أن يدخل مرحلة الصراع المسلح. لجأ إليها كل الملاحقين من الأمن السوري بتهمة التحريض على التظاهر وتقديم المساعدات للمصابين، وعندما بدأ العمل المسلح حيث كانت المجموعات والكتائب قليلة العدد، كانت ارض اللجاة مركزاً مهماً لهم في توجيه ضربات لقوات النظام السوري في قلب مدينة درعا والعودة إلى اللجاة حيث تصعب ملاحقتهم وتعقبهم... ومع مرور سنة كاملة على الثورة السورية، ارتفع عدد الضباط والجنود المنشقين من جيش النظام السوري وانضموا إلى الجيش السوري الحر وانضم إليهم الكثير من المدنيين لتصبح اللجاة السورية من أهم القواعد العسكرية للجيش الحر، وبسبب طبيعتها الصخرية الوعرة من جهة وخبرة المقاتلين في طرقاتها تكبّد جيش النظام وأجهزته الأمنية الكثير من الخسائر أثناء محاولاتهم اقتحامها. مع نهاية شهر آذار مارس، شنّ النظام السوري حملة عسكرية هي الأقوى وبثلاث فرق ضخمة حيث دخلت الفرقة التاسعة من الجهة الشمالية والفرقة الخامسة من الجهة الجنوبية والفرقة 15 قوات خاصة من الجهة الشرقية، ورافقت هذه الفرق دبابات ومدرعات وكاسحات ألغام وطيران مروحي ونفاث مع قصف متواصل ومنظم، لكن هذه الحملة تعرضت لهزيمة كبيرة خسر فيها جيش النظام قسماً كبيراً من آلياته العسكرية، إضافة إلى ارتفاع القتلى بين صفوفه الذين حاولوا دخول اللجاة وضاعوا بين صخورها وطرقاتها وكانوا صيداً سهلاً للثوار، الأمر الذي أدى إلى تراجع الحملة وانكسارها والاعتماد على قصف الطيران النفاث ووضع قواعد عسكرية على جوانب قرى اللجاة تقوم بقصفها بالمدفعية في شكل مستمر حتى هذا اليوم من دون أن يؤدي هذا القصف الى تحقيق أي تقدم لجيش النظام. بالعودة إلى أيام حكم إبراهيم باشا لمصر وبعد سيطرته على سورية، توجه عدد من وجهاء مدينة السويداء إلى والي دمشق وطلبوا منه عدم إرسال أبنائهم للقتال في جبهات القتال وخصوصاً إلى مناطق بعيدة من موطنهم الأم سورية مقابل بدل نقدي، لكن الوالي قام بطردهم ورفض كل مطالبهم، الأمر الذي أدى إلى إعلانهم العصيان المسلح وتحصّنهم في منطقة اللجاة ورفضهم تسليم السلاح والمجندين من أبناء المحافظة حيث كان عدد المقاتلين الدروز لا يتجاوز ال 1600 مقاتل. وعلى أثر ذلك، أرسل إبراهيم باشا جيشاً مكوناً من ثمانية آلاف مقاتل ومعهم خمسمئة فارس مجهزين بالمدفعية باتجاه اللجاة حيث تحصن الثوار الذين قاموا باستدراجهم إلى داخل طرقاتها الوعرة واصطيادهم وقتل قائد الحملة وعدد كبير من الجنود الذين تناثرت جثثهم لأيام عدة، وغنم الثوار معظم الأسلحة والعتاد التي لعبت دوراً كبيراً في صمودهم حتى انسحاب جيش إبراهيم باشا من سورية. وفي فترة الاحتلال الفرنسي لسورية وانطلاق الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، أطلق عدد من الكتاب الفرنسيين على منطقة اللجاة اسم"قلعة الله"حيث عجزت طوال سنة كاملة عن هزيمة ثوار جبل العرب الذين تحصنوا بها على رغم كل الحملات عليها والقصف العنيف من الطيران والمدفعية، وكانت اللجاة المعقل الأخير الذي اعتصم به الثوار، وكان ثقل المعارك يدور في أطرافها، وقد تعرضت القرى المحاذية لها من جهة السويداء لأعنف الغارات الجوية والقصف المدفعي وعلى رغم ذلك صمد الثوار لفترة طويلة.