"العودة إلى حمص"ليست فقط أمنية تجول في خاطر أهلها الذين دفعتهم وطأة الحرب إلى الفرار بعيداً من أرجائها، بل منتوج سينمائي اختاره مهرجان أمستردام الدولي لأفلام الوثائقية أيدفا ليفتتح دورته ال26 التي تتواصل أيامها من20 تشرين الثاني نوفمبر الجاري حتى 1 كانون الأول ديسمبر المقبل. الفيلم الذي يحمل توقيع المخرج السوري طلال ديركي ذي الباع في الأفلام الروائية القصيرة الناقلة لواقع سورية، وإنتاج مشترك للسوري عروة نيربية والألماني هانز روبرت آيزنهاور يحكي عن أحوال مدينة حمص منذ ثلاث سنوات مضت حتى الآن، هي عمر الثورة السورية. الفيلم يصور كيف تجبر الظروف شاباً على حمل السلاح بدلاً من البحث عن مستقبل واعد يضمن له حياة كريمة، وذلك من خلال شخصية حارس مرمى كرة قدم شهير يدعى عبدالباسط الساروت، الذي كان في العام الأول من الثورة رمزاً لسلميتها، إلا أن وطأة الحرب أفقدته الأمل في النضال السلمي ليشهر السلاح في وجه نظام يراه ديكتاتورياً فاسداً. اختيار"العودة إلى حمص"كفيلم افتتاح هذا العام لم يأت في ظل تصدر الخبر السوري للواجهة فحسب، بل رغبة من القائمين على المهرجان في تشجيع المشاركة العربية في فعاليته عقب سنوات طوال من الغياب أو التمثيل الضعيف، كسرتها موجة"الربيع العربي"التي أفرزت الكثير من الشرائط السينمائية الراوية لقصصها المتشابكة سياسياً وإنسانياً، ما شجع المهرجان على تخصيص دورته ال 24 لما سجلته الكاميرات العربية عن ربيعها. وبقائمة 291 فيلماً من مختلف أنحاء العالم، يحتفي المهرجان على مدار أحد عشر يوماً بانطلاقه ربع قرن جديد من عمره، 100 منها يتصدر شاشات العرض للمرة الأولى، فضلاً عما يتضمنه المهرجان من برامج متنوعة ما بين ندوات وحلقات حوارية حول صناعة الفيلم الوثائقي. المهرجان الذي يعد الأكبر والأشهر لأفلام الوثائقية أخذ على عاتقه منذ انطلاقته العام 1988 دعم المشاريع الواعدة، سواء مادياً أو معنوياً من خلال الانفتاح على تجارب سينمائية متنوعة خاصة في ظل ما يتحمله هذا الطيف السينمائي من طرح ثيمات متعددة، ما أثرى أقسامها المختلفة التي تندرج إلى المسابقة الرئيسة لأفضل فيلم تسجيلي طويل، ومسابقة أفضل فيلم متوسط الطول 30 - دقيقة التي تبلغ جائزتها 10 آلاف يورو، ومسابقة الفيلم الأول التي يرأس لجنة تحكيمها المخرج الانكليزي مارك آدامز وتبلغ جائزتها 5000 آلاف دولار، ومسابقة أفلام الطلبة وجائزتها 2500 يورو، ومسابقة الأفلام الهولندية، وجائزة الجمهور وقيمتها 5000 يورو، فضلاً عن مسابقة الشباب، التي تتكون لجنة تحكيمها من شباب صغار أعمارهم من 15 عاماً و ما فوق، ومسابقة"دوك لاب"لأفضل فيلم يطرح قضيته رقمياً بطريقة مبتكرة. أما العروض والبرامج التي تقام على هامش المهرجان، فتتألف من برنامج"أفضل أفلام المهرجانات"، المختص بعرض الأفلام التي حققت نجاحات في المهرجانات العام الماضي، وبرنامج"ماسترز"الذي يعرض أفلام مخرجي الوثائقيات الذاعي الصيت، وبرنامج"بانوراما"الذي يتناول أفلاماً عن قضايا اجتماعية وإنسانية، و"بارادوك"للأفلام التجريبية، و"الأطفال والأفلام الوثائقية"عن أفضل الأفلام التي تتناول قضايا الأطفال التي تعد نتاج ورشة يعدها المهرجان للمخرجين لتقديم طرح سينمائي عن الفكرة. ولدى المهرجان لجنة فحص مؤلفة من مختصين تتشكل سنوياً لانتقاء الأفلام الراغبة في المشاركة، حيث تهتم اللجنة بمراعاة التنوع الجغرافي وإسهام تيارات سينمائية مختلفة، وهو ما يفسر تبني المهرجان هذا العام لبرنامج"أصوات ناشئة من جنوب شرقي آسيا"المؤلف من 14 فيلماً وثائقياً من ميانمار بورما وتايلاند وفيتنام وكمبوديا وماليزيا وسنغافورة وأندونيسيا، وستتبع عرض كل فيلم حلقات نقاشية في حضور صنّاعه. منتدى أيدفا الذي سيقام من 25 الى 27 تشرين الثاني نوفمبر يعد أحد أهم الأسواق للتمويل المشترك وإنتاج الأفلام الوثائقية. خمسون فيلماً تم اختيارها للمنتدى هذا العام، معظمها من أوروبا، تليها حضوراً الولاياتالمتحدة والصين وكوريا الجنوبية واليابان. وسيعقد حفل توزيع الجوائز على الأفلام الفائزة في ال 29 من تشرين الثاني. وكما هو الحال في السنوات السابقة، للأفلام الوثائقية الموسيقي مكانتها الخاصة في المهرجان، بواقع 16 فيلماً وثائقياً تتنافس على جائزة الجمهور. كما سيتم تقديم ثلاثة برامج مشتركة مع المعهد الهولندي للصوت والصورة حيث ستكون مجموعة مختارة من الأفلام الوثائقية الكوميدية محور النقاشات، فضلاً عن ثمانية أفلام عن الحرب العالمية الأولى تم إنتاجها بين عامي 1917 و1928، تأتي من هولندا وبلجيكا وألمانيا والمملكة المتحدة، تحت عنوان"الحرب العالمية الأولى: أول حرب على الشاشة"، وتأتي بالتعاون مع الباحث ديفيد بارنوو من معهد"نيدو"للحرب، ومؤرخ وسائل الإعلام بيرت هوجينكامب من المعهد الهولندي للصوت والصورة وأليف روجين كايناكي من قسم الفيلم الصامت في المعهد الهولندي للسينما.