رحل محمد دكروب كما رغب، أو كما كان سيقول إنه يود الرحيل في ما لو طرح عليه السؤال. تمم غالبية واجباته الحزبية والدنيوية، ودع دمشق التي كان يعرفها ويحبها، وابتعدت القاهرة وبغداد وله فيهما تاريخ وأصدقاء، واختار الخميس في الرابع والعشرين من تشرين الأول أكتوبر اليوم الذي شهد قبل 89 عاماً ولادة الحزب الشيوعي اللبناني... ليرحل. قبل أيام قليلة كان"الدكروب"كما يسميه الأصدقاء تحبباً يجول كعادته على مكتبات وصحف للقاء شركاء في شغف المعرفة والقراءة والاطلاع. ربما كان يبحث عن إضافات جديدة يقيمها في طبعة لاحقة لعمله التأريخي البارز"جذور السنديانة الحمراء"، وهذه ليست عادة مستحدثة، فالدكروب الذي أهدى حزبه والباحثين وهواة المعرفة عمله المذكور في عام 1974 بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس الحزب، أعد طبعة ثانية صدرت عام 1984، أضاف فيها وثائق جديدة لعل أبرزها ما يتعلق بدور التنويري الجريء خيرالله خيرالله، وفي الطبعة الثالثة الصادرة عام 2007 كانت الإضافة وجهة نظر حاول الباحث والناقد والمثقف محمد إبراهيم دكروب أن يضمنها مقدمة الطبعة تلك انطلاقاً من سؤال طرحه وفيه:"كيف يمكن أن أكتب هذا الكتاب لو كلفت الآن كتابته؟". مرجعية السؤال كانت في الانهيارات والتغيرات التي شهدها العالم بعد زوال الاتحاد السوفياتي وبمجرد طرحه ظهر كم أن الدكروب، مرة أخرى، صاحب عقل منفتح وحس حيال ما يجري حوله. لم يتنكر لأحداث رواها ونقلها لكنه دعا إلى مزيد من اعمال العقل في ما آلت إليه تجربة قرن بكاملها. أثار دكروب في حينه زوبعة من ردود الأفعال، إلا أنه بقي على ما هو عليه، باحثاً عن الجمال في الأحداث المؤلمة والحياة في ما يبدو أنه موت. لم يتغير الدكروب إلا في نظر الموتى، أما الأحياء فسيبقى حياً بينهم بحثاً ونقداً ورفضاً وقبولاً.