رمى اللقاء بين وزير خارجية تركيا، أحمد داود أوغلو، ونظيره الأرمني، إدوارد نالبانديان، في يريفان قبل أيام إلى إذابة الجليد عن مساعي استئناف العلاقات بين البلدين التي بقيت مجمّدة طوال السنوات الأربع الماضية. والخلافات لا يمكن أن تحل إلا من طريق الحوار وليس القطيعة، وحصول هذا اللقاء خطوة مهمة وإيجابية. فانتهاز الطرفين فرصة انعقاد اجتماع للتعاون بين دول البحر الأسود في أرمينيا من أجل عقد لقاء ثنائي على هامشه، يشير إلى وجود رغبة جدية لدى الطرفين في الحوار وحل المشكلات. وبادر الطرف التركي إلى هذا اللقاء وأعدّ له بصمت. واللقاء يعدل تعديلاً طفيفاً اتفاق التفاهم المبرم بين البلدين في زوريخ عام 2009 والذي يقضي بتطبيع العلاقات وفتح الحدود بين البلدين وتبادل التمثيل الديبلوماسي. وبقي الاتفاق حبراً على ورق، إثر اعتراض أذربيجان حليف تركيا في المنطقة. فطالبت أنقرةأرمينيا بالانسحاب من منطقة قره باغ الأذربيجانية كشرط إضافي للتطبيع، وهو ما رفضته يريفان فعُلِّق اتفاق 2009. وجاء تحرك أنقرة بعدما أدركت أن هذا الجمود في العلاقات لا يصب في مصلحة البلدين، وأن السعي إلى استئنافها سيساعد تركيا على مواجهة موجة كبيرة من الضغوط الدولية والاحتجاجات التي بدأ الإعداد لها من أجل حملها على الاعتراف بمذابح الأرمن في مناسبة ذكرى انقضاء قرن عليها في 2015. لكن تركيا كذلك تدرك أهمية العلاقات مع أذربيجان، وتؤيد موقفها إزاء احتلال أرمينيا إقليم قره باغ. وعليه، لا يتوقع انفراجات في هذا الإطار. ووراء التحرك التركي الأخير، الأخبار الواردة من مجموعة عمل مينسك ومفادها أن أرمينيا تعدّ للانسحاب من قطاعَين من سبعة قطاعات تحتلها في إقليم أذربيجان كبادرة حسن نيات مع خصمها الأذربيجاني. وإذا انسحبت فعلاً، تحرّرت تركيا من القيد الأذربيجاني ووسِعها تطبيع العلاقات مع يريفان. واللقاء الأخير بين وزيري الخارجية الأرمني والتركي هو خطوة صغيرة تشير إلى أن الأبواب مفتوحة لاستئناف مساعي تطبيع العلاقات إذا ذلّلت العقدة الأذرية. لذا يجب ألا نشيّد قصوراً من رمال ونتوقّع اتفاقات سرية بين تركياوأذربيجان. فالموقف التركي ثابت ومقيّد بالقضية الأذرية. وأرمينيا تجبه ملفاً شائكاً ولا مؤشرات إلى تغيّر حقيقي في موقفها من أذربيجان وقره باغ ، على رغم حاجتها الماسة اقتصادياً إلى التطبيع مع تركيا من أجل فك الحصار من الغرب وإنعاش اقتصاد البلاد. * محلل وكاتب، عن"مللييت"التركية، 15/12/2013، إعداد يوسف الشريف