بعد المكاسب العسكرية التي حققها الأكراد في شمال شرقي سورية، تعمل ميليشيا كردية حالياً على تعزيز وجودها الجغرافي والسياسي في البلد الذي مزّقته الحرب، ما يضع القوى الإقليمية في مأزق. ولطالما عانى الأكراد من الاضطهاد في عهد الرئيس السوري بشار الأسد ومن قبله والده، وهم يعتبرون الحرب الأهلية الحالية بمثابة فرصة للحصول على نوع من الحكم الذاتي يتمتع به أبناء عرقهم في العراق المجاور. وتعني مكاسب الأكراد للأسد وحلفائه الشيعة انتزاع المزيد من الأراضي من قبضة مقاتلي المعارضة السنّة بعد عامين ونصف العام من اندلاع الانتفاضة المناوئة لحكم الرئيس السوري. ومن ناحية أخرى، تأمل القوى الأجنبية الداعمة للمعارضة في أن يوجّه الأكراد ضربة للمقاتلين المرتبطين بتنظيم"القاعدة". وقال الناشط الكردي بيروز بيريك من مدينة القامشلي السورية:"كان التقدم مقبولاً من الجميع في الأساس". وتغفل هذه التصريحات المخاوف الواسعة من تأثير مكاسب الميليشيا الكردية في صراع لا يهدد وحدة سورية فحسب بل كذلك استقرار الدول المجاورة التي تعاني من الانقسامات العرقية والطائفية نفسها. ويزيد عدد الأكراد على 25 مليون نسمة، وغالباً ما يوصفون بأنهم أكبر جماعة عرقية لا دولة لها. وتضم الأراضي التي يهيمنون عليها وتعرف باسم كردستان، أجزاء من تركياوإيران وسورية والعراق. وبدأت تركيا عمليات الحفر لوضع أساسات جدار على طول جزء من حدودها مع سورية الشهر الماضي وعزت ذلك إلى دواع أمنية. لكن ذلك أثار احتجاجات من الأكراد الذين قالوا إنه يهدف إلى الحيلولة دون تقارب العلاقات عبر الحدود بين المنطقتين الكرديتين في البلدين. ولا شك أن تعزيز موقف الأكراد في سورية يضع تركيا في موقف صعب في الوقت الذي تحاول فيه تحقيق السلام على أرضها مع حزب العمال الكردستاني الذي قاتل من أجل الحصول على حكم ذاتي أكبر للأكراد في جنوب شرقي تركيا طوال ثلاثين عاماً. صحيح أن تزايد نفوذ الميليشيا الكردية السورية المرتبطة بحزب الاتحاد الديموقراطي قد يشد عزيمة حزب العمال الكردستاني المتحالف معه، إلا أن تركيا قلقة أيضاً من وجود جماعات مرتبطة ب"القاعدة"على حدودها. وقال بيريك الناشط الكردي:"ما سترونه هو انقسام أوضح لشمال سورية بين حزب الاتحاد الديموقراطي وقوات المعارضين الإسلاميين". وقال ريدور خليل الناطق باسم الميليشيا الكردية المرتبطة بحزب الاتحاد الديموقراطي، إنه تمت السيطرة على أكثر من ثلثي الأراضي الكردية في سورية ومعظمها في محافظة الحسكة بشمال البلاد حيث يشكّل الأكراد 70 في المئة من سكان المحافظة والبقية من العرب. ولمح خليل أيضاً إلى أن الميليشيا قد تحاول السيطرة على بلدات شمالية يشكل فيها الأكراد أقلية مقارنة بالعرب مثل بلدتي جرابلس وأعزاز الحدوديتين الاستراتيجيتين اللتين استخدمهما مقاتلو المعارضة كطرق لنقل الإمدادات من تركيا. ومن المرجح أن تثير مثل هذه الخطوة رداً عنيفاً من مقاتلي المعارضة العرب ومعظمهم من السنّة. وقال خليل:"لا أقول إننا سنفعل ذلك. دعونا نأخذ الأمور في حينها. فلننتظر لنرى ما إذا كانت الجماعات المسلحة أي مقاتلي المعارضة ستضمن للأكراد حركة آمنة في تلك المنطقة أولاً". ويلتفت الأكراد الآن إلى مدينة تل أبيض التي تمثّل طريقاً مهماً عبر الحدود مع تركيا يمكن استخدامه في نقل الإمدادات. ومدينة راس العين الحدودية التي سيطر عليها الأكراد بالفعل قبل أيام لا تقل أهمية عن تل أبيض. وتلقي المكاسب الكردية بظلال الشك على القوة النسبية لمقاتلي المعارضة خصوصاً للجماعات المرتبطة ب"القاعدة"مثل"جبهة النصرة"و"الدولة الإسلامية في العراق والشام"اللتين تفرضان إرادتهما في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة. وقادت الجماعتان أيضاً هجمات على مناطق كردية، ما أدى إلى تأرجح زمام السيطرة بين الأكراد ومقاتلي المعارضة الإسلاميين المتشددين طوال أشهر. وقال مصدر على صلة بوحدات إسلامية متشددة:"اضطرت جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام إلى الرحيل بسبب الجبهات المهمة التي ينبغي الدفاع عنها في حلب". ويقول مقاتلو المعارضة أيضاً إن هزيمتهم تسلّط الضوء على من يساعدون خصومهم أكثر مما تسلطه على قوة المقاتلين الأكراد أنفسهم. وأضافوا أن الفضل في مكاسب الأكراد يرجع إلى العون الذي قدمته قوات الأسد والعراق الذي يحكمه الشيعة. ويقول الأكراد في سورية إنهم يعارضون الأسد ولا يسعون إلى إقامة دولة منفصلة ولكنهم يتخوفون من الانتفاضة التي يقودها العرب. وقال مصدر سياسي كردي في سورية إن هجوم حزب الاتحاد الديموقراطي جاء في هذا التوقيت ليتزامن مع حملة تشنها قوات الأسد للتقدم نحو الشمال الغربي قرب مدينة حلب. وأضاف:"نظّمت قوات الأسد أيضاً ميليشيات عربية في المنطقة تتألف معظمها من رجال القبائل المعارضين لتنامي نفوذ القاعدة هنا... وقد حاربوا إلى جانب الأكراد". غير أن خليل نفى تعاون مقاتليه مع جماعات من الخارج، في حين قال سياسي عراقي كبير إن إيران الشيعية الحليف الإقليمي الأساسي للأسد تدعم بقوة حزب الاتحاد الديموقراطي. وأوضح:"تدعم إيران هذه الجماعات كي تضمن لنفسها جماعة قوية في سورية في حال خرجت الأمور عن السيطرة"، مضيفاً أن طهران تؤسس شبكة حلفاء من الأقليات في أنحاء البلاد لتعزيز مصالحها وضمان شريك بديل لها في حال سقوط الأسد.