نجحت رابطة الكتاب السوريين، المستقلة، في تأكيد حضورِها واستقلاليتها وإعلان برامجها وطموحاتها، كتكوين مدني ديموقراطي تعددي، في اجتماع عقد الأسبوع الجاري في القاهرة، ضم نحو خمسين من أَعضائها، غالبيتهم من أَمانتها العامة 34 عضواً الذين تم انتخابُهم بآليةٍ إِلكترونية في نيسان إبريل الماضي، شارك في الإشراف عليها كتاب ومثقفون عرب. وأَعاد الاجتماع الأَضواءَ إِلى الرابطة بعد تداولِ أَوساطٍ ثقافيةٍ وإِعلاميةٍ سوريةٍ وعربيةٍ، في الشهور الماضية، شكوكاً اعتبرت هذا التشكيل الثقافي مجرد إِعلانٍ إِعلامي عابر، تمَّت الحماسُة الواسعة له بعض الوقت ثم خفتت، وإِن اعتبرَه الكتاب السوريون الذين عملوا على تأسيسِه ودفعوا بفكرتِه إِلى التنفيذ أَول مولودٍ مدنيٍّ ديموقراطيٍّ للثورة السورية. وجاءَ اجتماع القاهرة لينفي هذا الانطباع الذي كاد يشيعُ سورياً وعربياً، وليجدِّد تلك الحماسة الواسعة، وليمثل اندفاعةً ضروريةً للبدء في تحقيق التحدّي الذي أَناطه بنفسِه هذا الجسم الثقافي المستقل، من أَنْ يُعبّر حقيقة عن جموع كتاب سورية ومبدعيها في بلدِهم ومنافيهم وشتاتهم. وكانت له أَهميته حضورُ الكتاب السوريين الذين تنوَّعت حساسياتُهم الإبداعية وأَطيافهم السياسية وتعدديتهم الوطنية، وقد شاركوا في الاجتماع بفاعليةٍ ملحوظة، وساهموا بحيويةٍ في مداولاتِه، تعبيراً عن أَشواقهم إِلى أَنْ يتمثلوا في كيانٍ حرٍّ تجمعهم مظلته، وقد قدم بعضُهم من داخل سورية. واستضيف في الاجتماع كتّابٌ ومثقفون عرب، أَعلنوا في أَثنائه إِسنادهم الرابطة وانحيازَهم المؤكد للثورة السورية، ونُصرتَهم كتّاب سورية ومثقفيها الأَحرار في نضالِهم من أَجل أَن يتخلص المجال الثقافي في بلدِهم من هيمنةِ السلطة الحاكمة وتجبّرها وفظاظتها. كما استضاف الاجتماع المثقف الإيراني البارز، ووزير الثقافة السابق في بلاده، عطاء الله مهاجراني، والذي كانت لتحيته الثورة السورية قيمة عالية واستثنائية، أكدت حضور أصوات إيرانية منحازة إلى نصرة الشعب السوري في محنته الراهنة، وقد قال إن سورية ليست بلد الحزب الواحد والزعيم الواحد، بل هي بلد نزار قباني وصادق جلال العظم ومفكرين ومبدعين بديعين، وأشار إلى استشهاد مغني الثورة السورية إبراهيم قاشوش والطفل حمزة الخطيب والاعتداء السافر على رسام الكاريكاتير علي فرزات. أَقرَّ الاجتماع انتخاب المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين، وهم 13 عضواً، نالوا أَعلى الأَصوات في انتخابات نيسان، تقدمهم المفكر صادق جلال العظم ب 99 صوتاً، وهي الأكثر من بين نحو 60 متنافساً، وبذلك، أَعلن اجتماع القاهرة رئاسة العظم الرابطة، وتم الاتفاق على الشاعر والناقد حسام الدين محمد والشاعرة رشا عمران نائبين للرئيس، وهما من أعضاء المكتب التنفيذي للرابطة الذي ضمَّ، أيضاً، لينا الطيبي وجورج صبرة وخطيب بدلة وعبدالناصر العايد ومفيد نجم وحسين العودات وفرج بيرقدار وحليم يوسف وريمة الجياعي. وأَُعلن في الاجتماع عن لجنةٍ استشاريةٍ للرابطة تضم الشعراءَ والكتاب نوري الجراح وياسين الحاج صالح وسليم بركات وميشيل كيلو وعائشة أَرناؤوط وحسين العودات. كلمات ومشاركات ودلت الكلمات في افتتاح الاجتماع الذي استمر يومين على إِجماعٍ عريضٍ لدى أَعضاء الرابطة وقيادتِها المنتخبة وضيوفِها على وجوب أَلا يقعَ هذا التكوين الثقافيُّ الجديد في سورية المتحرّرة من الاستبداد في رتابةِ الاجتماعات والاكتفاء بإصدار البيانات، بل أَن تكون لها فعاليتها العملية، فتمتلك دائماً روح المبادرة، فتظلَّ في مستوى التطلعات التي تنشدُ منها دوراً حيوياً يؤكد حضورَ المثقف السوري وإِسهامَه في إِسناد شعبِِه وصمود هذا الشعب الجريح، لا سيما في غضون ثورتِه الراهنة، وفي التعبير عن تنوِّعه وآماله وآلامه، ما سيكون من نتائجِه تظهير البند الثقافي في العمل الوطني السوري العام، والذي يكاد يتصدره أَهل السياسة والإغاثة. وكانت له أَهميته الخاصة قول الشاعر، بشير البكر، في كلمته في الافتتاح إِن النخبَ السياسية السورية التي تصدّت لمهمة قيادة الثورة من الخارج طوال أَكثر من عام ونصف العام فشلت فشلاً ذريعاً، ولم تتمكن من تقديم مشروعٍ وطنيٍّ يرتقي إِلى مستوى تضحيات الشعب والثورات على الأرض. ولعل الأَهمية المضاعفة لهذه الإشارةِ في أَنَّ فاعلياتٍ سياسيةً قياديةً في المعارضة استمعوا إليها في قاعة الاجتماع، وأبرزهم رئيس المجلس الوطني السوري، عبدالباسط سيدا، عضو في الرابطة، والذي أَلقى كلمة قال فيها إِن من المهمات الكثيرة أَمام الكتاب والمثقفين السوريين تنمية الملكةِ النقدية في حقل العمل العام. ولعلها تندرجُ في هذا السياق إِشارة الكاتب والمثقف الفلسطيني، المقيم في سورية عقوداً قبل إِبعاده بعد اعتقاله وتعذيبه قبل شهور، سلامة كيلة، إِلى أَن"الثورة السورية تعيش حالة فوضى"، وهو أَمرٌ رأى كيلة في كلمته إِن الكتاب معنيون بهذا الأَمر في هذه الظروف، حيث"الفوضى تساعد على تأخير انتصار الثورة على النظام المافيوي الحاكم في سورية". ولما كانت رابطة الكتاب السوريين، والتي اعتبرتها رشا عمران جزءاً من بنيان سوري جديد، تمثل البديل المدني الثقافي لاتحاد الكتاب العرب الذي يلتحق بالسلطة الحاكمة، ويتبعها بذيلية تجعله صامتاً بشأن الجرائم اليومية المتواصلة ضد السوريين في أتون ثورتهم، وهو الاتحاد الذي قال الشاعر فرج بيرقدار إنه"حرم"من الانشقاق عنه، بسبب عدم قبول طلب انتسابه إليه قبل سنوات بعيدة. وقد وصف الاتحاد بأنه" يقف مشلولاً أمام المذابح"، وفق تعبير محق للمهندس وليد الزعبي، رئيس تيار المستقبل، والذي منحته الرابطة عضويته الفخرية، لدوره في رعاية اجتماعها في القاهرة ودعمه مالياً، وكذلك لدعمه ورعايته ومساهمته في نشر مجلة"الرابطة الأدبية"التي وزع في الاجتماع العدد صفر منها، وأعلن الزعبي تكفله بتمويلها لاحقاً. وبدا الحرص على تسمية الرابطة بأنها"رابطة الكتاب السوريين"دالاً وواضحاً، تأكيداً للتنوع الوطني في سورية، ورداً على عدم اعتراف اتحاد السلطة بهذا التنوع واحترامه. وأشار الكاتب إبراهيم اليوسف إلى وجوب اهتمام الرابطة بالكاتب السوري الكردي، وقد دللت الرابطة على هذا الأمر في أن اللغة الكردية واحدة من لغات موقعها الإلكتروني، كما أن حضور وضيوف مؤتمرها في القاهرة استمعوا إلى الشاعر أحمد حسيني بالكردية، ونقلها إبراهيم اليوسف أمامهم إلى العربية. وكانت هذه مساهمة لافتة في دلالتها ومضمونها الثقافي، وعبرت عملياً عن أهداف للرابطة أعلنت أنها ستعمل على تحقيقها، ومنها، كما جاء في البيان الختامي للاجتماع، تفعيل الدور الريادي للكتاب السوريين وتعزيز الثقافة المدنية ونشرها، والدفاع عن حرية الكلمة ومبدعها السوري في إطار التزام الرابطة الجوهري بالدفاع عن الحريات العامة للأفراد والجماعات، وتشمل حقوق الإنسان في دولة سورية المدنية الديموقراطية، إضافة إلى مساهمة الرابطة في تنمية الحياة الفكرية والثقافية والفنية ودعم نشر الكتاب ضمن مفاهيم الحرية والكرامة ونصرة الإنسان والابتعاد عن الفكر الاستبدادي والقمع الذي هو من أهم أدوات السيطرة والإقصاء ومصادرة الحريات والأفكار والآمال لعقود سود مضت. وجاء في البيان الختامي أيضاً أن الأعضاء اتفقوا، بالإجماع على الصيغة المجددة لأهداف الرابطة للمساهمة في بناء ثقافة وطنية ديموقراطية تستند إلى الموروث السوري العميق والمتنوع، وتنطلق من روح الحداثة والتجديد والانفتاح على التعدد الثقافي واللغوي لسائر مكونات سورية الثقافية والقومية. الخشية من تحزب الرابطة كانت واحدة من المخاوف عليها، وعبّر عن ذلك الكاتب حسين العودات، في جلسة الافتتاح التي تمت فيها تحية الكاتب الذي شارك بفعالية في تأسيس الرابطة، ياسين الحاج صالح، والذي يغالب ظروفاً قهرية ضاغطة في الداخل السوري، ولكفاحه المشهود، نال قبل أيام جائزة الأمير كلاوس في هولندا. وإلى التشديد على دور المثقف باعتباره ضمير شعبه، وعلى وحدة السوريين، وضرورة الإسهام في أن تكون الرابطة إطاراً نقابياً مهنياً، كما ألح على ذلك فايز سارة، قال خطيب بدلة إن السوريين يليق بهم أن تكون لهم تنظيماتهم الحرة المستقلة، واستهجن الكاتب اللبناني أحمد علي الزين"الحياد المريب للعالم"تجاه الثورة السورية، كما شدد القاص والروائي محمود الريماوي على وجوب إبراز الصوت المستقل للرابطة، وتفعيل اتصالاتها مع المثقفين العرب. وأوضح الشاعر المغربي حسن نجمي اعتزاز المغاربة بسورية وثورتها العظيمة. ومن مصر تحدث الشاعر زين العابدين فؤاد مناصراً ثورة سورية، ومسنداً رابطة كتابها الذين سُمّوا أحراراً في مطويات وبوسترات اجتماع القاهرة، والذي يؤمل أن يكون منصة انطلاق حقيقية لهذه الرابطة المعول عليها، سورياً وعربياً، كثيراً جداً. تصريح العظم وقال رئيس رابطة الكتاب السوريين، الدكتور صادق جلال العظم، عقب إعلان منصبه في اجتماع الأمانة العامة للرابطة في القاهرة، ل"الحياة"، إنه للمرة الأولى يحضر اجتماعاً لمثقفين عرب يتداولون شؤونهم من دون الإحساس بوجود رقيب عليهم، ومن دون الرقيب الداخلي الذي"استبطناه"طوال عقود. وأضاف إنه لولا الثورة السورية لما قيض لخطوة تأسيس رابطة الكتاب السوريين وإعلانها أن تكون ممكنة، ولذلك"نحن مدينون لها ولتضحيات الشعب السوري فيها، فقد تمكن أهل الثقافة في سورية من الاجتماع وتدبير شؤون رابطتهم المستجدة، والحرة والمستقلة، والتي تعبر عن إرادة أعضائها". وقال العظم إن رابطة الكتاب السوريين تقطع مع اتحادات الكتاب التابعة للحزب الواحد والخط الواحد والرئيس الواحد والدائم، باتجاه اتحاد للكتاب ديموقراطي وظائفه الأساسية وظائف أي اتحاد طبيعي للكتاب في بلاد العالم، وهي رعاية حرية الفكر والتعبير، والدفاع عن حرية منتجي الأدب والرواية والشعر والثقافة الحرة، والدفاع عن الكاتب وحقوقه، عندما يلاحق ويضطهد ويسجن، كما يحدث كثيراً في سورية. وأوضح صادق جلال العظم أن رابطة الكتاب السوريين ليست في هذه المرحلة بصدد اقتحام ما يسمى اتحاد كتاب العرب، فتحل محله، ذلك أنها بعد اجتماعها التأسيسي الأول في القاهرة ستعمل على تثبيت نفسها على الساحة، في نشاطات ستقوم بها وتبادر إليها، الأمر الذي سيأخذ بعض الوقت، حتى تتمكن من الحلول محل الاتحاد الرسمي. ورداً على سؤاله عما سيدفع كتاباً سوريين إلى الانتساب إلى عضوية الرابطة فيما يوفر الاتحاد امتيازات معيشية معينة، أكد العظم أن الرابطة لا تنازع حق من يريد أن ينتمي إلى الاتحاد المذكور من أجل الامتيازات التي تأتي من نظام استبدادي. وأضاف:"نريد أن نخلق بديلاً جوهره حرية الكاتب والمفكر والشاعر والناقد واستقلالهم، وليس تقديم الامتيازات المعروفة". وأفاد أنه شخصياً لا يعترف بشرعية تمثيل اتحاد الكتاب العرب في سورية الكتاب والمثقفين السوريين، والرابطة ترحب يمن يريد أن ينتسب إليها من أعضاء هذا الاتحاد، من دون أن تفرض عليه الاستقالة منه. وقال العظم إن الفاعلين في رابطة الكتاب السوريين مدعوون جميعهم إلى إيجاد الآليات التي تضمن عدم وقوعهم في مطب الرتابة والروتينية والخمول، حيث إن الرابطة بفاعلية أعضائها واندفاعهم في الأداء والإنجاز قادرة على أن تحقق حضورها المهني والنقابي والتمثيلي في العالم العربي وفي العالم. وفي شأن لجنة مكتب الاتصال مع الداخل، والذي تم الاتفاق عليه في اجتماع القاهرة، وسيكون برئاسة جورج صبرا، قال صادق جلال العظم إن واحدة من مهمات هذا المكتب التواصل مع الأجيال الجديدة من الكتاب السوريين الناشطين في إنتاج الإبداعات الأدبية والفنية في الفضاء الإلكتروني. وتعقيباً على ما يتردد عن قصور في فاعلية المثقف السوري في حراك الثورة في بلاده، يرى المفكر المعروف أن التقصير قائم، غير أن كثيرين من أهل الثقافة والفن والأدب منخرطون في الثورة، لا سيما من العناصر النسائية منهم، وأوضح أن هذا الأمر لا يعتمد على الرابطة كجسم، وإنما يعتمد على أعضائها كأفراد في التعبير عن الثورة.