قليلة ونادرة هي الصحف العربية التي تساير قفزات الصحافة في عالم اليوم، بوصفها المقدمة الضرورية للتقدم الفكري والسياسي. ولا مبالغة إذا ما قلنا إن"الحياة"واحدة من الصحف العربية القليلة والنادرة التي تخطت حاجز التخلف الصحافي والإعلامي في الوطن العربي، وأنها نجحت بمتابعتها الشأن اليومي وتداعياته، كما نجحت في تنويع المادة الصحافية وإخراجها بطريقة متميزة نفتقدها كثيراً في صحافتنا العربية. ويمكن القول إنه حتى أولئك الذين لا تروق لهم بعض المواقف التي تتخذها"الحياة"في تغطيتها للأحداث فإنهم لا يجدون بداً من متابعتها وإبداء الإعجاب بهذا المستوى من التنوع، ابتداءً من صوغ الخبر إلى التعليق، ومن الرأي والرأي الآخر إلى صفحات المجتمع والتراث والآداب والفنون والطفل والمرأة والصحة والتغذية... إلخ. ويبدو أن خمسة وعشرين عاماً من عمر"الحياة"لم تذهب سدى فقد سجّلت تطوراً ملحوظاً في مسيرة واحدة من أهم الصحف العربية الساعية إلى توفير المعلومة ومواكبة المسار القومي من وجهة نظر القائمين عليها. ولعل ما يستحق الدراسة والتمحيص في مسار"الحياة"أن ربع القرن الذي خاضته باقتدار لم يكن عادياً فقد اكتنفه كثير من المشكلات العميقة والتطورات العصيبة على المستوى العربي والإسلامي والعالمي. وكان عليها أن تواجه الأحداث وألاّ تنسى في غمرة التداعيات السياسية أن تفتح نوافذها للتعبير عن مستجدات الواقع الفكري والثقافي، وأن يكون للفنون والأدب نصيب يساهم في تشكيل الوعي الإبداعي ويدفع إلى التأمل والتفكير وإثارة الأسئلة حول مصير أمةٍ شغلها النظر في الأفق الراهن عن النظر في الأفق المستقبلي. ومن حسن حظ"الحياة"أنها حُظيت إلى جانب الإمكانات المادية السخية بإمكانات إشرافية وتحريرية ساهمت في تحقيق هذا التصاعد الملحوظ وما رافقه من تأثير واضح على أكثر من صعيد. * شاعر وأكاديمي يمني