العيد يوم ضاحك بين الناس، فهو شاهدٌ ومشهود من أيام الإسلام، ووجه باسم متهلل ساطع بالبِشر والبركات، وروضة ناعمة معطَّرة، وهدية سماوية لأهل القِبلة في الأرض، ورسالة شكر من الله الجليل إلى أهل الشكر من الناس. وحُقَّ للمؤمن أن يفرح ويتهلل في أمةٍ عبدت ربّها، وضحت"واستجابت لأوامر الخالق"فخرجت بشهادة العابدين الصابرين، وإجازة الطائعين المخلصين، ووسام المتقين الصالحين. وحق للوجه الإسلامي أن يكون باسماً، إذ إنه أذاب الجسم في مواطن الخير، ومسالك الجد، ووجوه العمل الصالح. نعم"إن لكل أمة أعياداً ومواسم من أقدم الأزمنة، يجتمع الناس فيها لإقامة شعائر العبادة، أو لاجتلاء مظاهر الفرح والسرور وتبادل الرأي، والتواصل والمشاركة الوجدانية. ولعيد"الأضحى"صلة وثيقة بنشأة الحنيفية السمحة، والارتباط بأبي الأنبياء إبراهيم الخليل - عليه السلام - فهو الرابط بين الديانات السماوية الثلاث، برباط الأخوة والتعارف والسلام. والأعياد في الإسلام، شُرعت لتأليف القلوب والتقائها على صعيد واحد، يتبادل فيه الناس التهاني والتعاطف والتكافل والتواد والتراحم، ويتقربون إلى الله بتوزيع الصدقات وإطعام الفقراء والمحتاجين وصلة الأرحام، حتى يتساوى الجميع أغنياء وفقراء في الاستمتاع ببهجة العيد وفرحته، والشعور بالأخوة الشاملة. وأيام العيد هي صورة إسلامية صحيحة للتكافل الاجتماعي والإحساس بأهل الفاقة والعوز. ويوم العيد فيه من قوة المعنى وسمو القصد ونبل الغاية"ما يجعل الأخوة عقداً نافذاً بين الناس، لا لفظاً فارغاً، وأن يكون التعاطف والتكافل شعار كل مسلم في هذا اليوم الذي ينبغي أن يشيع فيه الحب والإخاء وأن تقوى معاني التضامن والوحدة. والأمم لا تستغني عن الأعياد الكريمة التي تجمع فيها شملها، وتؤكد وحدتها وتؤلف بين قلوب أبنائها، وتشيع التراحم بين أفرادها. فإذا شاع التراحم بين الناس اندثرت عوامل الفرقة بين صفوفهم"فشعر كل إنسان بأن عليه نحو أخيه التزامات وواجبات، تحمله على أن يشاركه آلامه ومتاعبه وأن يخفف عنه ما استطاع. وإذا كانت الأعياد تحمل معاني الفرحة والبهجة، فليس كل عيد يقبل بالسرور والفرح، على كل الناس، فبعض الناس تزيد الأعيادُ في مواجعهم وآلامهم وأحزانهم، حين يرون فيها من صفا لهم الدهر، وسالمتهم الأيام، وتواصلت عليهم النعم، ويرون أحوالهم النكدة، والصور أمامنا واضحة في أكثر من مكان"فكيف يفرح بالعيد، إخوة لنا نُكبوا في ديارهم، وأنفسهم، وأهليهم، وأموالهم؟! وكيف يهنأ بالعيد النساء الأرامل، والأطفال اليتامى، والمشردون، والمضطهدون المعذبون؟ وكيف يفرح من هُتك عرضه، وسُفك دمه، وتهدمت داره؟ وكيف يسعد بالعيد من يرون آخرين يُخربون أوطانهم بأيديهم، وأيدي الأعداء؟ وكيف ينشرح لبهجة العيد، هؤلاء الإخوة الذين يقاومون أعداءهم، أعداء الدين والأوطان، وهم يواجهون حملات الإبادة والتشريد والضنك، وهم يتعرضون للموت"لأنهم يدافعون عن دينهم وأوطانهم، ويعيشون تحت قصف القنابل والبرد الزمهرير؟ فهل فكر من يتنعمون بالأمن والسلام والغنى في العيد بأحوال إخوانهم اللاجئين، والمنكوبين؟! ومن هنا"كانت الأعياد وسيلة للتضامن والإخاء والتكافل"ففيها يشعر كل إنسان بحق أخيه عليه، وإذا كانت تمر بالعرب والمسلمين اليوم فترة عصيبة، فنحن في أمسِّ الحاجة إلى بسمة العيد مصحوبة بروابط التعاون، والوحدة، والتكافل، وألا تنسينا بهجة العيد وفرحته الأخطار المحدقة بنا من كل جانب، وأن هناك أعداء يستخدمون أسلحتهم ويكشِّرون عن أنيابهم، ليحطموا فينا عزة الإسلام وتقواه، ووحدة الأوطان وقيمتها. فمع الفرحة"لنكن حذرين واعين يقظين، وليكن احتفالنا بالعيد وفاءً لماضينا، وذكرى لبائسنا، وإخاءً صادقاً، وتحابياً رائعاً، وتعاوناً مخلصاً"نغيث فيه الملهوف، ونعين على الخير، ونقوم بحقوق الأهل والأقارب وأخوة الدين، وأخوة الأوطان، وبذلك نحقق أهداف العيد ونكون كما أراد لنا الله، خير أمةٍ أُخرجت للناس. * كاتب مصري