في وقت يستمر نشر مزيد من القوات الغربية والأفريقية في مناطق متفرقة، استعداداً لبدء هجوم بري واسع يهدف إلى استعادة شمال مالي الخاضع لسيطرة مقاتلي الجماعات الإسلامية المتشددة منذ نيسان أبريل الماضي، تخوض حكومة مالي، معركة أيديولوجية وسياسية في مواجهة التطرف الديني الذي ترفع رايته الجماعات"الجهادية"، وذلك سعياً إلى إبعاد أخطاره عن الإسلام المعتدل الذي يطبع منذ قرون مظاهر التدين لدى الشعب. وفيما باركت الجمعيات الدينية المنضوية تحت لواء المجلس الإسلامي الأعلى في مالي، الحملة العسكرية الفرنسية ضد الإسلاميين المتشددين التي استهلت في 11 الشهر الجاري، وساندتها باعتبارها"ليست حرباً ضد الإسلام"، تبرّع الشيخ محمدو ولد الشيخ، أكبر زعيم صوفي في مالي، بمبلغ 25 مليون فرنك غرب أفريقي لمساندة الجهود الحربية للحكومة في مواجهة الإسلاميين الذين دمروا أضرحة ومساجد، كان أتباعه يزورونها في شمال البلاد. جاء ذلك استجابة لنداء أطلقه المجلس الإسلامي الأعلى، علماً أن الزعيم الصوفي يملك نفوذاً واسعاً في مالي، وزاره أخيراً الرئيس الموقت كوندي اتراوري في مقر إقامته بمدينة أنيور وسط، من أجل مطالبته بالدعاء للجيش، للظفر في معركته ضد المتطرفين الإسلاميين. وفي تصريح إلى"الحياة"، انتقد الشيخ ديكو الذي يرأس المجلس الإسلامي، بشدة معارضة دول ووسائل إعلام عربية وإسلامية شن حرب على"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"والجماعات المتشددة المتحالفة معه. وقال:"تركَنا العالم كله للمتشددين وجاءت فرنسا لإنقاذنا، وأطلقت حملة عسكرية قيل إنها تستهدف الإسلام والمسلمين، وهذا كلام خاطئ، ينطلق من مفاهيم خاطئة". وزاد:"يجب أن نكف عن المغالطات ونتفادى المزايدة على بعضنا بعضاً في أن ما يجري في مالي هو بناء تحالف من الخيّرين يضم أشقاء وأصدقاء لمواجهة حفنة من الأشرار الأجانب تشكلت من أفراد تجمعوا في تنظيمات لتخريب بلدنا والسيطرة عليه". وقال الشيخ ديكو الذي يمنح حكومة مالي الشرعية لقتال الجماعات الإسلامية المسلحة، وقد سيطر عليه شعور بالمرارة:"لم نلمس تضامن إخواننا المسلمين الذين تركونا نعاني منذ سنة مشاكل أمنية وجفافاً وجوعاً وتشريداً، وتجاهلوا رغبة الإسلاميين في تخريب بلدنا المسلم بنسبة 89 في المئة وتقسيمه". وسأل:"لماذا يحاول الإسلاميون فرض أشياء علينا لا يقبلونها، ولماذا يدّعون تطبيق الشريعة التي لا يطبقونها في بلدانهم". وتعكس هذه التصريحات شعوراً بالغضب والمرارة في مالي من مواقف دول عربية وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة، وتأرجحت مواقفها بين المعارضة أو التردد وعدم الحماسة للحرب على الإرهاب في مالي. وتخشى حكومة مالي وزعاماتها الدينية أن تثير المواقف السلبية من الحضور العسكري الأجنبي موجة فتاوى جديدة لرجال دين متشددين تجعل أراضيها المترامية الأطراف والمحاذية للمغرب العربي"أرض جهاد جديدة تحولها إلى أفغانستان أفريقيا". وبعدما أعادت حملة"القط المتوحش"الفرنسية الأمل باستعادة مالي شمالها المحتل، تريد السلطات الإفادة من تأثير شخصيات دينية معتدلة تملك كاريزما في الشارع، مثل محمد ديكو ومحمدو ولد الشيخ، لتجنب الارتدادات السلبية للحملة على السلم الأهلي في البلاد، وتحصين شبابها الذي يعاني ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، في مواجهة خيارات المتشددين.